الأناضول: تصاعدت مؤخراُ الأهمية الإستراتيجية لموريتانيا، خاصة بعد اكتشاف الغاز الطبيعي، وذلك بفضل موقعها الواصل بين منطقتي المغرب العربي وغرب افريقيا وإطلالها على المحيط الأطلسي والدور الذي يمكن أن تلعبه في مكافحة الإرهاب، مما يجعل قوى دولية وإقليمية تسعى لاستقطابها ضمن مشاريعها السياسية والأمنية والاقتصادية.
فهذا البلد تتوافر لديه عناصر عديدة يمكن في حال استخدامها بطريقة صحيحة إخراجه من قائمة أفقر 25 بلداً في العالم، ورفعه إلى قائمة الدول الثرية، في القارة السمراء على الأقل. فعدد سكان موريتانيا يبلغ نحو 4.6 مليون نسمة، وهو رقم يقارب عدد سكان الكويت المصنفة في المرتبة 31 ضمن قائمة أغنى دول العالم. ومع احتياطيات غاز كبيرة جرى اكتشافها مؤخراً واستثمارات متوقعة ستتدفق عليها لوضع هذه الاحتياطيات قيد التشغيل، واستقرار سياسي نسبي، لا يوجد سبب يمنع البلاد من تحقيق تقدم كبير.
تحديان كبيران: كيفية استخدام العائدات وتنافس الجزائر والمغرب
يقول البعض أن الوضع الحالي في موريتانيا مشابه لما كانت عليه دول الخليج قبيل اكتشاف النفط، الذي حوّلها من دول فقيرة إلى غنية من حيث نصيب الفرد من الناتج الداخلي، كما شهدت نهضة عمرانية مبهرة. لكن ليست كل تجارب اكتشاف النفط في الدول العربية قليلة السكان ناجحة، فعند النظر إلى ليبيا التي تمتلك أكبر احتياطي نفطي في افريقيا وسكان لا يصل عددهم 7 ملايين، لم تتحقق نجاحات كالتي تحققت في دول الخليج. فغياب الاستقرار السياسي والأمني منذ 2011، وسوء التخطيط التنموي، والانخراط في الأزمات الدولية بشكل سلبي في عهد معمر القذافي (1969- 2011)، كلها أسباب دون تحقيق ليبيا نموذجاً تنموياً يمكن البناء عليه.
وتقدر احتياطات الغاز المكتشفة في موريتانيا بـ100 ترليون قدم مكعب، ما يضعها في المرتبة الثالثة افريقياً بعد نيجيريا (207 ترليون قدم مكعب)، والجزائر (159 ترليون قدم مكعب). كما يفوق احتياطي الغاز الموريتاني نظيره الليبي (نحو 55 ترليون قدم مكعب)، وحتى المصري (63 ترليون قدم مكعب).
لكن موريتانيا لا تمتلك الأموال الكافية لاستثمار مليارات الدولارات في استخراج الغاز وبناء مصانع تسييله وتخزينه وتصديره عبر موانئ وسفن خاصة، مثلما فعلت قطر منتصف التسعينات. لذلك تضطر موريتانيا للاعتماد على الاستثمارات الأجنبية للشركات المتعددة الجنسيات، خاصة البريطانية والأمريكية والفرنسية. ومن المنتظر أن يتم بيع أول شحنة غاز موريتاني نهاية 2023، في ظرف دولي غاية في الحساسية، حيث تسعى الدول الأوروبية للاستغناء كليا عن صادرات الغاز الروسي.
وإذا استمر هذا التوجه في الأعوام المقبلة، فسيجد الغاز الموريتاني سوقاً قريباً ما سيوفر للبلاد ليس فقط مداخيل كبيرة بالعملة الصعبة، بل سيزيد من أهميتها الجيوسياسية بالنسبة لأوروبا والعالم. وهنا يطرح السؤالين الكبيرين: وأولهما كيفية استخدام عائدات تصدير الغاز في القضاء على الأمية (52 في المئة) والفقر (31 في المئة)، وتشييد بنية تحتية وعمرانية حديثة، وتنويع الاقتصاد؟
وثانيهما كيفية التصرف إزاء التنافس القائم بين الجارتين القويتين الجزائر والمغرب»؟ الموقع الإستراتيجي لموريتانيا الرابط بين دول المغرب العربي والمجموعة الاقتصادية لغرب افريقيا جعلها محل تنافس بين الجزائر والمغرب، باعتبارها الطريق الأقرب والأكثر أمنا لتصدير سلعهم نحو دول غرب افريقيا والمطلة على المحيط الأطلسي وخليج غينيا. ومنذ سنوات، يصدر المغرب سلعه براً نحو غرب افريقيا عبر موريتانيا، وفي 20 سبتمبر/أيلول الجاري انعقدت الدورة الثانية للمنتدى الاقتصادي المغربي الموريتاني بمدينة الدار البيضاء، بحضور نحو 140 رجل أعمال موريتاني. بينما وقّعت الجزائر وموريتانيا 26 اتفاقية في 14 سبتمبر، بعدما تم افتتاح أول معبر حدودي بينهما في 2018 فقط. كما قرر البلدان تشييد طريق بين مدينتي تينــدوف الجزائرية والزويرات الموريتانية، وتتولى الجزائر تمويله وإنجازه وتوفير مختلف الخدمات على طوله بما فيها الإضاءة بالطاقة الشمسية، ومحـطات الوقود.
لكن الأهم من ذلك دعوة الجزائر موريتانيا لبناء خط أنابيب يربط حقول الغاز الموريتانية بشبكة أنابيب الغاز الجزائرية بما يسمح بتصديره إلى أوروبا. ولم تعلن نواكشوط بعد عن الطريقة التي سيتم تصدير غازها إلى أوروبا، لكن من المرجح أن يتم تصديره مسالا في المرحلة الأولى، خاصة وأن تشييد أنبوب غاز عبر الجزائر أو المغرب يتطلب فترة طويلة لا تقل عن عامين في أحسن الأحوال.