على بعد ثلاثمائة كلمتر شمال نواكشوط يشوه منجم الذهب المفتوح المناظر الصحراوية الخلابة. وعلى مدرج أكبر منجم للذهب، تازيازت تغدو طائرات صغيرة وتروح وحول هذا المكان في قلب الصحراء خرجت مدينة صغيرة أو بالأحرى مخيم من ثلاثة آلاف ساكن أغلبهم عمال. يحرس دركيون بكامل عدتهم ما كان يفترض أن يكون دجاجة تبيض ذهبا لموريتانيا ومالك المنجم الذي أصبح منذ 2010 العملاق الكندي "كينروس غولد كوربوريشن" التي تنتج 2،71 أونصة من الذهب حول العالم سنة 2014 أي ما يعادل 85،86 طن.
لكن هذه الواحة الغناء ربما لم تكن سوى سراب. في الحقيقية تحول استغلال منجم تازيازت إلى كابوس. فقد انهارت أسعار الذهب بحوالي 42% منذ سبتمبر 2011، وبات المنجم يعمل بوتيرة بطيئة، والأخطر من ذلك أن كينروس (خامس أكبر منتج للذهب في العالم) توجد تحت منظار كل من هيئة الأوراق المالية والبورصات ووزارة العدل الأميركية، بتهمة الفساد. وحسب الوثائق التي اطلعت عليها جريدة لوموند فقد بدأت هيئة الأوراق المالية والبورصات العام الماضي تحقيقا حول العلاقات المتشابكة بين المجموعة المنجمية المسجلة في بورصتي نيويورك وتورنتو ونظام الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز. في الثامن عشر من فبراير الماضي استدعى محققو سلطة التنظيم في أميركا باتريك هيكي نائب رئيس كينروس في إفريقيا سابقا والذي كان مسئولا عن منجم تازيازت حتى تنحيته عن المجموعة سنة 2014. ويسعى المحققون إلى الكشف عن العلاقات المالية والتجارية التي عقدت مع شركاء موريتانيين في الدائرة المقربة من الرئيس. واعتذرت هيئة الأوراق المالية عن الرد على تساؤلات جريدة لوموند بحجة سرية التحقيق.
في التاسع عشر من مارس 2014 ألزمت سلطة التنظيم شركة كينروس بتقديم لائحة تضم وثائق داخلية مثل جميع المراسلات العادية والإليكترونية بالإضافة إلى العقود والحوالات المبرمة مع لائحة طويلة من الشخصيات الموريتانية غالبيتهم الساحقة مقربون من الرئيس، كما طالبت هيئة الأوراق المالية شركة كينروس بتزويدها بوثائق الضرائب على المحروقات والعلاقات مع مفتشي الشغل والتقارير البيئية. كل هذه الوثائق المطلوبة يجب أن تغطي الفترة من فاتح ديسمبر 2010، أي ثلاثة أشهر من شراء كينروس لمنجم تازيازت.
أكبر عملية اقتناء في تاريخ كينروس
وقد باعت مجموعة "ريد بلاك ماينينغ" التي كانت قد اقتنت المنجم مقابل 178 مليون دولار قبل سنوات، باعته لكنيروس مقابل 7،1 مليار دولار. وهذه أكبر عملية مالية وأكثرها إثارة للنقد في تاريخ الشركة. ويحوي المنجم احتياطا محققا يبلغ 5 مليون أونصة (171،71 طن) وربما ضعفه أو ضعف الضعف، حسب الخبراء الذين يقدر بعضهم الاحتياطي غير المكتشف ب20 مليون أونصة (687 طن). "ولكن نجاح هذا الاقتناء المقترح على "ريد بلاك ماينيغ" مرتبط إلى حد كبير بالاحتياطيات المفترضة للمنجم." يمكن أن نقرأ هذه الفقرة في مذكرة صادرة بتاريخ 11 أغسطس 2010 عن مؤسسة الاستشارات إنستيتشيونال شيرهولدارز سرفيس"
وحسب هذه المؤسسة التي اتصلت بها جريدة لوموند فلا بد أن يحوي المنجم 22،5 مليون أونصة وأن تزيد كينروس إنتاجها العالمي بنسبة 30% بحلول 2015 حتى تكون العملية مربحة.
في سنة 2010 كان إنتاج المنجم يصل 57 ألف أونصة (1،7 طن) أي أقل عشرين مرة من أكبر منجم في العالم، منجم "كراسبيرغ" في إندونيسيا. ومما يزيد الرهان خطورة هشاشة المؤسسات الموريتانية، والاستشراء الوبائي للفساد (تصنف منظمة الشفافية الدولية موريتانيا في الرتبة 51 من بين الدول الأكثر فسادا على لائحة تضم 175 دولة) كما تنتشر فيها شبكات تهريب المخدرات وتعبر منظمات جهادية المناطق الصحراوية من البلاد. عندما تنظر إلى موريتانيا من ناطحات سحاب نيويروك وتورنتو، فإنها لا تبدو مكانا ملائما لازدهار الأعمال. مع ذلك فإن "تاي بيرت" رئيس "كينروس غولد كوربوريشن" توصل إلى إقناع غالبية المساهمين بقبول الصفقة بعد أن خاض مارثونا من اللقاءات مع المساهمين المترددين: أكثر من 150 لقاءا متتاليا خلال صيف 2010.
في الخامس عشر من سبتمبر 2010 وافقت الجمعية العمومية للمساهمين على اقتناء منجم تازيازت وكان ذلك بداية لسلسلة من المصائب بالنسبة للشركة.
كانت أولى هذه المصائب انخفاض أسعار الذهب الذي بدأت مؤشراته في سبتمبر 2010 ثم قدم مساهمون غاضبون طعونا ضد الصفقة أمام محاكم أونتاريو ونيويورك. سنة 2012 يتهمون فيها إدارة الشركة بتقديم معلومات مغلوطة لتبرير اقتناء هذا المنجم في هذه الدولة النائية من إفريقيا. تمت نتحية "تاي بيرت" من رئاسة الشركة في يوليو 2014 ولكن اقتضى الأمر أكثر من ثلاث سنوات من أجل تهدئة العاصفة. لقد تم اقتراح تعويض بقيمة 12،5 للمساهمين الكنديين و33 مليون للمساهمين الأميركيين مقابل التنازل عن الشكوى. في صيف 2015 تم تجاوز هاتين المشكلتين، ولكن بقي ما هو أكثر إثارة للقلق، أي تحقيق هيئة الأوراق المالية والبورصات الجاري حاليا.
مقربون للرئيس مستهدفون
ففي نواكشوط استفاد عدد كبير من المسئولين السامين والمقربين من الرئيس محمد ولد عبد العزيز من كرم "كينروس تازيازت" فموظفو الجمارك وعناصر الدرك الذين يحمون المكان يتلقون رواتب بصورة مباشرة من المجموعة المنجمية. وحسب معلوماتنا فقد أجر الجنرال أنجاغا جينغ قائد الدرك الوطني عددا من فيلاهات يملكها لموظفين في الشركة التي قامت أيضا باكتتاب ابنته، ولم ترغب كينروس في التعليق على هذه المعلومة. وتعج اللائحة التي تحقق فيها هيئة الأوراق المالية بأسماء قادة في الجيش ومفتشي شغل وموظفين سامين ومستشارين للرئيس. من ضمن هذه الأسماء المدعو "إسماعيل حسنَ" ابن عم مدير الأمن العممومي، وقد شغل إسماعيل هذا، وهو مقاول في مجال اللوازم، منصب مدير العلاقات الخارجية في فرع كينروس بموريتانيا. وقد رفض الإجابة على أسئلة لوموند. وعلى هذه اللائحة أيضا رجل الأعمال الأنيق دائما الذي يعتاد فنادق باريس الفاخرة ما العينين ولد التومي الذي عُين نائبا لرئيس منجم تازيازت. ومن الصدفة طبعا أن ولد التومي سبق له وأن شغل مدير التشريفات وأن له ابن عم يسمى محمد ولد عبد العزيز. ومن الشخصيات المستهدفة أيضا من قبل هيئة الأوراق المالية محمد عبد الله ولد اياه، المندوب السابق للاستثمار الخاص في موريتانيا. وهو أحد المقاولين المتعاونين مع العملاق المنجمي.
في المحصلة فإن لائحة هيئة الأوراق المالية ترسم خريطة السلطة في موريتانيا، نظرا لأن هذه الشخصيات تشكل عمق بطانة الرئيس.
وصل محمد ولد عبد العزيز إلى رأس السلطة في انقلاب سنة 2008 وتم تبييضه سنة 2009 بانتخابات رئاسية تبعتها أخرى 1014 فاز فيها بنسبة 81% من الأصوات. تنظر العواصم الغربية إليه بعين الرضا وترى فيه حليفا ثمينا في محاربة الإرهاب. ألم يقل بعمليات مشتركة مع القوات الفرنسية في منطقة الساحل؟ ألم يقم بدور المسهل أثناء أزمات الرهائن؟ ألم يقم باستقبال وحماية الفريق الذي صور فلم تمبكتو الحائز على حفنة من جوائز سيزار؟ والذي لم يكن لبرى النور لولا دعم السلطات الموريتانية.
الهيمنة السياسية والاقتصادية للرئيس محمد ود عبد العزيز
على الصعيد الداخلي فإن الرجل الذي نصب نفسه رئيسا للفقراء يلعب دور "تشافيز الساحل" فهو يدين الفساد وينعش الاقتصاد -ارتفعت نسبة النمو من -1،2% إلى 6% ولكن محمد ولد عبد العزيز وأد كل الحركات الاحتجاجية سنة 2011 عندما وصلت نسائم الربيع العربي موريتانيا, لقد تم إخراس المناضلين المناهضين لاستغلال الحراطين مثل بيرام ولد اعبيد الذي تم الحكم عليه 20 أغسطس بالسجن سنتين نافذتين.
يمارس محمد ولد عبد العزيز استحواذا على المجالين السياسي والاقتصادي بواسطة ذويه ورجال قبيلته من أولاد بسباع الذين يتوزعون في المناصب الحكومية ويدورون داخل وحول "كينروس كوربوريشن" ومع التحقيق الأميركي فإن التسيير العشائري لموارد البلاد -التي تتأتى 70% منها من استخراج مناجم الحديد والذهب والنحاس والبترول- الذي طالما أدانته المعارضة السياسية ومنظمات المجتمع المدني يظهر جليا للعيان.
يدين وليام بوردون الرئيس المؤسس لجمعية "شيربا" [المناهضة للفساد السياسي في إفريقيا] ما يجري بقوله: "من غير المسبوق أن تطلق مصالح التحقيق الأقوى في العالم تحريات حول العلاقات المشبوهة بين أحد أكبر الفاعلين المنجميين من جهة وبين رئيس وعشيرته من جهة أخرى". ويضيف "يُظهر هذا المثال مناخ الإفساد القائم بين هذه الشركات العالمية وأنظمة الحكم القائمة على النهب في ظل إفلات تام من العدالة، ومن بينها موريتانيا التي تحقق حولها "شيربا" منذ سنوات. بعيد ساعات من اتصال جريدة لوموند بها، أصدرت شركة "كينروس غولد كوربوريشن بيانا يوم الجمعة 2 أكتوبر قالت فيه إنها "تلقت منذ 2013 معلومات تتعلق بادعاءات بدفع مبالغ خارج القانون لأعضاء في الحكومة [الموريتانية] وبنقص في الرقابة الداخلية على نشاطاتها المنجمية في إفريقيا الغربية" كما تضيف "تأخذ كينروس هذه الادعاءات على محمل الجد [...] وتتعاون بصورة تامة مع هيئة الأوراق المالية ووزارة العدل الأميركيتين."
حسب معلوماتنا فقد حُذرت إدارة المجموعة المنجمية قبل 2013 بكثير. لقد نبه محامو كينروس إدارة الشركة في 15 سبتمبر 2011 إلى خطورة أفعالها في موريتانيا التي تقع تحت طائلة قوانين محاربة الفساد في كندا وأميركا. هذه النصائح تبدو اليوم بالغة الحصافة.
السراج