في ضيافة ولد الشنقيطية...

سبت, 10/10/2015 - 12:13

أدى صاحب الفخامة السيد محمد ولد عبد العزيز، رئيس الجمهورية يومي 07 و08 أكتوبر الجاري زيارة صداقة  وعمل للمملكة العربية السعودية، هي الثانية خلال ستة أشهر، برهانا ساطعا على عمق العلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين.

تكتسي هذه الزيارة أهمية قصوى بالنسبة للبلدين الشقيقين لما سيترتب عليها من زيادة التعاون بينهما وتعزيز تنسيق مواقفهما الدولية من القضايا الكبرى التي تهم الأمتين العربية والإسلامية. فللسعودية مكانتها الدولية وإشعاعها الديني لدى المسلمين بما هي خادمة الحرمين الشريفين، ومهوى قلوب المؤمنين، ودولة إقليمية لها وزنها الكبير في منطقة الشرق الأوسط ذات الأهمية الإستراتيجية والحساسية الكبيرة بالنسبة للقوى العظمى التي تتزود منها بموارد الطاقة، وتسيطر المنطقة على الطرق البحرية التي تمر منها ناقلات النفط العملاقة؛ شريان الاقتصاد العالمي.

وتكتسي موريتانيا، بالنسبة للسعودية أهمية كبرى لموقعها الجغرافي على تماس العالمين العربي والإفريقي، وهو موقع عرفت السلطات الموريتانية كيف تستثمره خلال السنوات الأخيرة لصالح المزيد من التعاون بين العرب والأفارقة في كافة المجالات. وقد تعززت هذه المكانة بشكل كبير بعد ترؤس موريتانيا للإتحاد الإفريقي خلال سنة 2014. فقد امتازت الرئاسة الموريتانية بنشاط رصين ومثمر جمع القارة بالفضاءات السياسية والاقتصادية الدولية؛ فعقدت القمة العربية الإفريقية في الكويت، وقمة الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوربي في بروكسل، وقمة إفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية في واشنطن، وقمة إفريقيا وتركيا في مالابو...

في كل هذه اللقاءات الدولية كان فخامة رئيس الجمهورية رئيس الاتحاد الإفريقي وسفير العرب لدى إفريقيا، فكان ملتقى مصالح الكتلتين، ومنسق تعاونهما. هذه المكانة الدولية والتأثير الكبير هو الذي تسعى السعودية اليوم إلى استثماره لصالح العرب والأفارقة في آن، فسعت إلى تجديد التشاور  مع الجانب الموريتاني بغية الوصول لأنجع السبل لمواجهة مخاطر الإرهاب الذي أصبح لموريتانيا في مواجهته تجربتها الناجحة والمتميزة، وتعزيزا للتعاون في المجالات الاقتصادية، والثقافية والاجتماعية والمالية. 

بالإضافة إلى كل هذا، وأكثر تكتسي الزيارة بعدا إنسانيا لا يقل أهمية  عن أبعادها العديدة الأخرى. فالملك سلمان، بالنسبة للموريتانيين ليس مجرد زعيم شقيق فقط، وإنما هو ابن أخت يعتز بخؤولته من الشناقطة. فقد رعت خطواته الأولى، وسهرت على طفولته الغضة مرضعة شنقيطية يعدها في أمهاته ويحفظ ذكراها عطرة في قلبه الطيب تأسيا بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي أعتق هوازن يوم حنين ورد إليهم سباياهم وأموالهم بعد أن توسلوا إليه برضاعه فيهم.

و يحدث الملك سلمان، في مجالسه الخاصة والعامة، بأنه كان يكنى في صباه بـ "ولد الشنقيطية"، وهي من عادات العرب في الكنى بما هو ألصق بالانسان. وتدل هذه الكنية على أن الشنقيطية لم تكن مجرد مرضعة وإنما كانت في عطفها وحنانها على الأمير الصغير أما رؤوما، وكان هو يرى ذلك فيها ويرعاه لها، ولقومها اليوم. وتلك لعمري شيمة الأكابر؛ حفظ الود، واتصاله في العقب.

فقد روى ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: إن أبر البر أن يصل الرجل ودَّ أبيه. وإذا كان خادم الحرمين الشريفين (يفضل إطلاقها عليه بدل جلالة الملك) يجل أخواله الشناقطة ويكرمهم، فقد اشتهر الموريتانيون عموما بحب أبناء البنات وتقريبهم والاستزادة في دلالهم. فلا غرابة إذن في أن تعرف العلاقات الموريتانية السعودية زخما خاصا في ظل قيادة فخامة رئيس الجمهورية، وخادم الحرمين الشريفين.

فالعلاقة بين الخال وابن الأخت علاقة عاطفية حميمة تتجاوز المصالح والحسابات إلى مشاعر الود والثقة التي تكونت سريعا بين الخال وابن أخته. فقد حل رئيس الجمهورية رسميا ضيف شرف كبير على المملكة العربية السعودية، لكنه إنسانيا زار ابن أخته، فكان في ضيافة "ولد الشنقيطية".

محفوظ ولد الجيلاني

[email protected]