قمّة تطبيع عربيّة إسرائيليّة لدُول “مُنتدى النقب” في جنوب المغرب في آذار المُقبل وبعد اقتِحام الأقصى.. لماذا؟ وهل تأجّلت زيارة نِتنياهو للإمارات أم أُلغِيَتْ؟ وما هي الأسباب التي دفعت شُعوب “سلام أبراهام” إلى الانقِلابِ ضدّها؟ وكيف نرى سِيناريوهات المُستقبل؟
من الأخبار الصّادمة التي تتوالى من دولة الاحتِلال الإسرائيلي في الأيّام الأُولى من العامِ الميلادي الجديد، ويُمكن تصنيفها في خانة “الوقاحة”، خبر يقول إن وفدًا إسرائيليًّا رفيع المُستوى سيقوم بجولةٍ خِلال الأيّام القليلة المُقبلة برئاسة المدير العام لوزارة الخارجيّة، تشمل زيارة مِصر والإمارات والمغرب والبحرين لبحث ترتيبات عقد قمّة “مُنتدى النقب” لوزراء خارجيّة هذه الحُكومات في جنوب المغرب في آذار (مارس) المُقبل.
نقول قمّة “الوقاحة”، ونضيف إليها المهانة، والإذلال، لأنّ هذه الجولة تأتي بعد اقتحام إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي المعروف بآرائه الفاشيّة المُحرّضة على قتْل العرب وضم الضفّة والأماكن المُقدّسة، وتفاقم أعمال القتْل والإعدام للمُواطنين العرب في فِلسطين المُحتلّة، للمسجد الأقصى في تَحَدٍّ سافِرٍ للأُمّتين العربيّة والإسلاميّة، هل ستأتي هذه القمّة من أجل مُباركة الوزراء العرب المُشاركين فيها حُكومة نِتنياهو الفاشيّة، وهل سيشيدون باقتِحام بن غفير للأقصى، ومُساندته في مشروعه لضمّ الضفّة وطرد العرب؟
ad
***
إيلي كوهين وزير الخارجيّة الإسرائيلي الجديد، وأحد أبرز مُهندسي “سلام أبراهام”، وقامَ باتّصالاته السّريّة مع حُكومات هذه الدّول المُوقّعة والمُطبّعة، يُريد عقد القمّة الجديدة للسّنة الثانية على التّوالي ولكن ليس في بلدة “سدية بوكير” في النّقب المُحتل، حيث يُوجد قبْر ديفيد بن غوريون، وإنّما في المغرب، في استِفزازٍ “مُعيب” لهذه الدّول، وإحراجها أمام مُواطنيها أوّلًا، والأُمّتين العربيّة والإسلاميّة ثانيًا، وكأنّ اقتِحام بن غفير للمسجد الأقصى لم يَحدُث، والظّروف التي سمحت بعقد القمّة الأولى تحت أُكذوبة مُواجهة إيران، ما زالت على حالها ولم تتغيّر رأسًا على عقب بفضْل تصاعد المُقاومة الفِلسطينيّة المُباركة.
هؤلاء المسؤولون الإسرائيليّون مِثل “دودة العلق” التي تلتصق بحلق ضحاياها من الحيوانات، وتمتصّ دمائها، ويصعب التخلّص منها، وهذا ما يُفسّر الإصرار على مُمارسة الضّغوط والابتِزاز للحُكومات، ولا نقول الدّول، العربيّة المُطبّعة، وكأنّ حُكومة نِتنياهو الجديدة من “الحُملان”، مُسالمة، وليس عُتاة الفاشيين العُنصريين الذين يبزون كُل من قبلهم، وربّما من بعدهم، في الكراهية للعرب.
نِتنياهو كان يُخطّط للاحتِفال بعودته للسّلطة بجعل أبو ظبي العاصمة العربيّة الأُولى التي يَحُطّ الرّحال فيها، وربّما بعدها الرياض، ولكنّ الرّد على هذه الخطوة “الطّموحة” التي تنطوي على الكثير من الغُرور والغطرسة والاستِهتار بالعرب، جاء باستِضافة اللّقاء الثلاثي بين وزراء خارجيّة روسيا وسورية وتركيا للتّمهيد لقمّة الأسد أردوغان التي قد تُعيد العلاقات السوريّة التركيّة تدريجيًّا إلى عهدها الذّهبي، وتُسدِل السّتار على مُؤامرةِ تغيير النّظام وتفتيت الدولة السوريّة.
ما لا يُدركه نِتنياهو ورهطه أن دونالد ترامب عرّاب “سلام أبراهام” وصِهره “المُدلّل” جاريد كوشنر لم يتواجَدا في السّلطة، ومن المُستَبعد أن يعودا إليها، وأن المزاج العام للشّعوب في دُول الحُكومات العربيّة المُطبّعة قد تغيّر كُلّيًّا، وباتت هذه الشّعوب التي نُحيّيها ونعتزّ بها، وبعد عامين فقط، أكثر كراهيةً ورفضًا لدولة الاحتِلال بسبب جرائمها ومجازرها في حقّ أشقّائهم الفِلسطينيين، وقد كشف استِطلاعٌ لمعهد واشنطن لشُؤون الشّرق الأدنى الذي يُعتبر أحد أقوى اللوبيّات الإسرائيليّة في العاصمة الأمريكيّة، كشف أن 25 بالمِئة من الإماراتيين، و20 بالمِئة من البحرينيين فقط يُؤيّدون “سلام أبراهام” الذي وقّعته حُكومتا البلدين، بالمُقارنة بـ47 بالمِئة (الإمارات) و45 بالمِئة (البحرين) عام 2021، ولو أجرى هذا الاستِطلاع بعد عودة نِتنياهو وحُكومته الفاشيّة إلى السّلطة، واقتِحام بن غفير للمسجد لكانت النّسبة المُؤيّدة تحت الصّفر.
زيارة نِتنياهو لأبو ظبي تأجّلت، ونأمَل أن تكون قد أُلغيت، وآماله في توسيع دائرة التّطبيع وضمّ حُكومات عربيّة أُخرى وخاصّةً السعوديّة إلى مِصيَدة “سلام أبراهام” شِبه معدومة، إن لم تكن انهارت كُلّيًّا بالفِعل، فاللّقاءات على مُستوى وزراء الخارجيّة بين الرياض وطِهران باتت علنيّة، ولعلّ ردّ الفِعل السّعودي على التّسريبات الإسرائيليّة التي تقول إن التّطبيع مسألة وقت، بإصدار بيان ملكي يُدين اقتِحام بن غفير للأقصى، وإعادة التأكيد مجددًا بأنّ التّطبيع لن يتم إلا بعد قِيام الدّولة الفِلسطينيّة المُستقلّة وعاصِمتها القدس.
***
تتويج نتنياهو رئيسًا لحُكومةٍ فاشيّة، وغرق أمريكا وأوروبا في مُستنقع الحرب الأوكرانيّة الاستِنزافي، والصّحوة الشعبيّة العربيّة المُعادية للاحتِلال والتّطبيع التي تجلّت في أروع صُورها في مونديال الدوحة، كلّها، مُنفردة أو مُجتمعة أسقطت ورقة التّوت التي كان يقول المُتَسِتّرون بها “إن التطبيع مع إسرائيل يُعطي الدّولة المُطبّعة نُفوذًا أكبر لمصلحة القضيّة الفِلسطينيّة” قد سقطت وإلى الأبد غير مأسوفٍ عليها.
عندما تنتقد الحُكومة الأمريكيّة حُكومة الإمارات بسبب استِعدادها لاستِضافة أوّل لقاء سياسي عالي المُستوى بين سورية وتركيا برعايةٍ روسيّة، وتستقبل الرياض الرئيس الصيني بثلاثِ قمم، وتُطيح حركة “عرين الأسود” و”كتائب جنين وبلاطة” سُلطة عبّاس من عرشها، فهذا يعني أنّ زمن التّطبيع يتآكل لمصلحة المُقاومة، وعودة الأُمّة إلى الطّريق الصّحيح لاستِعادة كرامتها، وتحرير مُقدّساتها.. والأيّام بيننا.