ما هي الخِيارات الثلاث أمام إيران للرّد على العُدوان الإسرائيلي على أصفهان ومعاملها العسكريّة؟ وهل سيكون هذا الرّد مُباشِرًا على تل أبيب أم في البلدين اللّذين انطلقت منهما المُسيّرات؟ ومتى وكيف سيكون الرّد المُفترض هذه المرّة؟
يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكيّة و”إسرائيل” قد ضاقتا ذرعًا بسياسة “الصّبر الاستراتيجي طويل النّفس” الذي تتبنّاه القيادة الإيرانيّة مُنذ سنوات وعُنوانه الأبرز هو امتِصاصُ الهجمات على مُنشآتٍ نوويّةٍ والاغتِيالات الإسرائيليّة للعُلماء الإيرانيين، والتّحريض على تصعيد الاحتجاجات الشعبيّة وعدم الرّد عليها، أو على نظيراتها التي تستهدف “خُبراء” إيرانيين في الأراضي السوريّة، وغير الاستراتيجيّة وتوسيع قواعد الاشتباك وتصعيدها، وهذا ما يُفسّر في رأينا إقدام مُسيّرات إسرائيليّة انتحاريّة على ضرب مصانع، وقواعد عسكريّة، ومُستودعات للجيش الإيراني ليلة أمس الأحد في مدينة أصفهان، وشنّ هُجوم آخر على شاحنات قيل إنّها مُحمّلة بمعدّاتٍ عسكريّةٍ إيرانيّةٍ في مِنطقة البوكمال على الحُدود العِراقيّة السوريّة، كذلك قصف سيّارة دفع رُباعي كانت تَقِلّ قائدًا في أحد المجموعات العِراقيّة المُسلّحة المُوالية لإيران واثنين من مُساعديه جاء لتفقّد المِنطقة المُستهدفة.
ad
مسؤولون أمريكيّون أكّدوا لصحيفة الـ”وول ستريت جورنال” المُقرّبة من “البنتاغون”، أن “إسرائيل” هي التي نفّذت الهُجوم على أصفهان، وبرّأوا بلادهم من أيّ دورٍ فيه، وربّما جاء هذا الاعتِراف بعد تأكيد بيان رسمي إيراني إسقاط المُسيّرات الثّلاث، ممّا يعني أنّه لن يكون باستِطاعة السّلطات الإسرائيليّة نُكران وقوفها خلف هذا الهُجوم.
السُّؤال الذي يطرح نفسه بقُوّةٍ يأتي من شقّين: الأوّل: حول استهداف أصفهان هذه المرّة، والثاني: حول نوعيّة وكيفيّة الرّد الإيراني الرّسمي على هذا الاستِفزاز العُدواني الإسرائيلي؟ ويُمكن إضافة شق ثالث وهو، من هي الدّولة التي انطلقت من أراضيها المُسيّرات المُعتدية؟
اختيار مُحافظة أصفهان التي تقع في وسط البلاد جاء بسبب وجود مصانع حربيّة لإنتاج المُسيّرات، والصّواريخ الأسرع من الصّوت “بمُساعدةٍ روسيّة”، حسب التقارير الغربيّة، مُضافًا إلى ذلك وجود العديد من المُنشآت النوويّة فيها، وخاصّةً مفاعل “نظنز” وقد أكّد داني ياتوم رئيس “الموساد” السّابق هذه المعلومة، وقال “إن الصّواريخ الأسرع من الصّوت الإيرانيّة يَصعُب على منظومات الدّفاع الجوّي الإسرائيلي ضربها لأنّها أسرعُ من الصّوت بتِسعِ مرّات وهُنا تكمن خُطورتها”.
***
أمّا إذا انتقلنا إلى الشّق الثاني من السّؤال المُتعلّق بنوعيّة، واحتماليّة وحجم الرّد الإيراني على هذا العُدوان الإسرائيلي على قواعد ومصانع أسلحة في العُمُق الإيراني فيُمكن القول إن هُناك عدّة خِيارات:
الخِيار الأوّل: الرّد الإيراني المُباشر وبالمِثل على أهدافٍ في العُمُق الإسرائيلي بصواريخٍ دقيقةٍ بعيدةِ المدى تستهدف بُنى تحتيّة عسكريّة إسرائيليّة، وهذا قد يُؤدّي إلى حربٍ شاملة.
الخِيار الثاني: إرسال طائرات مُسيّرة انتحاريّة لضرب أهداف في الدّول التي انطلقت منها هذه الطّائرات، وأصابع الاتّهام تُشير إلى إقليم كُردستان العِراق، أو أذربيجان التي تتواجد فيها قواعد عسكريّة إسرائيليّة.
الخِيار الثالث: أن تُلقي القِيادة الإيرانيّة مَهمّة الرّد هذه على عاتق الفصائل المُسلّحة المُوالية لها في العِراق ولبنان واليمن، وربّما في قِطاع غزّة والضفّة الغربيّة أيضًا، سواءً مُتفرّقة أو مُجتمعة.
تَزاحُم الزّيارات التي يقوم بها مسؤولون أمريكيّون بارزون إلى القدس المُحتلّة هذه الأيّام، مِثل الجِنرال جيك سوليفان مُستشار الأمن القومي الأمريكي، وليام بيرنز رئيس وكالة المُخابرات المركزيّة الأمريكيّة، وأخيرًا أنتوني بلينكن وزير الخارجيّة، لا يُوحي بأنّ الهدف الرّئيسي منها هو تهدئة الأوضاع في فِلسطين المُحتلّة بعد الهُجوم الدّموي الإسرائيلي على مُخيّم جنين، والرّد الرّادع، والقويّ، والفوريّ، عليه من قِبَل المجموعات الفِلسطينيّة المُقاومة، وإنّما التّحضير لعُدوانٍ أمريكيّ إسرائيليّ مُشترك على إيران خاصّةً أن هذه الزّيارات المُكثّفة على إيران بعد مُناورات عسكريّة إسرائيليّة أمريكيّة مُشتركة هي الأضخم من نوعها في السّنوات العشر الماضية، وجاءت تُحاكي قصف مُنشآت نوويّة في دولةٍ مُعادية ومُواجهة تهديدات مُختلفة في مِنطقة الشّرق الأوسط، وليس هُناك أيّ دولة تنطبق عليها هذه المُواصفات غير إيران.
***
الخُبراء العسكريّون الإسرائيليّون يقرعون نواقيس الخطر، ويُحذّرون من قُرب إنتاج إيران أسلحةً نوويّة، وربّما يلجأ نِتنياهو وجِنرالاته إلى الحرب لتوحيد الرّأي العام الإسرائيلي المُنقسم والمُتظاهر بشَراسةٍ للإطاحةِ بحُكومته الفاشيّة.
الأمْر المُؤكّد أن سياسة ضبْط النفس وعدم الرّد المُباشر، التي اتّبعتها السّلطات الإيرانيّة طِوال السّنوات السّابقة تُجاه “العُدوانات” و”الاغتِيالات” الإسرائيليّة سواءً التي استهدفت عُلماءها أو “خُبراءها” في سورية ربّما لن تكون مُجديةً بعد أن وصلت المُسيّرات الإسرائيليّة علانيةً إلى أصفهان وقواعدها العسكريّة، ولهذا نُرجّح أن الرّدَ قادم، لأنّ هجمات أُخرى مُماثلة ومُتواصلة ربّما ستكون عُنوان المرحلة المُقبلة وتمهيدًا للمُواجهة الشّاملة، أو تسريعًا لها.
المِنطقة تغلي، والتّعاون الإيراني الروسي، وانهيار مُفاوضات فيينا النوويّة، وتزايُد الهزائم الأمريكيّة في أوكرانيا، كلّها عوامل قويّة قد تُؤدّي إلى “حماقةٍ” أمريكيّة- إسرائيليّةٍ كُبرى، ربّما ستُؤرّخ لنهاية الزّعامة الأمريكيّة والغربيّة للعالم، وتقديم عقارب ساعة يوم القيامة.. واللُه أعلم.