أثبتت تحقيقات لهيئات دولية ارتفاعا كبيرا لنسب تشغيل الأطفال الموريتانيين دون سن الثانية عشرة، وهو ما أثار ويثير قلقا واسعا داخل موريتانيا وخارجها، كما أنه استدعى اتخاذ إجراءات سريعة لإنقاذ الأطفال الموريتانيين وتحريرهم وضمان توجههم الطبيعي نحو مدارس تؤمن مستقبلهم.
وفي هذا المضمار، صادقت ورشة وطنية نظمتها الحكومة الموريتانية قبل أيام بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، على الخطة الوطنية للقضاء على عمل الأطفال الممتدة ما بين 2023 و2026 والمقسمة على خمسة محاور أساسية، أولها تعزيز الإطار القانوني والمؤسسية للقضاء على عمل الأطفال؛ والثاني تعزيز القدرات الفنية والعملية للمتدخلين؛ والثالث التحسيس وتحسين المعارف حول عمل الأطفال؛ والرابع تنفيذ نشاطات مباشرة للقضاء على الأشكال الخطيرة لعمل الأطفال؛ والخامس التنسيق والتعاون والشراكة.
خطر محدق
وسبق للحكومة الموريتانية أن أقرت قبل وضعها لخطة القضاء على عمل الأطفال، إصلاحات بينها إصدار المقرر المتضمن لائحة الأعمال الأكثر خطورة على الأطفال تحت سن الثامنة عشرة؛ ورفع المخصصات العائلية المدفوعة من طرف نظام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
وكانت وزارة العمل الموريتانية قد حذرت في الذكرى الأخيرة لليوم العالمي للقضاء على عمل الأطفال مما سمته «تجذر ظاهرة تشغيل الأطفال في موريتانيا» مؤكدة «أن نتائج الإحصائيات التي قيم بها 2011 و2015 تظهر أن نسبة تشغيل الأطفال في الريف الموريتاني زادت على 36 في المئة، وأن ثلث الجيل الحالي معرض لخطر الظاهرة».
إعلان ومطالب
وأصدرت النقابات الموريتانية في تموز/يوليو الماضي بمناسبة اليوم العالمي لمنع تشغيل الأطفال «إعلان نواذيبو حول خطورة تشغيل الأطفال» طالبت فيه «الحكومة الموريتانية بالقضاء على عمالة الأطفال، وتوجيه الضحايا نحو المدرسة وفق توصيات النظام الوطني وملاءمة التشريعات الوطنية مع المعايير الدولية للشغل وضمان تطبيقها الفعلي ولا سيما القانون 054-2001 المتعلق بإجبارية التعليم الأساسي والقانون المتعلق بالعمالة المنزلية».
وطالب الإعلان «بتطبيق المقرر المتعلق بتحريم الأعمال الضارة المحظورة على الأطفال، وتوعية الآباء وأرباب العمل المشغلين للأطفال وزيادة معارفهم حول عمالة الأطفال وأسوأ أشكالها».
ودعا الإعلان إلى «وضع حد لممارسة عمل الأطفال وخصوصا في قطاعات الصيد والزراعة والمعادن والقطاع غير المصنف ودعم الحماية الاجتماعية للأسر الضعيفة من خلال توفير الإعانات العائلية للأطفال، وتعزيز التغطية الصحية خاصة في المناطق الأكثر تضررا بالفقر».
وحث الإعلان السلطات على «تقديم علاوات لجميع الأسر ودعم الدمج الاقتصادي والاجتماعي للأطفال المتسربين من المدرسة وحماية الأطفال من الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية من خلال تحسين أوضاعهم، مع تحديث إحصائيات عمل الأطفال في موريتانيا».
قلق لجنة الحقوق
وسبق للجنة الموريتانية لحقوق الإنسان، أن أكدت في تقريرها السنوي «أن نسبة عمالة الأطفال ما زالت مرتفعة، رغم القوانين التي صدرت لمنع عمل الأطفال».
وأوضح التقرير «أن الأطفال المحتاجين بموريتانيا ما زالوا يعانون بوجه خاص من مشاكل النفاذ للخدمات الاجتماعية الأساسية كالتعليم والصحة، كما أنهم يعانون من الاستغلال في الأعمال الشاقة والخطرة، ومن التنقل وانعدام الرعاية والإقصاء الاجتماعي.»
وأوضح التقرير «أن أكثر من ربع أطفال موريتانيا يعملون في مختلف القطاعات، خاصة في الوسط الريفي، وأضاف أن «أزيد من ربع الأطفال 26 في المئة بين سن 15 و17 سنة يعملون، وأن نسبة الأطفال بين سن 12 و14 المشاركين في عمل تصل إلى 22 في المئة». وأشار إلى أن استغلال البنات أكثر في العمل المنزلي، مؤكداً أن مستوى تعلم الأم حاسم في توجه الأطفال إلى العمالة.
وأكدت اللجنة في تقريرها «أن نحو 300 ألف طفل دون سن 15 بموريتانيا معرضون لمخاطر العنف والاستغلال والتمييز والتجاوزات أو الإهمال» داعية «إلى حماية وترقية الأطفال المعاقين ودمج الأطفال المتنازعين مع القانون ودعم تمدرس البنات (أي إدخالهن المدارس) ومحاربة الممارسات الضارة بصحة القاصرات».
استنتاجات خطيرة
وأكدت وزارة العمل الأمريكية في تقرير تناول الاستنتاجات المستخلصة بشأن أسوأ أشكال عمالة الأطفال لعام 2019 «أن الأطفال الصغار في سن 12 عاما لا يستطيعون الالتحاق بالتعليم، مما يجعلهم أكثر عرضة لأسوأ أشكال عمالة الأطفال، كما ينخرط الأطفال في موريتانيا في أسوأ أشكال».
واقترح التقرير على حكومة موريتانيا القيام بإجراءات لتعزيز القضاء على عمالة الأطفال في موريتانيا، بينها الانضمام إلى البروتوكول الاختياري للنزاع المسلح الصادر عن لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة، وضمان الحظر الشامل لكافة أشكال المهن والأنشطة التي تشكل خطرا، وإطلاق عمليات تفتيش روتينية واستهدافية، وزيادة الجهود لضمان التحقيق والملاحقة القضائية في قضايا أسوأ أشكال عمالة الأطفال، بما في ذلك العبودية المتوارثة والتسول القسري.
قضية عالمية
وتعتبر قضية تشغيل الأطفال مشكلة عالمية وخاصة داخل مجتمعات الدول الفقيرة، وهو ما أكدته تقارير وتحقيقات منظمة العمل الدولية.
وفي بداية عام 2020، أكدت المنظمة شارك طفل واحد من بين كل 10 أطفال بعمر 5 سنوات فأكثر في عمالة الأطفال في جميع أنحاء العالم، بما يعادل 160 مليون طفل، أو 63 مليون فتاة و97 مليون فتى.
وعلى الصعيد العالمي، تم إحراز تقدم كبير في الحد من عمالة الأطفال في العقدين الماضيين (منظمة العمل الدولية واليونيسيف 2021) حيث انخفض عدد الأطفال في عمالة الأطفال بمقدار 85.5 مليون بين عامي 2000 و2020 من 16 إلى 9.6 في المئة.
ويتلقى 26.4 في المئة فقط من الأطفال في جميع أنحاء العالم مزايا نقدية للحماية الاجتماعية.
وعلى المستوى العالمي، يبلغ الإنفاق الوطني على الحماية الاجتماعية للأطفال 1.1 في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي.
أفريقيا البؤرة
وفي أفريقيا، المنطقة التي بها أكبر نسبة من الأطفال بين السكان، وأعلى معدل لانتشار عمالة الأطفال والحاجة الأكبر للحماية الاجتماعية، يتم إنفاق ما يعادل 0.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على الحماية الاجتماعية للأطفال.
وتشير التقديرات إلى أنه بدون استراتيجيات التخفيف، يمكن أن يرتفع عدد الأطفال في عمالة الأطفال بمقدار 8.9 مليون مع نهاية عام 2023 بسبب ارتفاع الفقر وزيادة الضعف.
عبد الله مولود
نواكشوط ـ «القدس العربي»: