خطوات رائدة تخطوها الصين لتعزيز الاستقرار ورأب الصدوع في جسور العلاقات وتنحية الخلافات وتقريب وجهات النظر بين دول منطقتنا بما يخدم الأمن الإقليمي المشترك، ويبدد غيوم الفتن والحروب، وينفض غبار التوتر التي أثارتها أميركا و تركت آثارها العميقة على الاستقرار.
ليست جسوراً للتلاقي على مصالح استتباب الأمن وتوطيد التعاون ودرء الخلافات فقط ما تحمله التقاربات بين دول منطقتنا فحسب، بل نافذة جديدة على غد أكثر استقرارا وإطلالة على آفاق واسعة من تعاون وتنسيق مشترك يقود إلى أمن لطالما عبثت واشنطن بصمامه بأذرع تأجيج الاضطرابات، وصبت زيوت التسعير على الفتن والتفرقة وافتعال الأزمات التي لا تريد لنيرانها أن تنطفئ لتستثمر في تبعاتها.
فقد عززت الصين برعايتها للاتفاق السعودي والإيراني مكانتها كوسيط دولي موثوق بنزاهته وحرصه على استقرار دول المنطقة واحترام سيادتها وقراراتها الوطنية، فسعت بكل مسؤولية للاضطلاع بدور تقريب وجهات النظر المختلفة ومقاربة الرؤى البينية ونزع صواعق التفجير الأميركية والإسرائيلية، بما سينعكس إيجابا على استقرار دول منطقتنا التي تعاني من فائض العربدة الأميركية إرهاباً وتجييشاً وتعطيلا للحوارات والتفاهمات السياسية والدبلوماسية.
فالإعلان عن استعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران عدا أنه لاقى أصداء إيجابية وترحيباً من قبل العديد في دول المنطقة التي رأت فيه محطة مهمة على طريق التحصن من سهام الاستهداف العدواني ودعامة أساسية لصون الأمن الإقليمي المشترك ، فإنه أكد دور الصين المحوري والمتنامي بمسؤولية أخلاقية كبرى نابعة من نزاهتها واحترامها لسيادة الدول وحقوق شعوبها .
أميركا التي ترى في الصين أكبر تحد جيوسياسي واقتصادي لها وضعتها على قائمة الاستهداف العدواني في ما تسمى استراتيجية أمنها القومي وكان لها النصيب الأكبر من السهام الأميركية كون بكين المنافس القوي الذي ثبت ثقله النوعي في ميزان القوى العالمي، فبالتالي بات الخصم الأول الذي يفزع تفوقه الاقتصادي والعسكري أصحاب الرؤوس الحامية من أصحاب القرار الأميركي ويهز عرش الأحادية المتآكلة، لذلك تسخر واشنطن كل مكائدها ومؤامراتها لإشغال الصين بأزمات، وإلهائها بحروب تهدد أمنها القومي لإزاحتها عن مشهد القطبية التي تصعد إليه الصين بخطوات مدروسة ومسؤولية احترام سيادة الدول وحقوق شعوبه لتحتل مكانتها الريادية، الأمر الذي يدخل أركان حروب أميركا في دوامة هلع، خاصة بعد الرعاية الصينية للاتفاق السعودي الإيراني وما يضيفه من نقاط قوة لرصيد الصين في الشرق الأوسط الذي تستمر واشنطن في تأجيج حروب دوله وزعزعة استقرارها لجني مكتسبات وتمرير أجنداتها الاستعمارية ومؤامراتها.
فقد وجه تعاظم الدور الصيني اقتصاديا وسياسيا في الشرق الأوسط مع ضعف النفوذ الأميركي صفعة لأميركا الأمر الذي سلطت الضوء عليه وسائل إعلام أميركية وأفردت له صحفها مساحات تحليلية متناولة تصريحات لمسؤولين أميركيين.. إذ نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن المسؤول الأميركي والأممي السابق جفري فيلتمان قوله إنّ دور الصين، وليس إعادة فتح السفارات بين الرياض وطهران، كان الجانب الأهم في الاتفاقية، لافتاً إلى أنه سيتم تفسير ذلك على أنه صفعة لإدارة بايدن، ودليل على أن الصين هي القوة الصاعدة.
في السياق ذاته اعتبرت نائبة الرئيس ومديرة السياسة الخارجية في معهد “بروكينغز” سوزان مالوني، إن الاتفاق منح الصينيين انتصاراً كبيراً في العلاقات العامة .. أنها صفعة سعودية أخرى بوجه إدارة بايدن”.
من جهتها صحيفة واشنطن بوست رأت أن التركيز على الدور الذي قامت به الصين في هذا الاتفاق ربما يستهدف توجيه رسالة للقوى العظمى، ومن بينها الولايات المتحدة، “مفادها أن محور الشرق الأوسط يتغير”.
تحليل لميس عودة: