تجدد الصراع القديم بين وجبتي كسكس والعيش الموريتانيتين اليوم على صفحات مواقع التواصل، وعاد ليشتعل من جديد بين مدوني عشاق الوجبتين، بعد أن كان صراعا أدبيا بحتا تزخر به دواوين الشعراء وأسفار الزجالين.
أما العيش لمن لا يعرفه، فهو وجبة أتقنها وأحبها سكان جنوب موريتانيا، ويتسم بأنه مفيد في حرارة الطقس، وبأنه مهدئ للطباع؛ هذه الوجبة الأصيلة تتصارع منذ عقود مع وجبة الكسكس العريقة التي يتقن سكان شمال وشرق موريتانيا، طهوها على الأصول، فهم يموتون في حبها ويهيمون بها.
كسبت وجنة كسكس العام الماضي تقدما على العيش غريمها في المائدة، بعد أن أُدرج كسكس في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي، بتعاون ثقافي بين أربعة بلدان لديها هذا التراث المشترك، هي الجزائر وموريتانيا والمغرب وتونس.
لكن العيش لم يضع السلاح بل استمر عشاقه المدافعون عن لذاذته وفوائده وحسن سواده وهو غارق في الحليب الناصع، ينافحون عنه شعرا ونثرا وتدوينا وتغريدا.
وكان الأديب عبد اللطيف وهو من أنصار العيش، قد وضع رسالة طريفة سماها «الفيش بين كسكس والعيش» وأورد فيها من طريف حجج أنصار كل من الوجبتين الشيء العجيب، معتمدا حسب قوله «على حجج سمعها وأحاديث تلقاها، مع أقوال للأئمة من أولياء الطعام وحجج الجهابذة من أهل الكلام».
ومن حجج أهل العيش قولهم، كما في الرسالة «العيش أفضل الأطعمة على الإطلاق لأنه مشتق من العيشة قال تعالى «فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ، فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ» وأي مرتبة أعظم من هذه ولم نعلم أن العرب وضعت لفظا للطعام مثل العيش إذ جعلته مرادفا للمأكل، كأن لا مأكل إلا هو ولا شك أن هذه المزية لا يشاركه فيها كسكس ولا غيره».
أما أهل الكسكس، فحجتهم «أن العيش هو أخس الأطعمة فهو اللقيمات التي ذكرت في الحديث «حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه» وهذا بخلاف الكسكس فهو الثريد الذي هو طعام الملوك والسادات في الجاهلية والإسلام».
ورد العياششة بقولهم «نحن لا نسلم أن الثريد مرادف للكسكس بل الذي تدل عليه عبارات المعاجم أن الثريد هو كل ما طبخ بلحم سواء كان كسكسا أو غيره؛ وبالجملة فالعيش أطيب الأطعمة وقد أكله أئمة يقتدى بهم». وقال الكساكسة «من مزايا كسكس أن آكله لا يحدث أي صوت في الأكل يزعج الآخرين بعكس العيش، ومنها أن القصعة منه يمكن أن يأكل منها عدد كبير من الناس من غير أن يوسخ بعضهم بعضا وليس كذلك العيش».
يبدو أن الحرب بين الوجبتين مستمرة لا نهاية لها، ولا يتردد أنصار كل منهما في استخدام متاحات العصر لكسب معركة سيزيفية لا تكاد تنتهي إلا لتبدأ من جديد.
عبد الله مولود
نواكشوط ـ «القدس العربي»