ألغبن, الفقر, المرض, الحرمان, الجهل, السطو, الجريمة, المستنقعات, القمامة, الأوبئة, البعوض, طبقات اجتماعية متخمة إلى حد الثمالة, مجتمع بائس, وازع فكري و وازع ديني مغيبان, رقيب اجتماعي وهن,ثقة مهزوزة حتى بين الفر قاء السياسيين ,
طيف واسع من المجتمع المدني لا يعترف بالنظام القائم, ذاكرة جمعية مثخنة بالجراح والآلام, نخب وطنية ما بين متملقة, فاسدة, متخاذلة أو مأجورة ,ومن جهة أخرى تركيبة اجتماعية معقدة وسلم اجتماعي متقادم وهش وغير مأمون قد ينهار دون سابق إنذار, تنامي الوعي والطموح بين الشرائح المهمشة والمحرومة, واقع دولي معقد وإقليمي متغير ضف إلى ذلك ثورة المعلومات والتقنيات الجديدة وتعاطيها على نطاق واسع وهي ضيف ثقيل لا ينجو منه محذور ولا يحجب عنه مستور, أنظمة غير موفقة بدءا بالنظام الأحادي مرورا بالأنظمة الإستثنائة وحتى الأنظمة المنتخبة. ذلكم هو الواقع وتلكم هي سمة الظرف و حقيقة معطياته و تجليات أبعاده.
أمام هذا الواقع المر والحقيقة المؤلمة سنستعرض للتذكير ¬(مجرد التذكير) بعض الوقفات. فمذ ما يزيد على عقد من الزمن وتحديدا منذ إزاحة العقيد معاوية ولد سيد احمد ولد الطابع عن السلطة عرفت البلاد مسارات حوارية فاشلة بدءا بالأيام في عهد العقيد التشاورية الوطنية اعل ولد محمد فال والتي أفضت نتائجها إلى تسليم السلطة للمدنين وتوجت بانتخاب الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله ومرورا بمؤتمر داكار بعيد انقلاب الجنرال محمد ولد عبد العزيز و اللقاءات التي تلت ذلك ونذكر منها لقاء الأغلبية وكتلة المعاهدة ,والتمهيد للحوار مع المنتدى الوطني للديمقراطية الذي تعطل في طوره التمهيدي, ومحاولات أخرى فشلت في جلساتها التحضيرية قبل الدخول في صلب الحوارات المرتقبة.
كل هذه اللقاءات فشلت ولم تؤد إلى نتائج تجنب البلاد الانزلاق في سياسات القطب الواحد التي عانت من تبعاتها على مر خمسة عقود ونيف, ولم تنجح في وضعها على مسار ديمقراطي صحيح و آمن يضمن التناوب السلمي والشفاف على السلطة.
ورغم ذلك يبقى الحوار مسعى هذا المجتمع وضالته المنشودة ولا غرو فالحوار وسيلة لتصحيح الأفكار الخاطئة والمعتقدات الزائفة والحوار أداة فعالة لتهميش ثقافة أحادية التفكير والإقصاء الذي يمارسه البعض تجاه الآخر والحوار يصنع أُسساً سليمة للتعامل الإنساني بعيداً عن كثير من المظاهر التي باتت تسيء إلى المجتمع وتستخدم العنف والقوّة لفرض الرأي على الآخر. وتكمن أهميته في كونه وسيلة للتآلف والتعاون وبديلاً عن سوء الفهم والتقوقع والتعسف.
ومهما تنوعت أساليب تعامل البشر مع بعضهم يبقى الحوار أهم الطرق للوصول إلى حلول مقنعة. فالحوار يمدنا بالأدوات الصحيحة، للتعامل مع هذا الخلاف ومن خلاله يفهم بعضنا بعضا, وتنمو آراؤنا وتنضج ويتضح لنا ما فيها من قصور أو مبالغة, ومن خلاله نعبر عن مواقفنا بصورة حضارية.
وهو كذلك جسر للتفاهم بين العقول، وذلك لأن الحوار أداة للتفكير السديد, و يتجلى ذلك في استخدام الرسول للشورى في تعامله مع أصحابه احتراما للرأي الآخر, و ربما الاستفادة منه. كما يتيح لنخب المجتمع التشاور والتناصح وفتح آفاق واسعة للنقاش العملي الواعي مما يوجد أرضية صلبة للاتفاق والبعد عن الخلافات التي قد تقود إلى الفتن وتفاقم المشكلات. فبفضل الحوار يتلاشى الكثير من الخلافات،وتتقارب وجهات النظر ويتحسن المناخ السياسي وتتراجع الاحتقانات وبذلك تتعزز الوحدة الوطنية.
وبطبيعة الحال فالحوار مطلب ملح للتشاور والنقاش حول كافة قضايا المجتمع وهمومه ومشكلاته وآماله وطموحاته، شرط أن يكون وفق الأطر الدينية والثوابت الحضارية للمجتمع. وبما أن الحوار أصبح حاجة إنسانية وعلماً يدرس ومهارة تكتسب, فنحن في حاجة إلى حوار يستند إلى قاعدة علميّة موضوعيّة, بعيدًا عن الأهواء والميول و التّعصب والعاطفة, حوار يستند إلى مرجعية صلبة, وذلك لضبط مساره وتوجيهه نحو النجاح.،يقول عز وجل: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ أي الكتاب والسنة كما يمكن الرجوع أيضا إلى الدستور والقوانين المعمول بها في البلد. ومهما يكن من أمر فان الحوار الذي نطمح إليه يجب أن يقدم أجوبة لجميع التساؤلات المطروحة وأن يوصل إلى حلول مقنعة للقضايا التي تعيق مسيرة البلد ولكي نؤمن استمراره و نضمن نجاحه فلا بد أن يحترم أهم أصول الحوار وتقنياته وآدابه والتي نلخصها في النقاط التالية.
أن يحترم أطراف الحوار مواعيد الجلسات. *
أن يكون المحاور حاضر الذهن. *
أن يحسن النية بالطرف الآخر. *
أن يتم تحديد الموضوع والهدف منه مسبقا. *
أن يركز المتحاورون على الموضوع ويلتزموا به أثناء جلساتهم الحوارية. *
أن يتحلى المحاور بالشجاعة في تقبل الرأي الآخر. *
أن يقلل المحاور من الانطباعات الشخصية أثناء حديثه. *
أن يكون الحوار شاملا وأن يتناول جميع القضايا التي تشكل أساسا للخلاف في* البلد.
فان تسنى هذا النوع من الحوار واقتنع الفر قاء السياسيون بضرورته حينها قد يتجدد الأمل و تنكشف الغمة وتظهر ألوان الطيف المفقودة. ولكن قوس قزح ظاهرة كونية, تتراءى إذا ما كانت الظروف الجوية مواتية, و لن تتمكن أبدا من تحليل ضوء الشمس الأبيض إلى ألوانه المعروفة , ولذلك ستظل بعض ألوان الطيف مفقودة.
علي/ أندكجلي