في كل الوفيات التي تقع إثر توقيف في أقسام الشرطة أو في محيطها كان نعي الضحايا يسابقه ذكر العناصر الذين ينسب لهم الفعل بأسمائهم ورتبهم.
حدث ذلك في العملية التي استشهد بفعلها المرحوم الصوفي ــ مع الفرق والفوارق ــ حيث عرفنا أسماء من نسبت لهم من عناصر أفرادا وضباطا بأسمائهم ووظائفهم ورتبهم، بل أبعد من ذلك وصل الأمر حد محاولة إقحام أعلى هرم في الجهاز الأمني في القضية.
فوق ذلك كانت المفوضية التي وقعت بها الفاجعة محلا للحركة الاحتجاجية التي ضمت المتعاطفين مع الضحية، والراغبين في تجيير الحادثة المنفردة لأجندة تتبنى التوتير العرقي والشحن الطائفي سبيلا لتحقيق أهدافها. ووصلت قوة الاحتجاجات حد الحاجة لتوفير قوات دعم لتأمين المفوضية من اقتحام الجماهير العفوية وتلك المؤدلجة والمشحونة ضد الجهاز الأمني برمته.
حصل هذا هنا في نواكشوط وقبل واقعة وفاة المرحوم عمر ديوب بفترة، تكرر نفس الأمر بعد وفاته وفى الداخل هذه المرة؛ إذ إثر مقتل متظاهر من بين حشود جماهرية كانت تريد اقتحام مفوضية الشرطة بمدينة بوغي، جاء نعي الفتى محمد الأمين ولد صمبا مقترنا باسم وصورة الشرطي الذي تدعى نسبة الحادثة له.
وحدها وفاة عمر ديوب لم تنسب لفرد أو فرقة من الشرطة، بل إن المفوضية التى تتبع لها الفرقة التي تولت أمر المرحوم، من توقيفه إثر بلاغ قدم لها فيه إلى توصيله للمستشفى حيث فارق الحياة بعد معاينة الطبيب المناوب له، لم تكن وجهة لأي احتجاجات على العملية!
الأشخاص الذين قدمت روايتهم للوقائع في تسجيلات مرئية أول الأمر وأسهمت في خلق درجة كبيرة من التنديد بالحادث والانحياز لاتهام الشرطة تبين زيفها عندما كشف سير الأحداث أنهم رفاق المتوفى الذين من مصلحتهم أن تسير الأمور خارج سياقها الطبيعي، وهم الذين قاوموا توقيف زميلهم واعتدوا على أفراد دورية الشرطة، حتى أن أحدهم استخدم في ذلك الاعتداء سيارته، لولا ان الله سلم، ما استدعى من الوحدة طلب المدد. وهو ما كان في الظروف العادية ليعرضهم للمساءلة عن مقاومة السلطة وحتى عن الشروع في القتل بواسطة سيارة.
أولئك الأصدقاء والرفاق الذين حضروا واقعة التوقيف يعرفون إذا أفراد الدورية وقد تعاركوا معهم، لكنهم مع ذلك لم يتفوهوا باسم أي منهم، عجبا!
إذا عرف السبب بطل العجب:
من يسرب الأسماء عادة هم الراغبون والساعون للتوتير، وإعطاء مثل تلك القضايا شحنة عنصرية، سبيلا لتشويه سمعة الأجهزة الأمنية والنظام بأسره؛ لذلك في هذه المرة ولأن معرفة أسماء الفرقة المداومة لا تخدم الطرح العنصري، بل على العكس لا تترك من مجال لأي نوع من المزايدة، ذلك أن الفريق المداوم والمشرف على عملية التوقيف، وما أعقبها كان بقيادة ابن عم الضحية، وابن مدينته، وأن ما تم لم يكن لضابط أو مفوض شرطة في المفوضية أي مسؤولية أو تقصير بشأنه. فكان التصامم سيد الموقف!
التعويض بورقة تأخير الدفن:
في البيان الذي نسب لأسرة عمر ديوب تم الحديث عن تعليق استلام الجثة ومباشرة عملية الدفن على مجرد استلام نتائج التشريح الذي قام به الطبيب الشرعي المغربي _ورد بهذه الصيغة-، لكن كل المؤشرات ولهجة البيان تشي بغير ذلك، لأن العبرة ستكون بما ستحمله تلك النتائج؛ فالرفض سيكون مصيرها إذا لم تقل بعملية قتل تعرض لها المرحوم عمر، وحينها سيعلق استلام الجثة على نتائج تحقيق مواز من جهة ثانية كان المفترض عمليا كسبا للوقت في ظل وجود معمل جنائي كامل التجهيز وأنفقت مليارات على اقتنائه، أن يعتمد عليه في إجراء عملية التشريح، على أن يتاح لمن يطعن في مصداقيته طلب خبرة مضادة أجنبية، على ما فى ذلك من تشكيك في حياد الدولة وتحد لهيبتها.
لهجة البيان الذي جاء تحت الرقم 1 –تأسيا بنهج الانقلابات العسكرية- تدعم عدم الجنوح لوضع الأمور في نصابها؛ فقد جاء في أسلوب تعبير فصيل سياسي أكثر منه رسالة أسرة مكلومة تنتسب لوطن بحكومته وشعبه، دون إقصاء وتنتظر من الكافة مؤازرتها في قضيتها العادلة التي هي البحث عن "الحقيقة والحقيقة فقط".
لقد اختارت الأسرة "الفصيل السياسي " أنصارها وخصومها وظهر ذلك من خلال:
-محاولة تجيير حركة تنديد عفوية اندلعت بفعل سريان خبر برواية عن قتل المرحوم عمر ديوب، من خلال الحديث عنها وكأنها ظهير يأتمر بإمرة الأسرة "الفصيل السياسي".
-التعزية في قتيل بوغى والتضامن مع من سماهم البيان " المقموعين" في الأحداث التي وصفها بــ "المأسوف عليها والمعاشة " تأكيدا على أنها ما تزال مستمرة.
-الحديث عن معتقلين تعسفيا باستخدام العنف ودون اعتبار للمساطر الشرعية أو مبادئ دينينا الحنيف والتضامن معهم، رغم غياب موقف أو رواية رسمية حول الموضوع واقتصار الحديث عن ذلك على لون سياسي حقوقي معين.
-تصنيف مسعاهم كمحاولة للوقوف في وجه عنف الشرطة المسلط بإسراف على المواطنين.
- صيغ البيان بخطاب يجمع بين الحديث من الأسرة بنفسها :(عبارات نحن نطالب، نسائل، نعلق، نلزم...)، والحديث نيابة عنها حين يتحدث عنها بغير صيغة المتكلم: (بطلب من أسرة المتوفى...).
رغم ما تقدم ، وفي ظل ما بذلت السلطات من جهد ومشقة من أجل الوصول لما تطمئن له أسرة القتيل من تحديد للسبب القطعي للوفاة، وفى ظل توفر الظروف الملائمة للاحتفاظ بالجثة، فلن يكون من مكان للبيان رقم 2 إلا إذا حمل تصريح الأسرة باستلام جثمان ابنها ودفنه.
ولن يكون ذلك بالغريب على الأسرة الكريمة التي تمتعت ذات مرة بمكرمة العفو والصفح من سيدة بسيطة قتل ولدها من ابنهم المتوفى رحم الله أموات المسلمين وأمن أحياءهم وأوطانهم عامة، وبلادنا منها خاصة...