تحول "البصل" إلى قضية شأن عام، بعد الاِرتفاع المستمر في أسعاره، دون الكشف عن سبب مقنع، وراء ذلك، وخاصة أن البلاد تسجل اكتفاء – نسبي - من المادة منذ سنوات، حيث كان يبلغ سعر الكيلوغرام الواحد ما بين 200 و 300 أوقية قديمة، ليرتفع إلى حدود 1000 أوقية قديمة، أي بزيادة بلغت أكثر من 400%.
لقد فاق البصل سعر لتر البنزين، و العملات العالمية كالأورو والدولار، بل إن صاد البصل تحولت إلى طاء، وأصبح البصل بطلا، وهذا يعيد إلى الأذهان، مغامرات "أبي الحروف" تلك الشخصية الكرتونية التي دأبت قناة الموريتانية في منتصف العقد الأخير من القرن الماضي على بثِها بشكل متكرر، وتظهر في فقرة مغامرات أبي الحروف من برنامج الأطفال (المناهل)، مهمة أبي الحروف إرجاع الكلمات إلى أصلها بعد أن تقوم شخصية شريرة اسمه "خربوط" بالعبث بكلمة معينة، مثل قيامه بتحويل كلمة "بطل" إلى كلمة "بصل"، وكأنه يتنبأ بحتمية وقوع هذه "الأزمة البصلية" التي نعيشها اليوم.
وبما أنه في بلادنا قد لا تخلو طبخة في مكوناتها من البصل، باعتباره أساسيات أغلب الوجبات في المطبخ المحلي، تصدّر البصل المشهد وشغل الموريتانيين في الأيام الأخيرة ليكون بطل مُعظم الأحاديث، حتى أن البعض اقترح تسمية العام بعام البصل.
وبعيدا عن تلك الأحاديث الجانبية، يرجع السبب الحقيقي لهذا الاِرتفاع الكبير، إلى قلة المعروض وزيادة الطلب، أولا لِانخفاض مساحات زراعة البصل محليا هذا الموسم عن المواسم الماضية، وثانيا، أن أسعار البصل مرتفعة في معظم دول العالم ويرجع ذلك إلى تأثرها بالتغيرات المناخية غير المناسبة حيث ساعدت السيول والفيضانات إلى قلة انتاجية البصل، في بعض الدول المصدرة للبصل، كما أن الجفاف ساهم، في قلة الإنتاجية في بعضها الآخر مثلما حدث في باكستان ودول الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى الضرر الكبير الذي أصاب صادرات البصل جراء الحرب الروسية الأوكرانية.
ويشرح موقع "أرجنبابا" المتخصص بالزراعة في الأرجنتين أن البصل هو العنصر الأساسي في المأكولات في جميع أنحاء العالم، ومن الخضراوات الأكثر استهلاكاً بعد الطماطم (تقنياً فاكهة)، يُنتج حوالي 106 ملايين طن سنوياً، تقريباً نفس إنتاج الجزر واللفت والفلفل والثوم مجتمعة. وفي هذه الفترة الحساسة وفي جميع أنحاء العالم، ترتفع الأسعار بشكل كبير، ما يؤدي إلى زيادة التضخم ويدفع البلدان إلى اتخاذ إجراءات لتأمين الإمدادات الغذائية.
وختاما، على بلادنا أن تنتقل من مرحلة الاستيراد إلى الاكتفاء الذاتي، ممثلة بوزارة الزراعة، وأن تضع على عاتقها هذه التحديات، وتبحث عن حلول وآليات للوصول إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من هذا الصنف الغذائي الهام، بالتعاون مع التجار وأصحاب الاختصاص، وإيجاد طرق تقنية جديدة لتخزين محصول البصل، وتغطية العجز الذي يعاني منه السوق الموريتاني، علينا أن ننسى أو نتناسى تلك الأعوام الكثيرة التي مرت والاعتماد الكُلي على الاستيراد، خصوصا في ما يخص المواد الغائية، ونسعى جاهدين لتغطية العجز، ومحاولة مواجهة النقص الحاد فيها، ونحقق الحلم المنشود لتحقيق نجاحات تصل للاكتفاء الذاتي بغالبية المحاصيل الزراعية.