قالت دراسة جديدة صادرة عن معهد واشنطن إنّه ممّا لا شكّ فيه أنّ روسيا تسعى إلى تحقيق أهدافٍ متعدّدة في سوريّة، بعضها واضحٌ والبعض الآخر لا يزال في بداياته. ويتمثّل أحد الأهداف الواضحة بدعم نظام بشار الأسد في وَسَط سوريّة الغربي، في حين تشمل الأهداف العسكرية الداعمة والحاسمة على تقليص قوى المعارضة وإلحاق الهزيمة بها، فضلاً عن إنشاء قاعدةٍ آمنة لدعم العمليات الواسعة النطاق لمدة طويلة.
ويعتمد النجاح في تحقيق هذه الأهداف وغيرها، تابعت، على إتباع إستراتيجيّة عسكريّة فعالّة وعلى التطبيق الفعال للعمليات. وبرأيها، يكمن دور الإستراتيجيّة العسكريّة في تحديد حجم القوات التي سيتمّ نشرها ونوعها وطريقة استخدامها لتحقيق أهدافٍ محدّدة.
ويزداد وضوح شكل الإستراتيجيّة العسكريّة الروسيّة في سوريّة مع استمرار التعبئة ومشاركة القوات الروسية في القتال. ووفقًا لها، نشرت روسيا قوة كبيرة، سيكون لقدرتها الضاربة وتماسكها واتجاهها آثارًا أكبر على أرض المعركة مما قد يشير إليه حجمها وحده. ولا يزال من غير الواضح ما الذي سيكون عدد القوة النهائي، في الوقت الذي تواصل فيه موسكو إدخال قدرات عسكرية جديدة إلى الوضع القائم، أبرزها القذائف الانسيابية (صواريخ “كروز″) البحرية التي ضربت أهداف المعارضة في محافظتي حلب وإدلب، على حدّ تعبيرها. وبحسبها، يُعد المكوّن الجوي أكبر العناص وأنشطها حتى الآن، فهوعبارة عن قوة مركّبة يصل فيها عدد الطائرات المقاتلة إلى أربعة وثلاثين طائرة، منها طائرات بنماذج متطوّرة، وتشمل القوات البرية الروسية ما يبدو أنّه كتيبة مشاةٍ بحرية معزَّزة، مع ناقلات الجند المصفّحة، ودبابات القتال الرئيسية المُرفقة. وقد لاحظ المسؤولون الأمريكيون أيضًا، قالت الدراسة، وجود منظومة قاذفة صواريخ متعدّدة من طراز “بي أم-30 سميرش” القوي.
ولفتت إلى أنّ سلاح الجو الروسيّ قد حلّق حتى الآن في عدة أنواع من المهمات، ومنها: توجيه الضربات التي تهدف إلى تقليص قوى المعارضة، وبنيتها التحتية ومقرّاتها ومرافق التخزين والأسلحة الثقيلة. منع الـ”ثوار” من التحرّك لإعادة تعزيز صفوفهم أو إعادة انتشارهم. توجيه الضربات التحضيرية لدعم العمليات الهجومية المعلَّقة للنظام. توجيه الضربات التي تسهتدف قوى المعارضة التي تُعدّ تهديدًا هجوميًا محتملاً. تسيير دوريات أمنية جوية في محيط “مطار باسل الأسد الدولي”. جمع المعلومات الاستخباراتية بالاعتماد على الطائرات (“سيغينت” والاستخبارات التصويرية المعروفة بمصطلح “إيمينت”).
وفيما يتعلّق بالعمليات البرية الخطيرة، قالت الدراسة الأمريكيّة، ربمّا ستحتاج موسكو إلى نشر تشكيلٍ قتاليٍّ لا يقّل حجمه عن لواء، مقرونًا بمدرّعات ومدفعيات كثيرة. ويواصل الجسران الجويّ والبحريّ نقل الأفراد والمعدات، ممّا يشير إلى أنّ موسكو لم تنتهِ بعد من تثبيت وجودها في سوريّة. ومن شأن وجود القوات الإضافية، أوضحت الدراسة، أنْ يسمح للروس بتوسيع عملياتهم الجوية و/أو تكثيفها، وربمّا بدء العمليات البرية الكبيرة. علاوةً على ذلك، يُمكن أن يلعب الروس أوراقًا أخرى في الإستراتيجيّة الهجوميّة، من بينها صواريخ “كروز″ إضافية، وربمّا قاذفات بعيدة المدى.
وتابعت أنّه يُمكن أن تستفيد روسيا أيضًا من النظام اللوجستيّ العسكريّ السوريّ الذي يُمكن أن يمدّها ببعض المعدات، لا سيما لعناصر القوة البريّة. وكما تَبيّن من ضربات صواريخ “الكروز″، شدّدّت الدراسة، يُمكن أنْ تُوفّر موسكو قوةً نارية طويلة المدى من خارج سوريّة.
وأضافت الدراسة قائلةً: لقد ركّزت تعليقات كثيرة على المخاطر التي تعترض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوريّة والمشاكل التي يمكن أن تواجهها قواته. وقد شبّه البعض التدخّل الروسي بالغرق في المستنقع أو بأفغانستان أخرى، إذْ سيُواجه بوتين مقاومةً متنامية من قِبَل السنّة الغاضبين.
ويعتمد كلا السيناريوهين على عاملين، أوّلهما المعارضة التي تواجهها القوات الروسية الداعمة لعمليات النظام من قِبَل خصومها، وثانيهما إرادة بوتين على المثابرة. ويعتمد العامل الأول بالدرجة الأولى على كيفية استجابة خصوم الأسد للوضع الجديد، بما في ذلك مدى فعالية حشدهم للدعم الخارجي. وليس واضحًا في الوقت الحاضر مدى الدعم الذي يمكن أن يتوقّعوه. أمّا بالنسبة إلى العامل الثاني، فقد أثبتت مغامرات بوتين العسكريّة الأخرى أنّه قادرًا على المضي قُدمًا رغم التحديات القائمة، على حدّ تعبيرها.
ورأت الدراسة أنّ الرئيس الروسيّ نشر قوةً قادرة للغاية في سوريّة، وهو آخذٌ في توسيعها بشكلٍ مطّرد، الأمر الذي يمنح موسكو دورًا مباشرًا في سير الحرب. ويُمكن أن تُحدث القوات الروسية بالفعل فرقًا في ساحة المعركة، على الرغم من أنّه لا يُمكن استخدامها في جميع المواقع في وقتٍ واحٍد، وسيعتمد نجاحها إلى حدٍ كبيرٍ على القدرات القتالية لحلفائها. وستكون آثارها أكبر إذا خصّص الروس الأولوية للمهمات الضرورية، وهذه هي الطريق التي تسلكها موسكو الآن
وأخيراً، خلُصت الدراسة إلى القول، يبدو أنّ الجيش الروسي باقٍ في سوريّة لفترةٍ طويلةٍ، ويُشير التزام روسيا من خلال قواتها ومكانتها رفيعة المستوى، والتعاظم اللوجستي والطبيعة الطويلة الأمد التي يتّسم بها التحدّي العسكري، إلى أنّها ستقاتل على الأرض السوريّة لردحٍ من الزمن، وربمّا احتسبت موسكو مخاطر التدخّل ووجدتها مقبولةً، حسبما قالت.