نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرا أعده جيسون بيرك بعنوان “كيف تم تمرير أوامر حماس السرية بالهجوم في اللحظة الأخيرة”، عن هجوم “طوفان الأقصى”، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، الذي نفذته “كتائب القسام”، الذراع العسكري لـ”حماس” ضد إسرائيل، وذلك مع مرور شهر عليه.
وبدا واضحا أن رواية الكاتب للأحداث تعكس الرؤية الإسرائيلية عن الهجوم وبخاصة فيما يتعلق بقتل الأطفال وارتكاب جرائم.
وبحسبه فقد “كانت الخطة التي وضعتها مجموعة من القادة غير معروفة للرجال الذين سينفذونها حتى صباح الهجمات”.
وذكر أن الأوامر الأولى صدرت قبل الساعة الرابعة صباحا: يجب على أي شخص كان يحضر الدورات التدريبية العادية ولم يكن يخطط لحضور صلاة الفجر في مساجده المعتادة أن يذهب للصلاة.
الأوامر الأولى صدرت قبل الساعة الرابعة صباحا: يجب على أي شخص كان يحضر الدورات التدريبية العادية ولم يكن يخطط لحضور صلاة الفجر في مساجده المعتادة أن يذهب للصلاة
وأشار إلى أنه بعد ساعة، عندما بدأ الظلام ينقشع عن غزة وبدأ المصلون يتفرقون، صدرت تعليمات جديدة. كانت هذه أيضا واضحة ومباشرة وتم تمريرها بشكل أساسي عن طريق الكلام الشفهي: أحضر أسلحتك وأي ذخيرة لديك وقم بالتجمع في مناطق محددة.
وأضاف “لكن حتى الآن لم يتم إخبار أحد بما كان على وشك الحدوث. عملية طوفان الأقصى، وهي العملية الأكثر طموحا التي أطلقتها حماس منذ سيطرتها على غزة في عام 2007، كانت لا تزال سرا”.
وبحسب الكاتب فقد “تمت صياغة الخطة من قبل عدد صغير من قادة حماس المخضرمين والمجربين، وكانت لا تزال غير معروفة للرجال الذين كان عنفهم (حسب تعبيره) على وشك تحطيم أي شعور عابر بالهدوء أو التقدم نحو استقرار جديد في الشرق الأوسط. ولم يكن الأمر معروفا أيضا لأجهزة الجيش والاستخبارات الإسرائيلية التي تتبجح كثيرا باطلاعها”.
وذكر أن القرار بتمرير التعليمات إلى الآلاف من مقاتلي حماس المنتشرين بين سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، كان شفهيا، وأنه الأحدث في سلسلة من الإجراءات المصممة لخداع أحد أقوى أنظمة المراقبة في العالم وإخفاء أي خبر عما قد يحدث من شبكة من الجواسيس.
وأضاف أن التعليمات انتشرت في جميع أنحاء غزة بشكل متسلسل، أعطيت أولا لقادة “الكتائب” المكونة من مائة أو أكثر، ثم لقادة الفصائل المكونة من 20 أو 30، الذين أخبروا قادة الفرق المكونة من عشرة أفراد عادة، الذين أوصلوا الرسالة إلى الأصدقاء والجيران والأقارب الذين انضموا إليهم في التدريبات التي تقام مرتين أسبوعيا في عشرات المواقع في القطاع.
وأنه فقط عندما تجمع الرجال تم توزيع ذخيرة إضافية وأسلحة أكثر قوة.
وبحسبه فقد تعامل العديد منهم مع مثل هذه الأسلحة خلال الأشهر السابقة وأعادوها إلى ترسانة حماس بعد كل درس. وسرعان ما كانوا يحملون قنابل يدوية وقذائف صاروخية ورشاشات ثقيلة وبنادق قنص ومتفجرات.
ويروي أنه “كانت الساعة الآن السادسة صباحا. أشرقت الشمس وصدرت الأوامر النهائية. الآن، تم تدوين هذه الأمور: كان على الرجال أن يندفعوا عبر الفجوات التي سيتم تفجيرها أو تحطيمها عبر السياج المحيط بغزة الذي تبلغ تكلفته مليار دولار، ويهاجمون الجنود والمدنيين الإسرائيليين على الجانب الآخر”.
وقال بيرك إن رواية اللحظات الأولى من الهجمات التي وقعت في 7 تشرين الأول/ أكتوبر في إسرائيل مستمدة من مصادر متعددة، بما في ذلك اجتماعات مع مسؤولي المخابرات الإسرائيلية، وخبراء، ومصادر لديها معرفة مباشرة بتقارير الاستجواب لمقاتلي حماس الذين تم أسرهم خلال الهجمات، والمواد التي نشرتها حماس والجيش الإسرائيلي.
وبحسبه فعلى الرغم من صعوبة التحقق من العديد من الادعاءات وتم الطعن فيها، إلا أن خبراء وصفوا الرواية بأنها معقولة.
وبرأيه “فهي تسلط الضوء على حجم التخطيط وراء العملية ويشرح جزئيا الإخفاقات المتعددة لقوات الأمن الإسرائيلية التي أدت إلى مقتل 1100 من مواطنيها المدنيين و300 من رفاق السلاح.”
القرار بتمرير التعليمات إلى الآلاف من مقاتلي حماس، كان شفهيا، وكان ضمن سلسلة من الإجراءات المصممة لخداع أحد أقوى أنظمة المراقبة في العالم وإخفاء أي خبر عما قد يحدث من شبكة من الجواسيس.
ويذكر أن أحد العوامل كان هو العدد الهائل الذي دخل عبر السياج – تقول بعض المصادر ما يصل إلى 3000 شخص، بما في ذلك أعضاء من حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، وهي فصيل متحالف، ولكن مستقل لم يتم إخباره مسبقا بالهجمات، حسبما ذكرت المصادر، لكنه انضم بمجرد علمه بخرق السياج. كما تدفق المدنيون من غزة وسط الفوضى العامة، وشجعهم الاستجابة البطيئة لقوات الأمن الإسرائيلية.
ويقول الكاتب إن الأوامر المكتوبة لوحدات حماس أوضحت خطة دقيقة وضعها رجلان تعتقد إسرائيل أنهما المخططان الرئيسيان للهجوم: يحيى السنوار، القائد العام لحماس في القطاع، ومحمد ضيف، قائد المنظمة العسكرية التابعة لحماس، كتائب القسام وفرق النخبة.
وتم إعطاء كل وحدة هدفا منفصلا: قاعدة عسكرية، أو كيبوتز، أو طريق، أو بلدة.
وبحسب الكاتب تزعم المصادر “أن أوامرهم كانت في كثير من الأحيان مصحوبة بخرائط توضح تفاصيل الدفاعات والمواقع الرئيسية داخل أهدافهم، بالاعتماد على معلومات مستمدة من المتعاطفين العاملين في إسرائيل. ويُعتقد أن الحفل الراقص الذي مات فيه 260 شخصا لم يكن من بين الأهداف الأولية”.
وقال إنه “تم إعطاء ثلاث مهام لوحدات مختلفة. صدرت الأوامر للمجموعة الأولى بمهاجمة القواعد العسكرية الإسرائيلية التي تعاني من نقص الأفراد وغير المجهزة حول غزة، أو مهاجمة المدنيين في منازلهم”.
وأشار إلى أن حماس ألقت اللوم في الكثير من أعمال العنف على المدنيين ـ وما زعم عن الفظائع التي ارتكبت بما في ذلك الاغتصاب والتعذيب ـ على “المجرمين” الذين تعقبوا مهاجميها. وزعم أن الجيش الإسرائيلي نشر مقابلة مع مهاجم أسير من حماس قال إن “المهمة كانت قتل… أي شخص نراه”.
وتحدث عن أوامر صدرت لوحدات أخرى بالدفاع عن مواقعها ضد القوات العسكرية الإسرائيلية عندما تأتي، وغالبا ما يتم ذلك بنصب كمائن على الطرق الرئيسية.
وبحسبه قالت المصادر إن هذه لم تكن مهمة انتحارية، لأن مقتل المهاجمين لم يكن جزءا لا يتجزأ من العملية.
وأشار إلى أنه تم “تكليف مجموعة ثالثة من الوحدات المهاجمة بالاستيلاء على أكبر عدد ممكن من الرهائن وإحضارهم إلى الفجوات الموجودة في السياج حيث كانت فرق مخصصة تنتظر أخذ الأسرى إلى مجمع الأنفاق الضخم تحت غزة”. وأضاف “يُعتقد أن هذا هو المكان الذي يُحتجز فيه أكثر من 240 شخصا، من بينهم رضع وأطفال ومسنون، بالإضافة إلى أفراد عسكريين. وحتى الآن تم إطلاق سراح أربعة فقط وتم إنقاذ واحدة”.
وأضاف الكاتب: يعتقد مسؤولو الأمن الإسرائيليون أن القيادة السياسية لحماس في الخارج لم يتم إخبارها بتفاصيل العملية، ولا رعاة حماس في إيران، على الرغم من أن كلاهما ربما كانا على علم بوجود شيء ما يجري التخطيط له. وقال مصدر مقرب من حماس لرويترز الشهر الماضي “كانت دائرة ضيقة للغاية.”
وزاد: قال مسؤولون في حماس إن التخطيط للهجوم بدأ قبل عامين، بعد مداهمة الشرطة الإسرائيلية للمسجد الأقصى في القدس، ثالث أقدس المواقع الإسلامية. وتقول مصادر إسرائيلية إن الجدول الزمني كان أقصر – ربما سنة أو 18 شهرا – وأنه خلال هذه الفترة بُذلت جهود لتعزيز الاعتقاد الإسرائيلي بأن حماس حولت تركيزها من العنف ضد إسرائيل إلى التنمية الاقتصادية في غزة.
وأكد الكاتب أنه “لم يتم بعد تحديد الدور الدقيق لقادة حماس المختلفين في الهجوم، ولكن من الواضح أن السنوار والضيف كانا محوريين في التخطيط له”.
ولفت إلى أن اسم “الضيف”، أطلق عليه في إشارة إلى تنقل الرجل البالغ من العمر 58 عاما بشكل مستمر لتجنب اكتشافه من قبل إسرائيل. وقال إنه عضو في حماس منذ أوائل العشرينات من عمره، وأن طالب العلوم السابق أشرف على موجة من التفجيرات الانتحارية ضد المدنيين الإسرائيليين في أوائل التسعينيات، وأخرى بعد عقد من الزمن. وبحسب الكاتب “فربما أصيب الضيف بالشلل بسبب إحدى محاولات الاغتيال الإسرائيلية العديدة، وقُتلت زوجته وعائلته الصغيرة في غارة جوية عام 2014”. وقد وصف المسؤولون الإسرائيليون الضيف، واسمه الحقيقي محمد دياب إبراهيم المصري، بأنه “رجل ميت يمشي”.
أما السنوار، 61 عاما، وهو أيضا عضو مؤسس في حركة حماس – وهي اختصار لحركة المقاومة الإسلامية – فقد قضى 23 عاما في السجون الإسرائيلية لقتله جنودا إسرائيليين قبل إطلاق سراحه ضمن أكثر من 1000 أسير تم تبادلهم في عام 2011 مقابل جلعاد شاليط، وهو جندي إسرائيلي أسرته حماس قبل ذلك بخمس سنوات.
وأشار الكاتب إلى أنه في السجن، رفض السنوار التحدث إلى أي إسرائيليين، وقد عوقب لذلك، ونقل عن محقق قوله: “إنه ملتزم بنسبة 1000% وعنيف بنسبة 1000%، وهو رجل صعب للغاية”.
وعند إطلاق سراحه، قال السنوار إن تجربته علمته أن أسر جنود إسرائيليين هو السبيل الوحيد لتحرير السجناء. وقال صحافي التقى السنوار قبل عقد من الزمن لصحيفة “الغارديان” إن زعيم حماس كان يركز بشدة على هذا الهدف لدرجة أنه بدا الأمر كما لو أن “العالم لم يكن موجودا خارج نطاق مقل عينيه”.
وبحسب الكاتب قال محللون إن الأهداف الأخرى لهجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر تشمل على الأرجح “وقف الجهود الرامية إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، وزيادة تقويض السلطة الفلسطينية، وصرف الانتباه عن فشل حماس في تقديم الخدمات أو كسر الحصار المفروض على غزة، وإثارة رد فعل عنيف من إسرائيل وسوف تحشد أنصارها في غزة والضفة الغربية وأماكن أخرى”
وذكر أنه “بعد خمسة أيام من الهجوم، ادعى أحد قادة حماس أن الهجوم كان بمثابة ضربة استباقية تم شنها بعد أن علمت المنظمة أن القوات الإسرائيلية كانت تستعد لهجوم كبير على غزة بعد عطلة عيد العرش اليهودي”.
قال مسؤولون في حماس إن التخطيط للهجوم بدأ قبل عامين، بعد مداهمة الشرطة الإسرائيلية للمسجد الأقصى في القدس، ثالث أقدس المواقع الإسلامية. وتقول مصادر إسرائيلية إن الجدول الزمني كان أقصر
وبحسبه فقد قال العديد من الخبراء – ومصادر أمنية إسرائيلية – إن حماس فوجئت بنجاحها. وقال مسؤولون إسرائيليون إن الرد البطيء للقوات الإسرائيلية مكن بعض الوحدات من القيام برحلات متعددة إلى إسرائيل من غزة لاستعادة المزيد من الرهائن. كما قام بعض المدنيين الذين عبروا الحدود إلى إسرائيل باحتجاز أسرى، مما أدى إلى تعقيد جهود الإنقاذ والمفاوضات الحالية، وفقا لمصادر إسرائيلية وحماس.
وذكر أن حماس قامت بتزويد المهاجمين بكاميرات” غو برو” لالتقاط صور للهجوم.
وأنه لا يوجد دليل على أن حماس كانت تأمل في السيطرة على الأراضي أو إثارة تمرد أوسع نطاقا، على الرغم من أن البعض طُلب منهم القتال حتى النهاية. و”على الرغم من ذلك، فقد استسلم عدد كبير منهم. ولم يذكر المسؤولون الإسرائيليون عددهم، لكنهم فقط كانوا مصدرا مفيدا للمعلومات”، حسبه.
وأشار الكاتب إلى أن حماس “أمرت بعض المهاجمين بالتراجع عندما بدأت القوات الإسرائيلية في الاحتشاد، وعاد العديد من كبار القادة إلى غزة. وهذا يعني أنه على الرغم من وفاة العديد من أعضاء كتائب القسام ووحدات النخبة، إلا أن معظم القادة بقوا على قيد الحياة. ومنذ ذلك الحين، قُتل البعض في هجوم الجيش الإسرائيلي على غزة، والذي أودى حتى الآن بحياة أكثر من 9770 شخصا، من بينهم أكثر من 4000 طفل، وفقا للسلطات الصحية المحلية”.