محمذن فال ولد محمد يحظيه ـ باحث موريتاني مهتم بالشأن الفلسطيني
ربما يكون مستغربا في البداية مجرد التفكير في إقدام الجيش المصري إلى غزة ومحاولة "الثار" لجنوده المقتولون في شبه جزيرة سيناء، ومحاولة ترميم صورته التي بدت تهتز أمام الشعب المصري الذي عرف بإعجابه الشديد بجيشه؛
غير أن النظر بعمق في مجريات الأحداث التي تجري في العالم العربي عموما وفي مصر خصوصا تشير إلى أن هذا الاحتمال بات واردا وربما يتحقق عن قرب ؛ إلا أن في الإقدم عليه مخاطرة غير محسوبة العواقب ، وسأتوقف عند هذه الفرضية في نقطتين الأولي منهما تحددث عن " الحوافز والدوافع " التي تحفز الجيش المصري وتدفع به إلى القيام بهذه المغامرة ، وتتوقف الثانية منهما عند " الحواحز والموانع" التي تحجزه وتمنعه من القيام بها.
الحوافز والدوافع
إن المتتبع لما يجري على الساحة المصرية والعربية يمنكنه استخلاص مجموعة من الحوافر والدواقع تحفز الجيش المصري وتدفع به إلى محاولة غزو غزة وفيما يلي أبرز هذه الحوافز والدوافع :
ترنح الانقلاب العسكري
ما زال الانقلاب العسكري الذي وقع على الرئيس المدني المنتخب محمد مرسي يراوح مكانه فلم يستطع أن يحقق الجزء اليسير مما وعد به في الثالث من يوليو فلم تتحسن الحالة المعيشية للشعب المصري بل على العكس من ذلك ازداد الوضع سوءا وتدهورت القدرة الشرائية لأغلب الأسرة المصرية ، ولم ينتعش الاقتصاد المصري رغم ما ضخته الدول الخليجية الداعمة للانقلاب من أموال وما جناه النظام من تبرعات صندوق تحيا مصر وصندوق تنمية السويس ، ولم يتم القضاء على الاستقطاب المجتمعي الذي كان أحد أبرز مبررات الانقلاب العكسري بل ازداد حدة وعمقا حتى وصل إلى درجة أصبح الفرقاء المصريون يمارسون لعبة كسر عظم، ولم يتم القضاء على الإرهاب الذي كان محتملا حسب قائد الانقلاب والذي أصبح واقعا وفوق ذلك ازداد حدة ودقة في ضرباته رغم المنطقة العازلة التي أقامها الجيش على الشريط الحدودي.
هذا الفشل المدوي في هذه المجالات التي كاننت من أبرز مبررات الانقلاب والترنح البادي في تصرفاته واليأس الذي بدأ يدب في أوساط عديدة من داعمي الانقلاب ، كل هذه الأسباب قد تدفع بالجيش المصري إلى دخول مغامرة الدخول إلى غزة ظنا منه أنها قد تجلب له تعاطفا من المصريين لزعمهم أنه يحارب الارهاب ، وما حكم القضائي باعتبار كتائب القسام منظمة إرهابية إلا مقدمة من مقدمات هذا الغزو وممهد من ممهداته .
استدرار دعم خصوم الإسلام السياسي
لئن الفشل الداخلي للانقلاب العسكري عاملا حاسما في أي خطوة غير محسوبة العواقب يقوم بها الانقلاب في هذا الاتجاه؛ فإن استدرار دعم خصوم الإسلام السياسي عربيا ودوليا محفز آخر لا يقل أهمية؛ حيث إن الانقلاب في مصر جاء – حسب زعمه – لإراحة العالم من خطر الإسلام السياسي ونواته الصلبة الإخوان المسلمون، وإن أي خطوة يقوم بها في اتجاه غزة تعتبر داخلة في هذا المسار؛ ذلك أن القوة المسيطر على القطاع هي حماس وتلك تمثل الفرع المحلي للإسلام السياسي الذي تعتبر محاربه اليوم سلعة رائجة عند الكيان الصهيوني وعند بعض الأنظمة العربية للأسف؛ وهو ما من شأنه أن يمنح للنظام في مصر مزيدا من الدعم المادي واللوجستي سواء الاستخباراتي أو المعدات العسكرية ؛ لأنه يقوم بمهمة تعتبر أولوية عند الغرب وحلفائه من العرب .
إسقاط المقاومة معنويا
لا يخفي الجيش المصري رغبته في القضاء المقاومة في غزة تلبية لرغبة إسرائيلية ، وما قصة الوساطة المصرية في الحرب الأخيرة إلا دليل على هذه الرغبة؛ حيث امتنعت مصر عن القيام بوساطة في الأيام الأولى من الحرب، ومنعت قيام أي طرف آخر من القيام بوساطة إطالة لأمد الحرب لعل وعسى أن تنهزم المقاومة – وهو ما لم يحدث بفضل الله – غير أن محاولات الجيش المصري لم تقف عند هذا الحد؛ حيث حاول إدراج سلاح المقاومة على طاولة المفاوضات وهو ما رفضته حماس ، إلا أن الجيش ظل يحاول القضاء على سلاح المقاومة من خلال هدم الأنفاق وتشديد الحصار على القطاع رغم التوقيع على رفعه عن القطاع ...
إن فشل إسقاط المقاومة ماديا بمعنى إلحاق هزيمة عسكرية بها أو الحد من قدرتها التسليحية يجعلها يجرب معها الإسقاط المعنوي من خلال جرها إلى حرب مع جيش عربي ، وإدخالها في متاهات الصراعات المحلية خصوصا بعد أن جربوا قدرة هذا النوع من الإسقاط على سحب التعاطف مع حركات المقاومة من خلال ما جرى مع حزب الله الذي كان يتمتع بشعبية جارفة في العالم الإسلامي وقد تآكلت شعبيته بفعل انغماسه في الصراع السوري وقيامه بالقتال هناك وتوجيهه بندقيته إلى المكان الخطأ وهو ماظهر في العملية الأخيرة التي نفذها ضد إسرائي في مزاع شبعة المحتلة.
حيث لم يلق التعاطف الذي كان يحظى به بل تعالت صيحات تقول إن ذلك لن يشفع له عند الأمة وإن فلسطين ليست منديلا يتطهر به مما ارتكبه في سوريا ، كل هذه الحوافز قد تعجل في ارتكاب الجيش المصري إلى القيام بمغامرة في دخول غزة ، ولكن ما الذي يحزه عن ذلك؟
الحوجز والموانع
رأينا في النقطة السابقة بعض الحوافز التي تحفز الجيش المصري إلى القيام بمغامرة في غزة وتدفعه إلى وفي هذه النقطة نعالج بعض الحواجز والموانع التي تمنعه من القيام بها:
التكلفة المادية
صحيح أن الجيش المصري قد يجد بعض الدعم المادي من خصوم الإسلامي السياسي إن قرر الدخول في مثل هذه المغامرة ؛ لكن واقع الدول التي ينتظر منها هذا الدعم المادي ليس في أحسن أحواله فأسعار النفط في أسوأ أحوالها منذو سنوات والدول الداعمة للانقلاب تعتمد عليه في اقتصاديتها بشكل كبير مما يقلل من تحسمها للاستمرار في الدفع خصوصا أنها لم تجد تقدما ملموسا يغريها بذلك.
وليس في الأفق أن الأسعار ستتغير ضف إلى ذلك التغيرات الجارية الآن في المملكة العربية السعودية حيث لم ترس سفينتها بعد انتقال الحكم إلى الملك سلمان على مرفإ تعرف من خلالها ملامح السياسة الخارخية للمملكة هل ستظل السند الأبرز للانقلاب في مصر أم ستحاول الانكفاء على ذاتها ومحاولة تقليل أضرار السقوط المدوي لليمن في أيدي جماعة الحوثيون التي لا تخفي ولاءها لإيران المنافس التقليدي للملمكة السعودية؛ هذا بغض النظر عن كون اليمن الحديقة الخلفية للمكلة وترسها الأولى التي كانت تدفع بها عن نفسها في وجه النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة .
التكلفة البشرية
يدرك الجيش المصري أكثر من غيره قوة المقاومة في فلسطين بحكم التعامل الاستخباراتي مع "الإسرائيليين" والأمريكانيين ، وبحكم تجارب الحروب الأخيرة التي خاضتها المقاومة ضد " إسرائيل " والتي أظهر فيها جهوزية عالية ومهارات قتالية ممتازة وتكتيكات قتالية أربكت بها حساب " الجيش الإسرائيلي " وجعلته ينسجب تحت وقع ضربات القسام وغيرها من الأولية العسكرية في القطاع.
وبالتالي يدرك الجيش المصري أن أي مغامرة يقوم بها في هذا الاتجاه ستكون تكلفتها البشرية عالية جدا ؛ذلك أن الجيش المصري لا يقارن " بالجيش الإسرائيلي " جاهزية وتدريبا ومعدات، وإن مقاومة أسقطت عشرات من " الجيش الإسرائيلي " بين قتيل وجريج وأسير قادرة أن توقع أضعاف ذلك من الجيش المصري ؛ وهو ما سيزيد وضعه سوءا على المستوى الشعبي ويفقد المصريين الثقة فيه بعد أن اهتزت ثقتهم فيه بفعل عجزه عن القضاء على بؤر محدودة في شبه جزيرة سيناء ..
إن الجيش المصري سيحسب لهذا الأمر ألف حساب قبل أن يقدم على المغامرة غير محمودة العواقب والتي تدفعه إليها الأحداث والإحباط الذي يعاني منه وانحشاره في الزاوية بسبب الفشل الذي يتخبط فيه في الشأن الداخلي .
التكلفة المعنوية
بالإضافة إلى التكلفتين المادية والبشرية هناك تكلفة لا تقل عنهما وهي التكلفة المعنوية التي سيعاني منها في حال أقدم على هذه المغامرة وهي انهيار سمعته عند عموم الأمة بالإضافة إلى عموم المصريين ذلك أن الأمة ترى في المقاومة في فلسطين أشرف مقاومة على وجه الأرض تنافح عن أحد أقدس المساجد عند المسلمين وتسعى إلى طرد الاحتلال من الأرض المباركة فلسلطين ، وأي محاولة للنيل منها والمساس بها سيدفع صاحبه ضريبة كبيرة من سمعته عند الأمة ولا سيما إذا كانت هذه السمعة مخدوشة أصلا عند قطاع عريض من أبناء هذه الأمة بفعل الانقلاب العسكري الذي قام به ضد الرئيس المنتخب.
صحيح أن الجيش المصري سيجد من يقف معه في المغامرة وهم القلة المرتبطين به وبمصيره و وستساعده الجوقة الإعلامية التي تمارس اليوم تحريضا فجا ضد المقاومة في غزة وتصفها بأبشع الأوصاف؛ غير أن تأثير هذه الجوقة الإعلامية بدأ يضعف بفعل اتضاح الصورة أكثر فأكثر للعديد ممن غررتهم في السابق ، ويبقى السؤال المطروح ماهي ردة فعل المقاومة في غزة تجاه هذه المغامرة إن حدثت ؟ هل سترد على الجيش المصري ردا سريعا دون أن تتضح الصورة لأبناء الأمة ، أم تريث في ردها حتى يتضح الأمر اتضاحا جليا لا لبس فيه وتجد المبرر لها أمام أبناء الأمة عند ما تقدم على التصدي لهذه المغامرة.