إن من المسلمات في التاريخ أن كل كيان بني على الظلم والغصب مصيره إلى الزوال عاجلا أم آجلا، واندثار الدكتاتوريات وانقشاع الاستعمار ونجاح الثورات وانتصار المستضعفين في جميع بقاع العالم أكبر دليل على ذلك.
وإن من المسلمات كذلك أن أي قوة أيا كانت لا يمكن أن تدوم سواء كانت حقا أم باطلا، خيرا أم شرا كما لا يدوم الضعف. الحق فقط يبقى وبعد القوة والباطل يزول مع زوال قوته.
فالأيام دول، وقوانين الكون وسنن الحياة تسري على كل شيء والتاريخ يكرر نفسه وموازين القوة الدولية تتحول بشكل مستمر ويتشكل العالم بناء عليها والدول والمنظومات تمر بمراحل نشأة وشباب ومشيب وانتهاء وقوة وضعف وانتصار وانكسار.
ففي الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تمر بعصرها الذهبي الاقتصادي والسياسي والتكنلوجي والعسكري والاستراتيجي حيث وسعت مستعمراتها وضمت القدس إليها وأثرت في أغلب اقتصادات الدول وتغلغلت في قياداتها ومراكز القرار فيها وأجبرتها على الاعتراف بها وتطبيع العلاقات معها فحظيت باعتراف ودعم كبيرين وتطبيع واسع مع دول المنطقة وارتفع مستوى دخل الفرد فيها إلى أعلى دخول العالم وارتفع اقتصادها وصارت تصدر التكنلوجيا وأنظمة التجسس والذكاء الاصطناعي للعالم. كانت في ذلك الوقت كيان شر وباطل بني على الظلم والغصب يمر بفترة قوة وانتصار أدتها إلى الغرور والعلو والتغول والتكبر والعمى وعدم القدرة على حساب الأمور والخطء في التقدير في موازين القوة وازدراء الخصم والاستخفاف به.
وفي الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تمجد ذاتها وتحتفل كانت المقاومة الفلسطينية تتطور وتدرس الخصم وتحدد نقاط ضعفه فتلقت إسرائيل الضربة التي لم تكن في الحسبان وأكبر لحظة انكسار في تاريخها يوم السابع من أكتوبر الضربة التي أفقدت إسرائيل توازنها وأصابتها بالجنون والحيرة وكسرت هيبة السيطرة لديها ودفعت الثمن الباهض السابع من أكتوبر الذي قهر الجيش الذي لا يقهر وهدم حصون القلعة الحصينة التي لا تخترق وسحق القوة المهيبة التي لا يداس لها على طرف وحطم أسطورة الشاباك والموساد الإسرائيليين وأسطورة التجسس والتكنلوجيا والاستخبارات الإسرائيلية طوفان الأقصى الذي أغرق حاملة الطائرات التي لا تغرق وحاصر القاعدة العسكرية المتقدمة في الشرق الأوسط. ضربة غير الموازين ولحظة انكسار أفقدت إسرائيل عقلها ورفعت معنويات المقاومة والشعب الفلسطيني وجميع أحرار العالم وبينت هشاشة المستعمر وضعف المحتل وجبن المستوطن وبينت أن النصر ليس ممكنا فحسب بل وأنه قريب كذلك وأنه بضربة أقوى وطوفان آخر ستسقط تل أبيب سقوطا لا قيام منه.
بعدما فقدت إسرائيل توازنها وقدرتها على التفكير السليم وتملكها الهلع وصارت مخاوفها أمام عينيها ورأت من المقاومة الفلسطينية ما كانت تحذر لم تكتف بجريمة قصف المدنيين بل وتمادت أكثر من خلال ما تظنه إنهاء قدرات المقاومة وتدمير سبل الحياة في القطاعات التي ليست تحت سيطرتها وظنا منها أنها ستجبر الفلسطينيين على مغادرة أرضهم والواقع أنها تسارع في نهايتها لا غيرها فمعركة الوعي والتضحية والإرادة لا يمكن أن ينتصر فيها إلا إصحاب الحق فسارعت في استهداف البنى التحتية والبلدات والملاجئ والمستشفيات والصحفيين والأطباء والمرضى والنساء والأطفال وحتى الخدج وكشفت للعالم عن بشاعتها وعن وجهها القبيح وهو ما يعد انتصارا للمقاومة بعد انتصارها. المقاومة التي على الرغم من أنها ليست مولعة بقتل الإسرائيليين إلا أنها ما زالت تكبد العدو الإسرائيلي الخسائر الهائلة البشرية والمادية والعسكرية والمعنوية التي لم يسبق لها مثيل وما زالت تدحر قوات العدو وتدمر آلياته وتسقيه الصعب والمر فما نال أمنا ولا مستقر بريئة من كل تهم الإرهاب وجميع أساليبه على الرغم من ظروف الاحتلال والاستعمار والاستيطان التي لا كلام عن الإرهاب في ظلها بريئة من أي عملية خارج نطاق الوطن ومن أي هدف سوى تحريره. المقاومة الفلسطينية التي تعتبر جيش الدولة الفلسطينية والشعب الفلسطيني وقواتها المسلحة ما زالت ترسم وتعلم العالم نهجا لم يسبق له مثيل في الصدق وفي الإنسانية وفي أخلاق الحرب وهو ما يعد أعظم انتصاراتها.
لقد شارفت إسرائيل على الزوال ودنت نهايتها وتلقت الضربة في مكان قاتل وانكسرت هيبتها وأسطورة قوتها وجيشها ومخابراتها وبطلت تعويذتها وفقدت اتزانها وكشف عن وجهها القبيح، فها هي الآن في سكرات موتها تلفظ أنفاسها الأخيرة ورأى العالم حقيقتها فهي منتهية لا محالة كأي كيان بني على الظلم والغصب، ومهزومة كأي شر وداحضة كأي باطل فسواء أنهاها العالم أو أنهتها المقاومة أو أنهت نفسا بنفسها فقد انتهت وتستمر في الانتهاء والمقاومة انتصرت وتستمر في الانتصار وفلسطين ستنتصر وستتحرر وستستقل وستقوم عما قريب حرة أبية علي جميع بقاع أرضها وعاصمتها القدس.