مع خيوط فجر الـ25 من نوفمبر 2015 تحركت الطائرة الرئاسية على مدرج نواكشوط، مطلقة سيقانها للريح، قبل أن تمخر عباب الفضاء اللامتناهي في اتجاه قاعدة "لمريه" العسكرية في أقاصي ولاية آدرار، حيث تختفي الحياة بكل أشكالها في هذه الصحراء اللاهبة..
بعد ساعة ونصف الساعة من الطيران بدت مباني القاعدة العسكرية تتراءى وسط بحر من الرمال الزاحفة، يشقها مدرج هبوط للطيران في تحدي لهذه المهامه المفقرة..
صمت مطبق يلف المكان، تخترقه من وقت لآخر هدير محركات طائرات القوات المسلحة وأصوات سياراتها التي تذرع الأرض بين الفينة والفينة، بحثا عن عدو يتربص بالبلاد، أو مهرب تتقاذفه هذه المفازة اللامتناهية.
بعد مراسيم الاستقبال وعلى مائدة إفطار صباحي فاخر قدم العقيد عارف البراء مدير الاتصال بقيادة الجيش برنامج الزيارة، الذي افتتح بحفل رفع العلم الوطني، هنا على أرض "تيارت الواسعة" التي كانت مسرحا ومرتعا للعصابات الإرهابية وشبكات التهريب، قبل أن تقرر القيادة الوطنية عام 2009 بناء هذه القاعدة التي تحتضن اليوم احتفالات الجيش الوطني في ذكرى تأسيسه الـ55.
حسب العقيد المختار ولد لكحل قائد القاعدة، فإن منطقة تيارت تمتد على مسافة 250 كلم طولا و70 كلم عرضا، ولا يوجد بها أي أثر للحياة لا للبشر أو الشجر، وهي جزء من صحراء رملية تبدأ من موريتانيا وتنتهي شمال السودان..
في دائرة قطرها 20 كيلومترا وفي جوف هذه الصحراء تم بناء القاعدة التي تعتبر أكبر القواعد العسكرية في موريتانيا، بين "جبلين" رمليين، وهي تقع في منتصف تيارت الواسعة، وتتكفل بتأمين المنطقة وتسيير دوريات على الحدود مع مالي، وتعتبر مدينة "وادان" أقرب نقطة دعم لوجستي إليها وتبعد عنها 450 كيلومترا غربا، فيما تبعد عنها مدينة تيشيت 370 كلم جنوبا، وتبعد عن الحدود مع مالي 150 كلم شرقا وعن "لمغيطي" 250 كلم شمالا.
تتوفر القاعدة على آليات عسكرية حديثة، وعدد كبير من الضباط والجنود الذين يمتشقون السلاح على مدار الساعة، دفاعا عن الحوزة الترابية، وذودا عن حياض الأمة، وبالقاعدة أيضا آبار ارتوازية يبعد بعضها 25 كلم شرقا، وقد أدى الرئيس ووفده وقائد أركان الجيوش زيارة لأحد هذه الآبار التي توفر المياه العذبة لأصحاب الأحذية الخشنة في هذا المنكب من الأرض.
في "لمرية" دشن رئيس موريتانيا الجديدة مدرج المطار الذي تولت شركة ATTM بناءه، ومستودعا للطائرات العسكرية، وعقد اجتماعا بالضباط، وتناول الغداء مع خمسة جنود صغار من العاملين في القاعدة، في مشهد لا يخلو من بساطة الثوري المنحاز دائما وأبدا للبسطاء.. مشهد لم يفت على عدسات المصورين فدونت اللحظة، وسجلت المشهد، وخزنته الذاكرة.
على بعد كيلومترات معدودة من القاعدة توجد مقبرة تعود إلى 6000 سنة حسب تقديرات قائد الجيش الجوي الجنرال ولد لحريطاني، وتضم قبورا غريبة الشكل، حيث يتم فيها دفن الموتى وقوفا، وهو أسلوب كان شائعا في هذه الأرض في العصور الغابرة حسب المؤرخين والباحثين.
بنفس الحفاوة التي استقبلتنا بها "لمرية" ودعتنا كذلك، لنعود أدراجنا على متن نفس الطائرة، وقد تركنا خلفنا رجالا يفلون الحديد، ويحتكرون لأنفسهم وحدهم كل معاني الرجولة....
وفي نواكشوط هبطنا عصرا بمطار ام التونسي المعلمة الحضارية الرائعة التي حفرتها إرادة الرئيس محمد ولد عبد العزيز في ذاكرة الوطن.. معلمة ستنبئ الأجيال اللاحقة أن ثوريا عنيدا قهر الصعاب، وصنع المستحيل مر من هنا ذات يوم.
سيدي محمد ولد ابه