لماذا لا يُوجد إلّا خِيار واحد أمام القيادة الإيرانيّة للثّأر لاغتِيال السيّد الموسوي في دِمشق.. ما هو وأين وكيف؟ وهل سيُؤدّي الرّد إلى توسيع دائرة حرب غزة وتفعيل الجبَهات “شِبه النّائمة”؟
إقدام دولة الاحتِلال الإسرائيلي على اغتِيال السيّد رضى الموسوي الرّجل الثالث في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، والمسؤول عن تسليح فصائل المُقاومة الفِلسطينيّة والكتائب المُسلّحة الأخرى في سورية والعِراق ولبنان، هذا الاغتِيال وضع السّلطات الإيرانيّة أمام خِياراتٍ صعبةٍ للغاية، ليس فقط بسبب توقيته، وإنّما لعواملٍ أُخرى عديدة، أبرزها الاختِراق الأمني، وارتفاع جُرعة الاستِفزاز والتحدّي الإسرائيلي.
صحيح أنها ليست المرّة الأولى التي تتعرّض فيها شخصيّات إيرانيّة عسكريّة بارزة لعمليّة اغتيال، ربّما أكثر أهميّة من الشهيد الموسوي، مِثل الجنرال قاسم سليماني رئيس فيلق القدس، ولكنّ عمليّة الاغتيال هذه تأتي مُختلفة لوقعها الخطير على سُمعة إيران ومكانتها الإقليميّة والدوليّة معًا، وتزامنها مع العُدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتفرّعاته في فِلسطين المُحتلّة وخارجها.
***
ربّما الخِيار الوحيد والمُقنِع أمام القيادة الإيرانيّة هو الإقدام على عملٍ انتقاميٍّ يرتقي إلى حجم الشهيد السيّد الموسوي، ويُوجّه رسالةً مُزدوجةً، الأولى لطمأنة أعضاء محور المُقاومة ورفع معنويّاتهم، والثانية إلى دولة الاحتِلال الإسرائيلي تُؤكّد عدم تردّد السّلطة الإيرانيّة في الثّأر لشُهدائها في أيّ مكان، داخِل البلاد أو خارجها.
إيران تعرّضت لانتقاداتٍ عديدةٍ “ثأريّة” من قِبَل خُصومها، وما أكثرهم، لأنها لم تُترجم تهديداتها بالانتِصار لحُلفائها المُقاومين، ووقف المجازر وحرب الإبادة في قطاع غزة، بالتدخّل المُباشر، أو غير المُباشر، عسكريًّا، وتراجعت في اللّحظات الأخيرة لأسبابٍ ما زالت غامضة، ربّما لتجنّب مُواجهة مع الولايات المتحدة التي أرسلت حاملات طائراتها، وغوّاصة نوويّة، إلى شرق المتوسّط، واكتفت بشنّ حربِ استِنزاف “مُتدحرجة” مع دولة الاحتِلال، وفتح ثلاث جبهات معها في اليمن، وجنوب لبنان، وشِمال العِراق، ولكن عندما أصبح استهدافها مُباشِرًا باغتِيال السيّد الموسوي، وفي قلبِ دمشق، فإنّ الوضع اختلف كُلِّيًّا في نظرنا.
اغتِيال الشهيد الموسوي يختلف كثيرًا عن اغتِيال رئيسه الشهيد سليماني، فالأوّل اغتالته دولة الاحتِلال في سورية، والثاني اغتالته أمريكا في العِراق، ولهذا سيكون الثّأر مُختلفًا من حيثُ المكان والتّوقيت والحجم.
بعد تفجير موكب الشّهيد سليماني بعد مُغادرته مطار بغداد قادمًا من دِمشق، جاء الرّد الإيراني فوريًّا بقصف قاعدة “عين الأسد” الأمريكيّة الضّخمة في الأنبار غرب العِراق، واعترفت الولايات المتحدة بإصابة مِئة من الجُنود والضبّاط فيها، ولهذا فإنّ السُّؤال المطروح بقُوّةٍ هو موعد الثّأر الإيراني لدماء الشهيد الموسوي، ومكانه، وحجمه، والشّخص أو الشخصيّات الإسرائيليّة التي سيتم استِهدافها؟
مصدر لبناني رفيع مُقرّب من السّلطات الإيرانيّة أكّد لنا أن إيران لن تُوكل مَهمّة الرّد إلى حُلفائها، وستقوم به بنفسها، ربّما عبر كتائب الحرس الثوري، وفي أسرعِ وقتٍ مُمكن، وقد يتزامن هذا الرّد الثّأري مع موعد ذكرى اغتِيال الشّهيد سليماني في الثالث من الشّهر المُقبل أو قبله، وربّما يأتي إعلانًا لفكّ التِزامها أو تفاهماتها مع الولايات المتحدة بعدم توسيع دائرة الحرب الحاليّة في قطاع غزة بحيث تشمل ساحات أُخرى مِثل ساحة حزب الله في جنوب لبنان، وأنصار الله في اليمن، والحشد الشعبي في العِراق، إلى جانب ساحة قطاع غزة والضفّة الغربيّة.
***
لا نستبعد أن تكون عمليّة الاغتَيال للسيّد الموسوي مُحاولة تآمريّة مقصودة من دولة الاحتِلال لجرّ الولايات المتحدة إلى حربٍ “مُؤجّلة” مع إيران، وإشعال مِنطقة الشّرق الأوسط برمّتها، بعد أن أدركت، أي “إسرائيل”، أنها خسرت حربها في قطاع غزة، ومُنيت بهزيمةٍ أفقدتها هيبتها وأمنها واستِقرارها، ولهذا تُريد توسيع دائرة الحرب، وإلقاء العبء على ظهر الولايات المتحدة، على أمل إلقاء طوق النّجاة لها، وبِما يُؤدّي إلى إطالة عُمرها ولو بضعة سنوات، ولكنّ النّتائج قد تكون كارثيّة على الولايات المتحدة ودولة الاحتِلال معًا، خاصَّةً أن الأولى مهزومة في أوكرانيا، والثّانية في القطاع.
لا نستبعد أن يأتي الرّد الإيراني على اغتِيال السيّد الموسوي مُزَلزِلًا لأنّه لن يكون ثأرًا لاستِشهاد شخص قيادي، وإنّما لإنقاذ سُمعة إيران وهيبتها ومِصداقيّة تهديداتها، وإرهاب أعدائها، والصّهاينة والأمريكيين على وجه الخُصوص، فالتّهديد بالثّأر جاءَ من الرئيس السيّد إبراهيم رئيسي، وبإيعازٍ من المُرشد الأعلى السيّد علي خامنئي، والعدّ التّنازلي بدأ مثلما قال السيّد حسين أمير عبد اللهيان وزير الخارجيّة، وربّما نَصحُو في أيٍّ من الأيّام القادمة على عمليّة انتِقام إيرانيّة ضخمة.. واللُه أعلم.