لم تغير السنوات الطويلة و تعاقب الرؤساء والقادة على الجمهورية تقاليد الموريتانيين في استقبال رؤسائهم، ولم يتغير مع الزمن نمط الاستقبال الشعبي لرؤساء الجمهورية الذي يتفنن فيه اطر الدولة وكبار السادة من رموز قبليين وساسة محليين فقد تعودوا على ينفقوا من اجل ذلك من الوقت والجهد والمال ما لايوصف فتحول المناسبة الرئاسية الى ما يشبه الأعراس التقليدية ضمن الميتولوجيا الحسانية من دق للطبول وركوب لموجة الزينة واستعمال اجود الالبسة واغلاها واطلاق ما يمكن إطلاقه من مربعات الترحيب ومن هرج ومرج ومن اصوات مختلطة للنساء والرجال ترتفع احيانا وتنخفض في احايين..
وقد تعاظمت الاستقبالات الرئاسية في السنوات الأخيرة حتى وصلت الى مستويات غير مسبوقة وقد ساعد في ذلك تغير المستوى المادي الباذخ الذي وصل اليه بعض المنتفعين من الانظمة المتعاقبة وخصوصا كبار الموظفين الحكوميين ورجال الأعمال والوسطاء و قادة العشائر في اكثر من منقطة في طول البلاد وعرضها والذين يدفع بهم التنافس والصراع المحلي على حيازة شرعية تلك المنطقة إلى التظاهر بكل أشكال الاستقبال من نصب الخيم الضخمة والمؤجرة من كبار الشركات المختصة واستجلاب السيارات الفارهة والفرق الموسيقية وتنظيم الولائم الدسمة اضافة الى نقل المؤيدين والمناصرين من مناطق بعيدة مثل أبناء العشيرة التي شاءت لها الصدف الإقامة في مناطق أخرى قد تكون نائية نسبيا للاستظهار بها استقواء على الخصوم وزيادة في مستوى الحشد الشعبي للائق بالضيف الزائر ..
وتتحدث مصادر عن استئجار بعض الساسة للجمهور لمهرجاناتهم وللاماسي الغنائية والخطابية بمبالغ مالية معتبرة( 500 أوقية جديدة للشخص الواحد) تماما كما تستجلب الارائك والأثاث والأدوات اللازمة حتى يتم تصوير ذلك كله من خلال المنصات الالكترونية عبر بثوثات مباشرة وأخرى تسوق من خلال المواقع والصفحات الإلكترونية الشخصية مصحوبة بوسوم وعناوين بارزة توحي بأنها لجهة الطائفة كذا اوللحلف كذا ..
وليس الامر يقتصر على هذا فقط بل هناك مخصصات باتت معروفة لمن يحملون الشعارات ومن يقفون متسمرين حاملين الصور المكبرة واللافتات
" باشات" التي تتضمن محتويات الترحيب بصاحب الفخامة..
■ حروب باردة واحيانا ساخنة بين الخصوم..
ولا يقتصر التنافس على الإنفاق والتباهي في نوعية الاستقبال هناك أيضا تسابق على احتلال المواقع المناسبة لضرب الخيام وتنظيم الاستقبالات وقد تنشب الملاسنات أحيانا وتتساقط الكلمات النابية في بعض الاحايين بين الفرقاء المتنافسين..الشيء الذي يشكل الحرج لرجال الإدارة والأمن خوفا من خروج الأمور عن نطاق السيطرة...
■موسم الهروب من العاصمة ..
يجد عدد كبير من موظفي الدولة الكبار في زيارات رئيس الجمهورية إلى داخل الولايات فرصة للسياحة وللإجازات غير المعوضة لذا نرى نفس الوجوه التي استقبلت الرئيس في ولايات الشرق الموريتاني هي نفسها الأوجه التي وقفت في طوابير لاستقباله في ولايات الشمال والغرب والجنوب...
ولايخفي كثيرون منهم انه بهذه الزيارة يروح عن نفسه عبر اختلاس برهة من الزمن بعيدا عن العائلة الصغرى( الزوجة والاولاد) وبروتوكولاتهم الصارمة وكذلك للتنزه والسياحة النفسية والميزاجية بعيدا عن العاصمة واكراهات الوظيفة الشاقة والمتعبة..من هؤلاء الزوار من يحصر مشاركته في هذا الهدف ومنهم من له اغراض مختلفة.. أما لقاء الرئيس ومصافحته والسلام عليه فليست في قائمة الأولويات لدى البعض..
ولهذا السبب رأينا الكثير من أبناء هذه الولايات الداخلية بات يشكو من غزو الوافدين الغرباء لمدنهم خلال مواسم هذه الزيارات ويشكوا من زحف متطفلين لاهم لهم سوى تتبع اثر هذه الزيارات ،ويرون فيها نوعا من التشويش والمضايقة قائلين ان هذه السيارات الفارهة والاوجه ذات القسمات الغريبة على المنطقة وساكنتها لم تجئ الى هذه المناطق حبا في اهلها ولا تعاطفا معهم وانما لمضايقتهم والتشويش على زيارة الرئيس لهم لارباكه ومنعه من الاستماع الى مطالب الساكنة وانشغالات اهلها في مجال التنمية ومصاعب الخدمات وان الاولى بهم البقاء في العاصمة والبحث عن اللقاء بالرئيس هناك بدل مزاحمتهم في هذه المناسبات الشعبية النادرة..
■من كتب شهادة ميلاد طائفة المهرجين.؟
اذا كان لكائن من كان له الفضل في إنتاج ظاهرة المهرجين فإن لهذه المناسبات الرئاسية الفضل الأول في ميلاد وخلق هذه الطائفة من الناس والتي تعد اليوم الرابح الأول من هذه الزيارات بما تملكه من بضاعة رائجة يتزاحم الجميع لخدماتها ويدفعون في سبيل ذلك الكثير من اموالهم رشوة لهم ومداراة لهم في احايين اخرى، وايضا من اجل الحصول شهادة تزكية للشخص امام الجمهور أو منحه اطراء بهلوانيا له و لقبيلته عبر الصدح بأعلى صوت بفضائلها وخصالها والاشادة بمكانتها المرموقة بين القبائل والعشائر قاطبة، حتى أن بعض هؤلاء السياسيين يعتبر أنه إذا حصل على إطراء من مهرج أو إشادة من أحدهم كأنما حصل على شهادة الاستاذية فتمنحه في الحين الراحة النفسية وتنشر على اسارير وجهه بشرى السعادة والارتياح وهي ربما تكفي للدلالة على نجاح الزيارة..
وليس غريبا أن تفرخ هذه الزيارة في كل موسم أعدادا من هذه الطوائف أطفالا أحيانا ورجالا وربما نسوة أو ما شابه ذلك حتى أصبح لكل منطقة من مناطق الوطن مهرجوها المستفيدون من هذه المناسبات وقد ساهمت شبكات التواصل الاجتماعي في زيادة تأثير هؤلاء ونقله من حيز ضيق إلى فضاءات أوسع ما زاد من سلطاتهم واتاح لهم فرصا هائلة للابتزاز وتحصيل غرامات مالية معتبرة تعطى لهم عن طيب خاطر..
وتعلق بهذه الطائفة مجموعات هجينة لا تمتهن الصحافة كحرفة وان كانت تدون احيانا وتخرج عبر إطلالات شبكات التواصل الاجتماعي في احايين اخرى لتعرف بنفسها ولتوظف تلك الشهرة المكتسبة حتى تتحول إلى ضرب من ضروب السلعة..
وترافق هذه الفيئة المجموعات السياسية الأكثر مالا والاكثر استعدادا للبذل هذا استفادتها من الجميع في جميع الحالات ..
■البشمرغة وجه الصحافة الاسود..
البشمرغة كتائب متنقلة تنتمى لفصيلة الصحافة وتعود هذه التسمية إلى السنوات الأخيرة من حكم الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي احمد ولد الطايع ولازال هذا المصطلح له سحره في وصف مجموعات تتحين جداول هذه الزيارات وتتلقط اخبارها للتنقل بين المدن وزيارة منازل المسؤولين للحصول على بعض الصدقات تحت عناوين الصحافة والصورة عبر هواتفهم وتقديم الخدمات الإعلامية عبر مواقع وصحف ولدى هذه الفيئة شبكة استعلام بارعة في جمع المعلومات وتتبع المسؤولين ومن ابرز مصطلحاتهم كلمة( هو ذاك اطلس الصحافة .).
■مدونون من مستويات شتى..
هناك مدونون وصحافة آخرين يزعمون القرب من النظام والمعرفة بخبايا الأمور في الدولة وكواليس القصر الرمادي ومن يسكنه من انس ومن جن هؤلاء لهم أيضا حظوتهم في هذه الزيارات وتقاس تدويناتهم بوزنها ذهبا..
ولهؤلاء مكانتهم الكبيرة في هذه الزيارات فغالبا ما يرافقهم بعض الفرقاء السياسيين ظنا منهم لضعف عقولهم وتحجر ادمغتهم أن باستطاعتهم فعل المستحيل من اجلهم..
■ زوائد الحزب الحاكم وعوالقه...
تصاحب في العادة وكما دأب عليه الأمر مجموعات ترتبط بالحزب وتدعي القرب من قيادته والتأثير في قراراته حيث تستغل هذه النماذج البشرية هذه الزيارات لنسج علاقات مع المسؤولين الكبار و برام عهود مع كوادر الدولة العليا لجني منافع عاجلة أو آجلة مقابل خدمات التزكية وتبليغ مشاهداتهم للجهود التي بذلها هذا السياسي أو ذلك لجهة استقبال السيد الرئيس ولاعطائه وزنه الحقيقي ضمن التوازنات المحلية..
هذه الفيئة من الناس بالإضافة إلى آخرين يدعون القرب اجتماعيا مع ساكن القصر الرمادي أيضا يرافقون هذه الزيارات ويوظفون وجودهم لجني مكاسب خاصة غالبا تشكل عبء إضافيا على جيوب المحليين..
■بنكيلي اللاعب الأبرز في هذه الزيارات ..
سهل وجود تطبيق ما يسمى بنكيلي عمليات الدفع وتسهيل هذه المعاملات ورفع عن كثيرين حرج التنقل بظرف مالي إلى شخص معين مداراة له وشراء وخدماته بل أصبح كافيا أن تهمس في أذن المعني خلسة اعطيني رقم بنكيلي وما هي إلا لحظات حتى تكون المبالغ المهداة في حظيرة الأملاك الشخصية المقدسة..
ليس المهم في الأمر مصدر تلك الأموال أن كانت متحصلة من الفساد المالي في جهاز الدولة أو كانت أموال رجال المال والأعمال والتجار أو هي متحصلة من تبييض الأموال الوسخة.. المهم انها تكفي لتجلب لصاحبها المكانة والابهة وتحيطه بقدر من التقدير ليس في نفوس المهرجين وشعراء التكسب بالمدح ولا حتى بسرعة الصحافة وإنما أيضا مسؤولي الدولة...
تقرير....محفوظ الجيلاني