لم يتوقف في عطلة رأس السنة الحراك الموريتاني المناصر للقضية الفلسطينية والمؤازر للأهالي في غزة وهم يواجهون أبشع عدوان يشهده العالم، ينفذ من كيان محتل في حق شعب أصيل تحت سمائه وعلى أرضه.
وتحت عنوان “فلسطين الجرح النازف”، نظمت جمعية شبيبة بناء الوطن مهرجاناً خطابياً نصرة لقضية الأمة المركزية وتأكيداً على محوريتها.
وأكد الخطباء “أن ما تشهده القضية الفلسطينية من التفاف شعبي موريتاني عام حولها من مختلف الهيئات الحزبية والحكومية والشعبية، يعتبر مصدر اعتزاز وفخر للشعب الموريتاني أجمع”.
وأجمع المتحدثون في المهرجان على “أن ما تعيشه القضية الفلسطينية اليوم من منعطفات هامة يمثل ملامح فجر قادم، وتباشير لأمل النصر والتحرير رغم الحطام والركام”.
وشهد المهرجان إلقاءات شعرية لعدد من كبار الشعراء الموريتانيين، اشتملت على الدعوة لاستمرار الوقوف مع الأهالي في غزة بالنفس والنفيس، كما نددت بأنظمة التطبيع مع العدو.
ودعا الدكتور محمد محمود ولد محمد صالح أبرز فقهاء القانون في موريتانيا والمحامي الدولي البارز في تحليل قانوني لمجريات الأحداث في غزة “إلى إجراء تحقيق حول الجرائم التي لا يمكن أن تبقى دون عقاب، والتي ارتكبتها إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023، ومحاكمة مرتكبيها والمتواطئين معهم أمام المحكمة الجنائية الدولية، أو حتى لو بدا ذلك أمراً غير مرجح، محاكمتهم أمام محكمة جنائية دولية خاصة لهذا الغرض”.
وقال: “يجب بداهة أن يتمكن الفلسطينيون، بعد ما عانوه من محن ونكبات ومظالم كبرى، من ممارسة حقهم في العيش في دولة مستقلة داخل حدود معترف بها دولياً وفقاً لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بهذا الشأن”.
“ولن يكون هذا ممكناً، يضيف ولد محمد صالح، إلا إذا حدث تغيير حقيقي في موقف الغرب تجاه إسرائيل التي يجب أن تخضع لنفس القواعد التي تُطَبّقُ على دول العالم حتى لا تستفيد بعد الآن من “عدم المساءلة” بسبب ما يعانيه الغرب من شعور بالذنب لا يعقل أن يدفع الفلسطينيون ثمنه ومقابله، لكونهم لا دخل لهم فيه أصلاً وهم ضحيته اليوم”.
وعن سياق هجمات 7 أكتوبر والظرف الذي جاءت فيه، أكد الكاتب “أن تحقيق السلام يستلزم حتماً وجود طرفين اثنين؛ فسرعان ما بدا أن إسرائيل، التي اعتادت على سياسة الأمر الواقع، من النكبة عام 1948 إلى احتلال القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، ليست مستعدة للانخراط في عملية السلام على أساس القانون الدولي، وخاصة قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بهذا الموضوع”.
وزاد: “في هذا الجو السائد من الإهانة والانتهاكات والعنف الدائم والممنهج ضد الشعب الفلسطيني وغياب أي أفق لتسوية سياسية تحترم حقوقه الأساسية، جاءت الهجمات التي شنتها حركة حماس يوم 7 أكتوبر الماضي، وكما أكد ذلك بوضوح الأمين العام للأمم المتحدة، ودون أن يبرر ذلك سقوط ضحاياها من المدنيين كما ذكر، فإن هذه الهجمات لم تأت من العدم ولا من الفراغ، وتجاهلت إسرائيل هذا الواقع العنيد، وعملت بدلاً من ذلك على إخراجه من سياقه لتبرير طبيعة وحجم الحرب العدوانية التي شنتها بدافع الانتقام”.
وحول ما يسمي حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، تحدث الكاتب عن وجود التباس في فهم القانون، وقال: “لكن الأمر الأكثر إثارة للدهشة في الرد الإسرائيلي على هذه الهجمات هو الاصطفاف العفوي وغير المتحفظ، على الأقل خلال الأسابيع الأولى، من جانب كل الدول الغربية خلف موقف الحليف الإسرائيلي”.
وتطرق الكاتب لمسألة الكيل بمكيالين، مؤكداً أنه “ما فتئ يُعَطِّلُ تطبيق القانون الدولي”، وأضاف: “إن التباين الحاصل في تعاطي الدول الغربية مع هذا الصراع وتعاطيها مع النزاع الروسي الأوكراني لافت للنظر، فبالنسبة لهذا النزاع الأخير، تعرضت اتحادية روسيا بسرعة فائقة لسلسلة من العقوبات، كل منها أقسى من أختها، من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، بل إن المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية ذهب إلى حد إصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس بوتين على الرغم من أن أياً من البلدين لم يصادق على نظام روما الأساسي؛ وفي حالة المجازر التي تعرض لها السكان المدنيون الفلسطينيون، فإن الأكثر شجاعة هم أولئك الذين يجرؤون على التذكير بأن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها لا بد أن “يحترم القانون الإنساني الدولي” أو الذين يدعون إلى “هدنة إنسانية”.
وخلص الكاتب إلى تأكيد “أنه ذا كان المراد والمبتغى الذي نصبو جميعاً إلى تحقيقه هو إحلال السلام الدائم بين الشعوب وبين البشر، يجب علينا اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أن نعود إلى القانون الدولي وإلى مبادئه وقواعده، وأن نطبقها فعلاً على الجميع، خاصة وأن بنية المجتمع الدولي سائرة على درب التغيير ومع ما للدول الناشئة من دور قوي، فلم يعد العالم الذي تتراءى بجلاء للعيان ملامحه، أحادي القطب”، مضيفا “أن العالم اليوم متصدع، ويحتاج إلى القانون وإلى قيمه كمرجعيات مشتركة بين مكوناته”.
عبد الله مولود
نواكشوط-«القدس العربي»