تكمل الحرب الدامية على قطاع غزة والتي بدأت فصولها في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، المئة يوم، وسط حالة من الترقب الفلسطيني والعالمي لتحقيق “العدالة الدولية ومعاقبة إسرائيل على جرائمها”.
فخلال الأيام المئة الماضية، ارتكبت إسرائيل ألفا و993 مجزرة راح ضحيتها آلاف الفلسطينيين معظمهم من الأطفال والنساء، وخلفت دمارا هائلا في المنازل والبنى التحتية، حيث صنف مسؤولون أمميون القطاع على أنه غير “صالح للسكن”.
كما حولت الحرب 2 مليون فلسطيني، من أصل 2.3 مليون يعيشون في القطاع، إلى نازحين يحتمون إما في مراكز الإيواء أو داخل خيم في مخيمات مُستحدثة أو لدى أقاربهم.
هؤلاء النازحون بالمجمل يعانون من أوضاع معيشية وصحية وصفتها تقارير دولية بالكارثية، وسط تخوفات من انتشار الأوبئة والأمراض في صفوفهم.
دفعت هذه المأساة التي خلفتها آلة الحرب الإسرائيلية في غزة، جنوب إفريقيا لرفع دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية، في 29 ديسمبر كانون/ الأول الماضي، تتهم فيها إسرائيل بارتكاب “جرائم إبادة جماعية” في القطاع.
وعقدت العدل الدولية في لاهاي، يومي الخميس والجمعة، جلستي استماع علنيتين في إطار بدء النظر بهذه الدعوى.
وعرضت جنوب إفريقيا في دعوتها المكونة من 84 صفحة، دلائل على انتهاك إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال لالتزاماتها بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وتورطها في “ارتكاب أعمال إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة”.
ومن المقرر أن تحدد محكمة العدل الدولية في الأيام المقبلة خطواتها المستقبلية بالدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل.
وفي معرض ردها في جلسة الاستماع، رفضت إسرائيل اتهامها بارتكاب جرائم “إبادة جماعية” بحق الفلسطينيين، وزعمت أن ما تقوم به في غزة هو “دفاع عن النفس”.
**التطورات العسكرية
مع مرور 100 يوم على الحرب، تتواصل العمليات الإسرائيلية البرية في مناطق مختلفة من قطاع غزة أبرزها الأطراف الشمالية والشرقية من محافظة الشمال، والأطراف الشرقية من مدينة غزة، والأجزاء الشمالية (مخيمات البريج والمغازي والنصيرات، ومنطقة الزوايدة) من المحافظة الوسطى، وشرق ووسط مدينة خان يونس.
في أحدث توغلاته، سجل الجيش الإسرائيلي، مساء الجمعة، تقدما جديدا في المنطقة الشمالية الشرقية لمدينة دير البلح وسط القطاع، وذلك بعد مرور ثلاثة أيام على انسحابها من المنطقة الواقعة جنوب المدينة وشمال خان يونس، مخلفة دمارا واسعا في الأراضي الزراعية والمنازل والبنى التحتية.
كما انسحب الجيش، قبل نحو أسبوعين، من مناطق واسعة من محافظتي غزة والشمال حيث أعاد تموضعه على الأطراف الشمالية والشرقية
وتأتي هذه التطورات الميدانية وسط إعلان الجيش الإسرائيلي على لسان متحدثه دانيال هاغاري، الاثنين، عن بدء “مرحلة جديدة” من الحرب بقطاع غزة “أقل كثافة في القتال، وتشمل قوات برية وهجمات جوية أقل”.
كما قال في بيان آخر: “العمليات القتالية الحالية ستركز على معاقل حماس جنوب ووسط القطاع، وخاصة حول مدن خان يونس ودير البلح”.
ويحتدم القتال بين قوات الجيش الإسرائيلي ومقاتلي الفصائل الفلسطينية المسلحة، في محاور التوغل، حيث تقول الفصائل وأبرزها كتائب “القسام” الجناح المسلح لـ”حماس”، و”سرايا القدس” الجناح المسلح للجهاد الإسلامي، إنها “توقع إصابات محققة في صفوف الجنود”.
وبالتزامن مع العمليات البرية، يواصل الجيش قصفه الجوي والمدفعي المكثف على مناطق مختلفة من القطاع، ما يسفر عن سقوط قتلى وجرحى.
**ضحايا الحرب
مع دخول الحرب يومها المئة، ارتفعت حصيلة الضحايا الفلسطينيين إلى 23 ألفا و843 شهيدا، و60 ألفا و317 مصابا.
وبحسب آخر إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فإن من بين إجمالي الشهداء نحو 10 آلاف و400 طفل، و7 آلاف و100 سيدة، و337 فردا من الطواقم الطبية، و45 فردا من جهاز الدفاع المدني، و117 صحفيا.
وأضاف: “عدد المفقودين تحت الأنقاض، منذ 7 أكتوبر الماضي بلغ نحو 7 آلاف مفقود، نحو 70 بالمئة منهم من الأطفال والنساء.
كما خلفت الحرب المتواصلة، أضرارا واسعة في المباني والمنازل والبنى التحتية، حيث وثق المكتب الحكومي تعرض 69 ألفا و300 وحدة سكنية للهدم الكلي أو أنها أصبحت غير صالحة للسكن، فضلا عن تضرر 290 ألف وحدة سكنية بشكل جزئي.
وأوضح المكتب أن 30 مستشفى في قطاع غزة و150 مؤسسة صحية و53 مركزا، خرجوا عن الخدمة منذ 7 أكتوبر، فضلا عن استهداف مباشر لنحو 121 سيارة إسعاف.
وأشار إلى خروج 95 مدرسة عن الخدمة بسبب القصف وتضرر 295 آخرين بشكل جزئي، فضلا عن تعرض 145 مسجدا للهدم الكلي و243 مسجدا للأضرار الجزئية.
كما لم تسلم الكنائس من القصف الإسرائيلي، حيث وثق المكتب الحكومي تضرر 3 كنائس بغزة بشكل كبير، فيما تم تدمير 200 موقع أثري وتراثي.
**الأوضاع الإنسانية والصحية
مع استمرار الحرب، انعدمت مقومات الحياة والصحة في قطاع غزة في ظل ارتفاع أعداد النازحين ومواصلة إغلاق المعابر وقطع إمدادات المياه والكهرباء والوقود عن القطاع.
ومنذ بدء الحرب، شهد قطاع غزة 3 موجات مركزة من النزوح الأولى من مدن شمالي القطاع ومحافظة غزة إلى الجنوب، والثانية من شرق مدينة خان يونس إلى غربها ومدينة رفح (أقصى الجنوب)، والثالثة من المحافظة الوسطى باتجاه مدينة رفح.
وتتركز أعداد كبيرة من النازحين، في مدينة رفح، حيث قال رئيس البلدية هناك أحمد الصوفي، إن إجمالي الواصلين للمدينة منذ بدء الحرب بلغ نحو مليون نسمة، في حين أن عدد سكان المحافظة الأصلي هو 300 ألف نسمة.
وأضاف في تصريح سابق للأناضول، إن “البلدية فقدت السيطرة على الخدمات الأساسية خاصة عمليات جمع النفايات ومعالجة وتصريف مياه الصرف الصحي بسبب موجات النزوح”.
وكذلك الحال في المحافظات الوسطى ومحافظتي غزة والشمال، حيث تسبب نقص الوقود في تراجع عمل البلديات في جمع النفايات ومعالجة مياه الصرف الصحي، ما يتسبب بانتشار الأمراض والأوبئة بين السكان والنازحين، خاصة الأطفال.
إلى جانب ذلك، فإن شح توفر المياه الآمنة للشرب أو اللازمة للنظافة تجعل النازحين والسكان غير قادرين على الحفاظ على النظافة اللازمة للوقاية من الأمراض.
كما حذرت مؤسسات حقوقية دولية من “المجاعة” في القطاع، وسط ندرة المواد الغذائية المتوفرة.
وفي 5 يناير/ كانون الثاني الجاري، قالت منظمة “اليونسيف” إن الأطفال في قطاع غزة يواجهون تهديدا ثلاثيا مميتا مع “ارتفاع حالات الإصابة بالأمراض، وانخفاض التغذية، وتصعيد الأعمال العدائية”.
وأضافت في بيان: ” قضى آلاف الأطفال بسبب العنف، في حين تستمر الظروف المعيشية للأطفال في التدهور السريع، مع تزايد حالات الإسهال وارتفاع الفقر الغذائي بين الأطفال، مما يزيد من خطر تصاعد وفيات الأطفال”.
وبحسب المنظمة، فقد ارتفعت حالات الإسهال لدى الأطفال دون سن الخامسة من 48 ألفاً إلى 71 ألفاً خلال أسبوع واحد فقط بدءاً من 17 ديسمبر الماضي، أي ما يعادل 3 آلاف و200 حالة جديدة يوميا؛ مقارنة بألفي حالة شهريا قبل الحرب.
وأضافت عن ذلك: ” تعتبر الزيادة الكبيرة في الحالات في مثل هذا الإطار الزمني القصير مؤشرا قويا على أن صحة الأطفال في القطاع تتدهور بسرعة”.
وأعربت المنظمة الأممية عن مخاوفها جراء “الوضع المتدهور في قضية سوء التغذية الحاد والوفيات بشكل يتجاوز عتبات المجاعة”.
ويأتي هذا التدهور المرعب، في وقت سجل فيه القطاع نحو 400 ألف إصابة بأمراض معدية، لا تجد الرعاية الطبية اللازمة والأدوية من المستشفيات القليلة العاملة، حيث تركز منذ بدء الحرب على استقبال الجرحى والقتلى.
كما يعاني القطاع من شح في توفر الأدوية والمستلزمات الطبية داخل الصيدليات والمراكز الصحية العاملة، بسبب إغلاق المعابر.
وتواصل إسرائيل منذ 7 أكتوبر إغلاق المعابر الواصلة بين غزة والعالم الخارجي، فيما يتم فتح معبر رفح بشكل جزئي لدخول مساعدات محدودة وخروج عشرات المرضى والمصابين وعدد من حاملي الجوازات الأجنبية.
وسمحت إسرائيل في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، بدخول كميات شحيحة من المساعدات الإنسانية إلى القطاع عبر معبر رفح، ضمن هدنة استمرت أسبوع بين الفصائل بغزة وإسرائيل، تم التوصل إليها بوساطة قطرية مصرية أمريكية، تخللها صفقة تبادل أسرى.
**المفاوضات السياسية
في أكثر من مناسبة، شددت حركة “حماس” على رفضها الدخول بمفاوضات تبادل أسرى إلا بوقف كامل للعدوان على قطاع غزة.
لكنها أوضحت، في بيانات مختلفة، أنها “منفتحة على كافة المبادرات فيما قدمت رؤيتها حول أي صفقة جديدة للوسطاء”.
والأحد الماضي، قال وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إن مفاوضات وقف إطلاق النار بغزة “جارية وتمر بتحديات (..) ومقتل أحد كبار قادة حركة حماس الفلسطينية (صالح العاروري)، يمكن أن يؤثر عليها، لكننا نستمر في النقاشات مع كافة الأطراف للتوصل لاتفاق في أقرب وقت ممكن”.
وترعى مصر وقطر، إلى جانب الولايات المتحدة، جهودا للتوصل إلى هدنة مؤقتة ثانية في غزة، حيث تم التوصل للهدنة الأولى في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وأسفرت عن إطلاق سراح 105 محتجزين لدى حماس بينهم 81 إسرائيليا، و23 مواطنا تايلانديا، وفلبيني واحد، و240 أسيرا فلسطينيا.
وفي 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، نفذت “حماس” هجوما على مستوطنات غلاف غزة قُتل فيه نحو 1200 إسرائيلي، وأصيب حوالي 5431، وأسر 239 على الأقل.
وتقدر إسرائيل وجود نحو “137 رهينة ما زالوا محتجزين في قطاع غزة”، وفق تقارير إعلامية متطابقة، وتصريحات مسؤولين إسرائيليين.
غزة/ نور أبو عيشة/ الأناضول