عرفت الفترة الأخيرة تدفق آلاف اللاجئين الماليين على موريتانيا، في وقت تزداد فيه الظروف الأمنية والاقتصادية صعوبة بدولة مالي ومنطقة الساحل الأفريقي بشكل عام.
ووفق معطيات السلطات الموريتانية، فقد وصل أكثر من 15 ألف لاجئ مالي إلى موريتانيا خلال الأشهر الأخيرة، ليرتفع عدد اللاجئين الماليين بموريتانيا إلى نحو 120 ألف لاجئ يعيشون في مخيم "إمبره" بولاية الحوض الشرقي، شرق موريتانيا، غالبتيهم من النساء والأطفال.
ووفق أرقام حكومية، فقد عرفت السنتان الأخيرتان تضاعف أعداد اللاجئين وطالبي اللجوء الماليين بموريتانيا.
ويرى المحلل السياسي ورئيس "منتدى آوكار للتنمية والإعلام" (غير حكومي) سيد أحمد ولد باب، أن تزايد أعداد اللاجئين الماليين إلى موريتانيا بهذا الحجم خلال الفترة الأخيرة، سببه عدم الاستقرار السياسي والمخاطر الأمنية المتزايدة في منطقة الساحل بشكل عام، ودولة مالي بشكل خاص.
ولفت في تصريح لـ"عربي21" إلى أن مالي تعيش ظروفا أمنية واقتصادية صعبة، ما يعني أن أعداد اللاجئين قد تتضاعف خلال الفترة القادمة، وهو ما قال إنه يتطلب اتخاذ تدابير لاحتواء أعداد كبيرة من اللاجئين.
تحد للحكومة
في السياق ذاته، قال وزير الاقتصاد الموريتاني عبد السلام محمد صالح؛ إن تزايد أعداد اللاجئين الماليين ببلاده، شكل تحديا للدولة في مجالي الاستجابة الإنسانية والتنموية.
وأضاف في تصريحات أوردتها وكالة الأنباء الموريتانية الرسمية: "هناك ضغط متزايد على الخدمات الأساسية المحدودة أصلا على مستوى المنطقة التي تستقبل أكبر عدد من اللاجئين، وهي ولاية الحوض الشرقي".
وأشار إلى أنه استجابة لهذا الوضع، قررت الحكومة بصفة استعجالية وبدعم من شركائها في التنمية إعداد خطة طوارئ للتصدي لهذه الأزمة، تتماشى مع جهود موريتانيا في تعزيز صمود اللاجئين ودمجهم في الحياة النشطة.
نداء للمجتمع الدولي
ووجهت الحكومة الموريتانية نداء إلى المجموعة الدولية من أجل "تدعيم التضامن والتعاون الدوليين، حتى يظل اللاجئون يتمتعون بالحماية، وحتى لا تكون الأعداد الجديدة المتوافدة سببا في تراجع المكاسب المحققة في مجال التنمية المستديمة واللحمة الاجتماعية".
وتقول الحكومة الموريتانية؛ إنها بحاجة لموارد مالية لا تقل عن 12.3 مليون دولار لتغطية حاجيات الحماية الاجتماعية والأمن الغذائي والصحة والتعليم والمياه الصالحة للشرب، بمناطق استقبال هؤلاء اللاجئين.
ويعيش نحو 31 بالمئة من سكان موريتانيا البالغ عددهم نحو 4 ملايين نسمة تحت خط الفقر، وفق بيانات رسمية.
ويصنف البنك الدولي موريتانيا ضمن "الدول الأقل تطورا"، حيث تحتل المرتبة 160 من أصل 189 دولة، حسب الترتيب العام المعتمد على مؤشر النمو البشري، غير أن سكان موريتانيا يتطلعون أن تسهم عائدات ثروتهم من الغاز الذي يبدأ تصديره منتصف العام الجاري، في تحسين ظروفهم المعيشية وتوفير فرص للشباب العاطلين عن العمل.
دوافع النزوح
ويتدفق اللاجئون الماليون إلى موريتانيا منذ عام 2012، على خلفية الأزمة الأمنية التي شهدتها مناطق شمالي مالي، ولاسيما مدينة تمبكتو التاريخية.
هذا الصراع العسكري متعدد الأطراف، دفع الآلاف من سكان إقليم أزواد المالي إلى اللجوء للشرق الموريتاني، والإقامة بمخيم خاص أقامته الحكومة الموريتانية لهم قرب مدينة باسكنو الحدودية، وأطلق عليه مخيم "إمبره".
وكانت موريتانيا ومالي وقعتا اتفاقا لتنظيم العودة الطوعية للاجئين الماليين في موريتانيا إلى بلادهم، لكن هؤلاء اللاجئين يرفضون العودة إلى مالي؛ بحجة عدم استقرار الأوضاع، وتردي الظروف الأمنية والمعيشية.
مؤشرات عودة الصراع
ويأتي تزايد تدفق أعداد اللاجئين الماليين إلى موريتانيا، في وقت تظهر فيه مؤشرات على عودة الصراع المسلح بين الحكومة المالية المركزية في باماكو والحركات الأزوادية (الطوارق) في الشمال.
ويرى متابعون أن سيطرة "الإطار الاستراتيجي الدائم للسلام والأمن والتنمية"، -وهو تحالف يضم مجموعات مسلحة من الطوارق– قبل أكثر من شهر على الطرق الرئيسية شمال مالي، مؤشر واضح إلى عودة الصراع بقوة للمنطقة.
ومنذ استقلال مالي عن فرنسا 1960، يسعى سكان الشمال المالي وغالبيتهم من الطوارق للانفصال عن الجنوب المالي، حيث دخل الانفصاليون الطوارق منذ تسعينيات القرن الماضي في مواجهة دامية مع الجيش المالي، واستطاعوا في كثير من الأحيان السيطرة على بعض المناطق.
وإقليم أزواد الذي يسكنه الطوارق هو منطقة في شمال مالي محاذية للحدود مع موريتانيا، ويضم عدة مدن أبرزها مدينة تمبكتو التاريخية، بالإضافة إلى مدينتي كيدال وغاو.
ويتكون سكان الإقليم من عرقيات الطوارق (هم غالبية السكان) والعرب والفلان والسونغاي. وتبلغ مساحة الإقليم 822 ألف كلم مربع، أو ما يقارب الـ66% من مساحة مالي الكلية البالغة مليونا و240 ألف كلم مربع.
وشكل الأزواديون سنة 1988 أول جبهة سياسية ذات نشاط عسكري عُرفت باسم "الحركة الشعبية لتحرير أزواد"، إذ قادت تمردا عسكريا ضد باماكو سنة 1990، لكنها عانت بعد فترة قصيرة من أزمة داخلية انتهت بتفككها، وتحولها إلى عدة تشكيلات كان من أبرزها "الجبهة الشعبية لتحرير أزواد" و"الجيش الثوري لتحرير أزواد".