تحت عنوان: “المعهد الفرنسي في غزة موضع أطماع إسرائيلية”، تساءلت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية: هل استولت إسرائيل على وثائق أمنية حساسة مرتبطة بالنشاط الفرنسي في غزة بعد قصف جيشها للمعهد الفرنسي القطاع؟ مُعتبرة أن هذه القضية تبدو محرجة.
“لوفيغارو” أشارت إلى ما ذكرته وزارة الخارجية الفرنسية، يوم الثالث من شهر نوفمبر الماضي، حيث أعلنت أن “السلطات الإسرائيلية أبلغتها بأن المعهد الفرنسي في غزة قد استهدف بضربة إسرائيلية قبل بضعة أيام، وأنه لم يتم العثور على وكيل للمعهد، ولا أي مواطن فرنسي في المبنى”.
لوفيغارو: دخل جنود إسرائيليون المبنى، وقاموا بالاستيلاء على أجهزة كمبيوتر، وكتبوا على الجدران باللغة العبرية «هنا إسرائيل»، كما وضعوا عليها نجمة داود، وكسروا الخزنة، وأخذوا كل ما كان بداخلها، بما في ذلك الأموال
فبعد حوالي عشرة أيام من الهجوم الذي شنته “حماس” في إسرائيل، يوم السابع من شهر أكتوبر الماضي، طلبت القنصلية الفرنسية في القدس، التي يتبع لها المعهد الفرنسي غزة، من الحراس والموظفين هناك مغادرة المبنى.
وأوضحت الخارجية الفرنسية أنها “طلبت من الإسرائيليين إبلاغها، دون تأخير، بالوسائل المناسبة بالعناصر الملموسة التي حفزتهم على اتخاذ هذه الخطوة” بضرب مبنى المعهد الفرنسي في غزّة؛ والذي أشارت إلى أنه “لا يستفيد من حرمة المباني الدبلوماسية المعترف بها بموجب اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية”.
ومنذ ذلك الحين، يسود الصمت حول هذه الضربة الإسرائيلية. وتنقل “لوفيغارو” عن مصدر فرنسي وصفته بالمطلع على الأمر، والذي أكد للصحيفة أنه “بعد حوالي عشرة أيام” من القصف الذي تسبّب في أضرار حول المجمع وداخله، دخل جنود إسرائيليون المبنى، الواقع في شارع شارل ديغول بمنطقة الرمال بمدينة غزة، وقاموا بالاستيلاء على أجهزة كمبيوتر، وكتبوا على الجدران باللغة العبرية «هنا إسرائيل»، كما وضعوا عليها نجمة داود، وكسروا الخزنة، وأخذوا كل ما كان بداخلها، بما في ذلك الأموال”.
ونقلت “لوفيغارو” عن مصدر دبلوماسي فرنسي لم تذكر اسمه، قوله: “تم التقاط صور للأضرار، ثم إرسالها إلى السلطات الفرنسية”.
بعد فترة وجيزة، “جاء رجال ينتمون إلى حماس بدورهم إلى المبنى، كما يفعلون عادة بعد مرور الجنود الإسرائيليين عبر قطاع غزة”، تنقل “لوفيغارو” عن أحد الوجهاء الفلسطينيين في الموقع؛ ومنذ ذلك الحين “لجأت العائلات المشردة” إلى المعهد هرباً من القصف الإسرائيلي الذي أودى، بحسب وزارة الصحة في قطاع غزة، بحياة أكثر من 25 ألف شخص، غالبيتهم من المدنيين.
كما تنقل الصحيفة عن عميل استخبارات فرنسي، قوله: “من خلال الذهاب إلى هناك، حاولت حماس معرفة ما إذا كان الإسرائيليون قد قاموا بتفخيخ المكان عن طريق تركيب ميكروفونات وكاميرات مخفية”، كما فعلوا عندما تنازل الجيش الإسرائيلي عن قطاع غزة للسلطة الفلسطينية في عام 1994. .
وكان الجيش الإسرائيلي يعرف موقع المعهد الفرنسي، الذي كان يُرفع عليه علما فرنسا والاتحاد الأوروبي، توضح “لوفيغارو”، مشيرة إلى أن فرنسا تعد من الدول الأوروبية النادرة، إلى جانب ألمانيا والاتحاد الأوروبي، التي لديها مركز في غزة. هذا الأخير، تم افتتاحه عام 1989 باسم المركز الفرنسي، قبل أن يصبح المعهد الفرنسي في عام 2013. ويعد مساحة نادرة للتنفس للفلسطينيين في قطاع غزة، خاصة منذ تولى “حماس” السلطة هناك في عام 2007.
وأكدت “لوفيغارو” أنه علاوة على اختفاء الملفات الثقافية، وكذلك محتويات الخزنة، فيبدو أن إسرائيل قد صادرت أيضًا أجهزة كمبيوتر تحتوي على معلومات مرتبطة بأنشطة استخباراتية نفذتها فرنسا في الجيب.
ففي عام 2000، افتتحت المخابرات الخارجية الفرنسية (DGSE) منصبًا مخصصًا لأحد عملائها، في القنصلية الفرنسية العامة في القدس، تقول “لوفيغارو”، مؤكدة أن هذا الأخير قام برحلات متكررة إلى غزة والمعهد الفرنسي، وذلك على مرأى ومسمع من السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وحتى حركة “حماس”.
وتوضح “لوفيغارو” أن مثل هذا الاختفاء للمعلومات الحساسة يثير ردود فعل متناقضة داخل جهاز الدولة الفرنسية. وتنقل الصحيفة عن مصدر أمني مطلع على الملف، تأكيده أن “مذكرات استخباراتية تحتوي على عناصر حساسة قد اختفت”. وبالإضافة إلى فقدان المعلومات، هناك خطر الكشف عن المصادر. ولم تنكر وزارة الخارجية الفرنسية ذلك، رداً على سؤال الصحيفة، وأجابت ببساطة بأن “الوضع في غزة فوضوي. ولذلك لا يمكن التعليق على هذه المعلومات”، توضح ”لوفيغارو”.
توضح “لوفيغارو” أن مثل هذا الاختفاء للمعلومات الحساسة يثير ردود فعل متناقضة داخل جهاز الدولة الفرنسية. وتنقل عن مصدر أمني أن “مذكرات استخباراتية تحتوي على عناصر حساسة قد اختفت”
ويقول مصدر دبلوماسي للصحيفة: “الإسرائيليون قدّموا رداً أولياً على أسئلة فرنسا يشير إلى أن الغارة (…) استهدفت مقاتلي “حماس” الذين لجأوا إلى المبنى. ننتظر المزيد من التوضيحات منهم”. وهي رواية، توضح “لوفيغارو”، أنها تتناقض إلى حد ما مع ما قالته لها السلطات الإسرائيلية بدورها، والتي أكدت أنه “لم تكن هناك غارات على المعهد الفرنسي، بل على مقربة منه، لأنه كان هناك إرهابيون. وأما ادّعاء سرقة الكمبيوتر، فلا أساس له من الصحة، ونحن نرفضه تماماً”، تقول سفارة إسرائيل في باريس.
وفي وزارة الجيوش الفرنسية، تنقل “لوفيغارو” عن أحد كبار الضباط الفرنسيين، قوله: “لا نفهم لماذا لم يتم تدمير المعدات الحساسة مباشرة بعد الضربة الإسرائيلية.. عادةً ما نقوم بذلك في مثل هذه الحالات، كما حدث في ليبيا أو إيران، بفضل إجراءات تدمير الملفات التي نستولي عليها” […]
كما تنقل “لوفيغارو” عن مصدر مقرب من أجهزة الاستخبارات الفرنسية تأكيده أن “أجهزة الكمبيوتر الحساسة تم تنظيفها” بين لحظة الغارة الإسرائيلية وتوغل الجيش الإسرائيلي في مبنى المعهد الثقافي الفرنسي. وبالتالي، باختصار، لا توجد معلومات حساسة فرنسية الآن في أيدي إسرائيل”. وهي رواية لا يبدو الكل مقتنعاً بها، تقول “لوفيغارو ”.
“القدس العربي”