بشكل غير مسبوق، ارتفعت أسعار الكثير من المأكولات خاصة الخضروات في غزة، وبات أمر الحصول عليها صعبا لأغلب العائلات التي تعاني من ويلات الحرب.
وطالت الارتفاعات الجديدة في الأسعار، خضروات أساسية تلجأ إليها ربات المنازل، باعتبارها أساسا للوجبات التي تقدم لأفراد الأسرة.
أسعار خيالية
“القدس العربي” تجولت في عدة أسواق بمدينة رفح التي يتواجد فيها العدد الأكبر من سكان القطاع، بعد أن لجأ إليها أكثر من مليون نازح، أضيفوا إلى عدد سكانها الأصلي المقدر بـ300 ألف نسمة، فرأت أن أكثر الخضروات التي شهدت ارتفاعا كبيرا في ثمنها كان “البصل”، ففي هذا الوقت يباع الكيلوغرام الواحد في الأسواق بـ35 شيكلا، ويزيد سعره قليلا إن كانت جودته أكثر، “الدولار الأمريكي يساوي 3.8 شيكل”، ما يجعل الكيلو الواحد يصل إلى نحو 10 دولارات.
وبالأصل، كان ثمن كيلو البصل في الموسم الشتوي، يرتفع كثيرا ليباع كل ثلاثة كيلوغرامات في موسم الشتاء بعشرة شواكل، أي ما يعادل ثلاثة دولارات، بعد موسم صيفي تباع فيه ضعفا هذه الكمية بنفس الثمن.
ومن بين الخضروات أيضا التي ارتفع ثمنها بشكل جنوني كان “الليمون”، الذي يتراوح ثمنه ما بين 20 إلى 25 شيكلا، أي ما يفوق 6 دولارات.
وقد كان هذا الصنف يباع في الموسم الشتوي بنحو شيكلين أو أقل في بعض الأحيان، أيق أقل من دولار واحد.
وليس بعيدا عن هذه الارتفاعات أيضا ثمن “البطاطس” التي يصل ثمن الكيلو الواحد منها حاليا إلى نحو ثمانية شواكل، أي أكثر من دولارين، فيما كانت تتوفر بكثرة في موسم الشتاء، حيث كانت يباع الكيلوغرام بشيكل واحد فقط، وهو أمر أيضا انطبق على ثمن “الفلفل”، سواء الحار الذي يباع حاليا الكيلو الواحد بـ32 شيكلا، والحلو منه الذي يباع بـ12 شيكلا، فيما سجل ثمن ربطة “السبانخ” الصغيرة عشرة شواكل، وقد كانت تباع الكمية التي تصل إلى أكثر من ثلاثة أضعافها بشيكلين في موسم الشتاء.
كما سُجلت ارتفاعات كبيرة في أسعار كل من القرنبيط والملفوف الأخضر، فهذان الصنفان اللذان كان ينخفض ثمنهما في الشتاء، إلى نحو ثلاثة شواكل، وصل سعرهما إلى أكثر من 15 شيكلا، هذا إن توفرا من الأساس.
وخلال جولة في السوق، وجدت “القدس العربي”، أن هناك شحّا كبيرا في كميات البصل المعروضة، وكذلك الليمون والفلفل، فيما توفرت البطاطس والطماطم، التي ارتفع ثمنها قليلا عما كانت عليه في مثل هذا الوقت من الموسم.
الشراء بالحبة وليس الكيلو
وشاهدت “القدس العربي” سيدات ورجال يشترون أقل من نصف كيلو من البصل. وقالت إحدى السيدات اللواتي تواجدن أمام “بسطة” خضار، إنها اضطرت لشراء كمية قليلة بعشرة شواكل فقط، أقل من نصف كيلو من البصل، لاستخدامها في إحدى الوجبات التي ستحضرها لأسرتها، وهي عبارة عن بعض اللحم المعلب الذي يوضع على البصل بعد تحميره قليلا في الزيت.
وقالت تلك السيدة لـ”القدس العربي”: “لم أجد أوفر من هذه الطبخة لأولادي”، وقد أشارت إلى أن اللحم المعلب كانت قد حصلت عليه أسرتها في طرد غذائي، استلمته من إحدى المؤسسات الخيرية، باعتبارها من الأسر النازحة بسبب الحرب.
وكغيرها، اشتكت هذه السيدة الأربعينية من قسوة الحياة، ومن ارتفاعات كبيرة في الأسعار، وقالت: “كل مرة نعتقد أن هناك أملا في انخفاض الأسعار، نتفاجأ بارتفاعات كبيرة تطال أشياء أساسية”.
وتقول تلك السيدة إن أحد أبنائها الصغار، ويبلغ من العمر تسع سنوات، طلب منها أن يأكل “طبيح السبانخ”، مع اللحم الذي كانت الأسرة تحضره عادة في موسم الشتاء، غير أنها لم تستطع تلبية رغبته.
وأضافت: “الطبخة بدها كيلو لحم على القليل، واثنان كيلو سبانخ، وكمية من البصل”، وتابعت: “مجموع أساسيات الطبخة بتفوق الـ150 شيكل، أكثر من 40 دولار أمريكي، لافتة إلى أن تحضريها سابقا كان أقل من هذه التكلفة بكثير.
ومع ارتفاعات الأسعار، أصبح ثمن كليوغرام اللحم البقري يصل إلى 100 شيكل، وهو ما يقارب من ثلاثة أضعاف ثمنه العادي، فيما يبلغ ثمن الكيلو من هذا اللحم المجمد 70 شيكلا، ما يفوق ثمنه الذي كان في الوضع الطبيعي قبل الحرب أكثر بقليل من الـ20 شيكلا، فيما انقطعت في هذه الأوقات لحوم الدواجن من الأسواق كليا.
ولم يكن الأمر بعيدا عن ماهر أبو جابر، الذي كان يحمل في بيده قليلا من الطماطم وهو يتجول بين بسطات ومحال الخضار، ويقول هذا الرجل الذي تأثر ماديا كغيره من سكان غزة بسبب الحرب، إن أثمان الخضار تفوق قدرته المادية على شرائها، وأنه مضطر وأسرته للاستمرار في أكل المعلبات، التي قال إنها أتعبت أمعاء أطفاله.
ويشير هذا الرجل إلى أن ثمن الخضار وغالبية السلع في قطاع غزة، يفوق ما تباع في دول العالم الغنية جدا، وقال: “حتى في أمريكا وأوروبا الثمن أقل من عندنا”، ويشير إلى أن أصدقاء له في دول أوروبية أكدوا له ذلك، خلال حديثه معهم عبر الانترنت.
وعلى بسطة خضار في سوق حي تل السلطان غرب مدينة رفح، حيث المركز الأكثر لنازحي الحرب، قال صاحبها لـ القدس العربي، إن هناك زبائن اشتروا بصلة واحدة، لاستخدامها في الطبيخ.
وأشار عبد الرحمن خضر، إلى أن آخرين اشتروا كميات أكثر من هذا بقليل، لافتا أيضا إلى أن هناك زبائن عزفوا عن الشراء عند معرفة الثمن.
وفي ظل امتعاض الزبائن من ارتفاعات الأسعار الجنونية، وشكوى السكان من عدم وجود رقابة كافية من الجهات الرسمية على الأسواق، يقول هذا الشاب إنه كبائعي خضار لا علاقة لهم بارتفاع الثمن، وأنه يشتري هذه الكميات كغيره من البائعين من تجار كبار.
ويشير إلى أن ما يتحكم في الثمن هو كمية العرض المتوفرة، والطلب عليها من الزبائن، لافتا إلى أن “سوق الجملة” الذي يشتري كغيره من تجار التجزئة كمياتهم منه، لم يكن يتوفر فيه كميات وافرة من الكثير من الخضروات وأولها البصل.
سبب الارتفاع
واستفسرت “القدس العربي” في ذلك السوق عن ارتفاع ثمن الخضار من أحد التجار، فأشار إلى أن عدم توفر كميات كبيرة، يعود لظروف الحرب، حيث لم تعد الأراضي الزراعية المتواجدة بعيدا نسبيا عن مناطق العمليات العسكرية والقصف، قادرة على توفير الكميات المطلوبة.
وأشار إلى أنه يجري جلب الخضار فقط من أراضٍ تقع غرب ووسط مدينة دير البلح، ومن غرب مدينتي خانيونس ورفح، لافتا إلى أن المناطق الشرقية لمدينتي خانيونس ورفح، اللتين تعتبران مصدرا أساسيا للسلة الغذائية لسكان القطاع، لا أحد يستطيع الوصول إليها في هذا الوقت، بسبب العمليات العسكرية البرية التي ينفذها جيش الاحتلال.
كما تحول قوات الاحتلال من وصول الخضار من مناطق مدينة غزة وشمالها، والتي تعاني أيضا من نقص حاد، بسبب عدم قدرة مزارعي الحدود الشرقية والشمالية، وكذلك مزارعي منطقة جنوب مدينة غزة على الوصول إلى حقولهم، التي تتواجد فيها آليات عسكرية إسرائيلية، وهو أمر رفع أثمان الخضار والكثير من البضائع بشكل جنوني.
وحسب روايات سكان من مدينة غزة، فإن ثمن كيس الدقيق بوزن 25 كيلوغراما، أصبح يباع في الأسواق بأكثر من 700 شيكل، أي ما يقارب 200 دولار، وذلك بسبب منع سلطات الاحتلال وصول شحنات كافية من الطعام الأساسي لسكان تلك المناطق. فيما يباع حاليا الدقيق في مناطق وسط وجنوب القطاع، التي تمر إليها قوافل المساعدات بثمنه الطبيعي وهو 60 شيكلا، أي أقل من عشرين دولارا.
وبسبب نفاد الدقيق، لجأ السكان هناك إلى استبداله بالذرة وتحويلها لطحين، كما اعتمد المواطنون على وجبات الأرز، فارتفع سعر الكيلو الواحد إلى ما يقرب 20 شيكلا.
أشرف الهور
غزة- “القدس العربي”