عبر تقرير صادر عن البرلمان الأوروبي عن قلق الأوروبيين العميق إزاء حالة الحقوق الأساسية في موريتانيا، ولا سيما للمهاجرين واللاجئين، مؤكدا أن الإطار القانوني الحالي في موريتانيا لا يسمح بالحماية الفعالة للنساء والأطفال، ولا للأشخاص المثليين.
وذكر التقرير - الذي أعد حول توصية البرلمان الأوروبي بشأن المفاوضات بخصوص "اتفاق الوضع" بين الاتحاد الأوروبي وموريتانيا حول نشر قوات من الوكالة الأوروبية لحرس الحدود وخفر السواحل (فرونتكس) في موريتانيا - أن "العلاقات الجنسية المثلية تعتبر غير قانونية بموجب القانون الجنائي الموريتاني وتظل جريمة جنائية يعاقب عليها بالإعدام".
كما ذكر التقرير الأوروبي بأن موريتانيا لم تلغ عقوبة الإعدام إلى الآن، معتبرا أنه على الرغم من وجود وقف فعلي لعقوبة الإعدام منذ عام 1987، إلا أن السجناء الأجانب الذين يواجهون عقوبة الإعدام نادرا ما يحصلون على مساعدة قانونية أو مترجم كفء.
وأكد التقرير أن موريتانيا هي آخر دولة في العالم تقوم بإلغاء العبودية رسميا، وذلك في العام 1981، كما أنها لم تقم بتجريمه إلا في العام 2015، من خلال القانون رقم: 031 – 2015، منبها إلى أن المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بأشكال العبودية المعاصرة خلص في تقريره إلى أن البلاد قد اتخذت خطوات مهمة، لكن استمرار العبودية والممارسات المرتبطة بها، بما في ذلك العمل القسري، ما يزال يشكل مصدر قلق، وله تداعيات على كل من المهاجرين والمواطنين الموريتانيين.
وبخصوص المهاجرين غير النظاميين في موريتانيا نبه التقرير إلى أن موريتانيا تعد بلد عبور ومقصد للهجرة من بلدان غرب أفريقيا الأخرى، مثل السنغال ومالي وغينيا وغينيا بيساو، مضيفا أن عدد الأشخاص الذين يسافرون على طول الساحل الموريتاني بهدف استخدام طريق الهجرة لجزر الكناري قد زاد بشكل كبير خلال العامين الماضيين.
وأردف التقرير اعتمادا على معطيات اللجنة الإسبانية لمساعدة اللاجئين، أن الطريق الذي يعبر موريتانيا هو أكثر الطرق دموية في العالم، كما أن العام 2021 شهد أكبر عدد من الوفيات والمختفين منذ بدء تسجيل البيانات.
وقال التقرير الأوروبي إن اللاجئين وطالبي اللجوء في موريتانيا يعانون باستمرار من انتهاكات خطيرة ومنهجية لحقوق الإنسان، وسوء المعاملة، مثل الإعادة القسرية، والاعتقال والاحتجاز التعسفيين والعنف القائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك حالات التعذيب والاستغلال، وظروف الاحتجاز التعسفية والابتزاز والسرقة.
كما رصد التقرير الأوروبي ضمن هذه الانتهاكات "عمليات الطرد الجماعي التعسفية إلى السنغال ومالي"، منبها إلى أنه "لا يتم تقييم الأشخاص على أساس جنسيتهم أو ضعفهم"، كما أن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لا تقوم بزيارات منتظمة إلى نقاط التفتيش الحدودية ومواقع النزول بعد عمليات الاعتراض في البحر، وأماكن الاحتجاز لتحديد احتياجات الحماية.
وأكد التقرير أن منظمات المجتمع المدني في موريتانيا تبدو ممنوعة من القيام بذلك، مذكرا بأن تنفيذ التشريعات المتعلقة بمكافحة الاتجار بالبشر أدى إلى حالات تم فيها تجريم المهاجرين.
"حصانة الأورويين"
وناقش التقرير منح حصانة تامة للأوروبيين التابعين للوكالة الأوروبية لحرس الحدود وخفر السواحل (فرونتكس)، حيث نصت إحدى فقراته على تمتع أعضاء فرق الوكالة بالحصانة من الولاية القضائية الجنائية لموريتانيا في جميع الظروف.
وذكر التقرير بأن الوكالة الأوروبية سبق لها أن نفذت عمليات مشتركة في موريتانيا بين عامي 2006 و2018، مشددا على أن تداعيات هذا التعاون على حماية واحترام حقوق الإنسان للمهاجرين في موريتانيا لم يتم تقييمها.
وأضاف التقرير أنه في 20 سبتمبر 2022، افتتحت وكالة فرونتكس خلية لتحليل المخاطر في نواكشوط كجزء من مجتمع الاستخبارات بين فرونتكس والدول الأفريقية، وهي خلية مسؤولة عن جمع وتحليل البيانات المتعلقة بالجريمة عبر الحدود، ودعم السلطات المشاركة في إدارة الحدود، لتنضاف هذه الخلية إلى ثماني خلايا لتحليل المخاطر تشكل حاليا جزءا من مجتمع الاستخبارات بين فرونتكس والدول الأفريقية.
ورأى التقرير إن إبرام اتفاق حول الوضع بين الاتحاد وموريتانيا ينص على ممارسة فرونتكس لسلطات إنفاذ في موريتانيا يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة، كارتفاع خطر الانتهاكات الجسيمة والمحتملة للحقوق الأساسية والتزامات الحماية الدولية.
ولفت التقرير إلى أن اتفاقية الوضع المحتملة من شأنها أن تسمح لأعضاء الفريق الذين تنشرهم فرونتكس بتنفيذ المهام مع صلاحيات التنفيذ في إطار عملهم، مضيفا أنه يجب أن تحتوي الخطة التشغيلية المحددة على الضمانات وتدابير التخفيف اللازمة لإنفاذ القانون والمبادئ الدولية وكذلك قانون ومبادئ الاتحاد ولضمان حماية الحقوق الأساسية.
وتضمن التقرير تحفظا من المقرر على الأحكام المتعلقة بالحصانة الواردة في الاتفاق النموذجي باعتبارها مفرطة في العمومية، وتنطوي على خطر قوي يتمثل في تعزيز الإفلات من العقاب، كما اعتبر أن عدم إمكانية محاكمة أعضاء الوحدة الدائمة في دولهم الأعضاء الأصلية يمثل عنصرا إضافيا يعزز الإفلات من العقاب.
ورأى المقرر أن الحصانة لا ينبغي، في جوهرها، أن تمنح إلا بأقصى قدر من الحذر وبطريقة متناسبة، مع الأخذ في الاعتبار تداعياتها الكبيرة على سيادة بلد ما، وإمكانية قيام البلد بتقديم الأفراد إلى العدالة عن الأفعال التي ترتكب على أراضيها.
كما رأى المقرر أن الحصانة غير ضرورية، وغير متناسبة، عندما يتعلق الأمر بتنفيذ المهام المتعلقة بإدارة الحدود، وأن حقيقة أن الاتفاقية النموذجية تنص على أن يحمل الضباط أسلحة الخدمة ويكونوا قادرين على استخدام القوة يسلط الضوء على أهمية ضمان آليات مساءلة قوية.
عيوب وثغرات
وتوقف المقرر مع ما وصفها بعيوب وثغرات تعاني منها الاتفاقية النموذجية المقترحة بين الاتحاد الأوربي وموريتانيا، كالإمكانيات الخارجية المحدودة لتقديم الشكاوى، خاصة وأن مواطني الدول الثالثة ليس لديهم إمكانية تقديم شكاوى إلى أمين المظالم الأوروبي، والاختصاص المحدود لمحكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي في مسائل العمل الخارجي.
ودعا التقرير لأن تقوم الوكالة والمفوضية ربما بمشاركة وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية، وأمين المظالم الأوروبي باستكشاف سبل توسيع هذه الإمكانيات.
كما أوصى المقرر بأن تعالج المفوضية الأوروبية بشكل جدي أوجه القصور المذكورة، قبل الحصول على موافقة البرلمان الأوروبي على اتفاق الوضع، وأن تجري اللجنة تحليلاً مسبقا للتأثير على الحقوق الأساسية، من أجل أخذ استنتاجات هذا التحليل في الاعتبار.
ورأى التقرير أنه ينبغي بعد ذلك إنشاء مراقبة مستقلة من قبل المفوضية الأوروبية في حالة التعاون الفعال بموجب اتفاقية الوضع، بما يتماشى مع توصية البرلمان في تقريره حول "حماية حقوق الإنسان".
وأضاف المقرر أنه بالإضافة إلى الثغرات القانونية الموجودة في الاتفاقية، فإن وضع الحقوق الأساسية في موريتانيا مثير للقلق في حالة نشر وكالة فرونتكس على أراضيها، وفي ظل غياب نظام قانوني للجوء، حيث تحدد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين شروط منح اللجوء، ويتم طرد الأشخاص الذين لا يستطيعون الاستفادة من حق اللجوء دون إجراءات أخرى من قبل السلطات.
وأبلغت بعثة الاتحاد الأوروبي في موريتانيا وزارة الخارجية أن وفدا أوروبيا رفيع المستوى ينوي زيارة موريتانيا مطلع مارس القادم، وستسبقه بعثة فنية لنقاش مشروع خارطة الطريق للشراكة بين الطرفين في مجال الهجرة.
ووفق رسالة أرسلتها البعثة إلى وزارة الخارجية، وحصلت وكالة الأخبار المستقلة على نسخة منها فإن الوفد الأوروبي يرغب في زيارة موريتانيا يوم 07 مارس المقبل، وسيضم مفوضة الشؤون الداخلية في الاتحاد الأوروبي إيلفا جوهانسون، ووزير الداخلية الإسباني، فرناندو غراندي مارلاسكا، ووزيرة الدولة البلجيكية لشؤون اللجوء والهجرة، نيكول دي مور.
فيما حددت الرسالة هدف الزيارة في استكمال العمل الذي بدأ في 11 ديسمبر 2023 ببروكسل بين المصالح المختصة لموريتانيا والمفوضية الأوروبية، لتعزيز الحوار وإقامة شراكة من أجل الهجرة.