بينما يجري على قدم وساق التحضير لتوقيع اتفاق بين حكومة موريتانيا وكل من الاتحاد الأوروبي وإسبانيا حول تسيير ملف المهاجرين غير النظاميين الذين يتدفقون على أراضي موريتانيا متجهين لأوروبا، حذرت أوساط في المعارضة الموريتانية وفي الرأي العام الموريتاني من هذا الاتفاق لكونه، حسب تحليلها، يفتح الباب أمام توطين المهاجرين الأجانب ومنحهم الإقامة على الأراضي الموريتانية بما يحمله ذلك “من تداعيات على الأمن وعلى الاستقرار الاجتماعي للبلد”.
ويأتي هذا الاتفاق الذي سيوقع يوم السابع من آذار/ مارس المقبل حسب الأجندة المقررة، ثمرة لشراكة في مجال الهجرة، أسفرت عنها زيارة أداها مؤخراً لموريتانيا، رئيس حكومة إسبانيا بيدرو سانشيز، رفقة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، على أساس مفاوضات بدأت في كانون الأول/ ديسمبر الماضي في بروكسل بين موريتانيا والاتحاد الأوروبي حول الهجرة.
ودعا حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (محسوب على الإخوان) في بيان نشره، الأحد، “السلطات في موريتانيا، إلى المبادرة بنشر نص هذه الاتفاقية والتزامات الدولة الموريتانية الناشئة عنها للرأي العام الوطني، وكشف الحقيقة الكاملة لهذا الموضوع دون مواربة”.
وأكد “رفضه الشديد لمثل هذه السياسات والتوجهات، وفي هذا التوقيت بالذات الذي تزداد فيه صنوف معاناة المواطنين ومشاكلهم”.
وأضاف أن “بعض وسائل الإعلام الوطنية والدولية تداولت في الأيام الأخيرة أخباراً تفيد بإبرام الحكومة الموريتانية اتفاقية مع الاتحاد الأوربي وإسبانيا في مجال محاربة الهجرة غير النظامية إلى أوروبا، يتم بموجبها إعادة المهاجرين الأفارقة ممن ترفض السلطات الأوروبية دخولهم أراضيها، وإعادتهم إلى الأراضي الموريتانية وإمكانية توطين هؤلاء المهاجرين في موريتانيا مع ما يحمله ذلك التوطين، إن تم، من تداعيات خطيرة على الأمن والاستقرار الاجتماعي للبلد”.
وتابع أن “بلادنا، وهي تلتزم بالمساهمة الواعية في الاستقرار في المنطقة، وبتحقيق الشروط الدولية اللازمة للهجرة النظامية من الجنوب إلى الشمال، ليست معنية بأن تكون وكيلاً عن أي بلد أو كيان سياسي في التخلص من أعبائه والتزاماته القانونية والأخلاقية؛ أحرى أن يتم حل إشكال إقليمي بتوريطها في معضلة ديموغرافية واجتماعية وأمنية، لا تخفى على أحد تبعاتها الخطيرة على استقرار البلد وسكينة مواطنيه”. وعبرت حركة “كفانا” الموريتانية الشبابية المعارضة عن “رفضها التام لما وصفته بـ “المشروع الأوروبي لتوطين مئات آلاف المهاجرين في موريتانيا”، داعية “النظام والنخب الموريتانية إلى مراجعة تجارب دول أخرى مع تدفق آلاف المهاجرين إليها وما نتج عنه من أعمال عنف، كما حصل في جنوب إفريقيا حينما شهدت نزوح آلاف المهاجرين إليها من دول الجوار”.
وأكدت، في بيان صادر عنها، الأحد، أنها “تابعت باهتمام شديد وقلق متزايد ما تم تداوله خلال الأيام الماضية، من معلومات مثيرة حول الاتفاق الثلاثي الموقع في نواكشوط بين موريتانيا وإسبانيا والاتحاد الأوروبي، المتضمن إعادة المهاجرين الأفارقة من أوروبا إلى الأراضي الموريتانية بدلاً من دولهم الأصلية”.
وشددت الحركة التأكيد “على استعدادها للتضحية في مواجهة المؤامرة”، التي أكدت “أن موريتانيا تتعرض لها حالياً، من أجل تغيير تركيبتها الديموغرافية وجعلها وطناً بديلاً للمهاجرين غير النظاميين من القارة الإفريقية”.
ودعت الحركة إلى “معالجة ملف الهجرة غير النظامية عبر مقاربة متعددة الأبعاد لا تقتصر على الحلول المالية والأمنية فقط، بل يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الواقع التنموي والمتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية”.
ولفتت “كفانا” إلى “أن تحويل موريتانيا إلى شرطة لحراسة حدود أوروبا مقابل مبلغ 200 مليون يورو بعد رفض دول الجوار لذلك، يعد خيانة عظمى، في الوقت الذي تتكلف أوروبا ذات الاقتصادات النامية والإمكانيات الكبيرة حوالي 50 ألف يورو للقاصر الواحد سنوياً، حسب تقارير الدول الأوروبية نفسها”.
ويذكر أن الطرفين الموريتاني والأوروبي مستمران، رغم هذه الانتقادات، في التوجه الجاد نحو توقيع الاتفاق الخاص بالهجرة، حيث ستزور موريتانيا يوم السابع من آذار المقبل المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية، يلفا جوهانسون، لاستكمال إجراءات التوقيع على الاتفاق.
وأكدت معلومات مسربة أن الاتفاق ينص على السماح بنشر عناصر من الوكالة الأوروبية للحدود وخفر السواحل (فرونتكس) على الأراضي الموريتانية لمكافحة الهجرة غير النظامية.
وستكون هذه أول مهمة تنفيذية لوكالة “فرونتكس” على أرض بلد ثالث ليست له حدود مع أحد أعضاء الاتحاد الأوروبي، ولا يقع جغرافياً في أوروبا.
ويسعى الأوروبيون من خلال الاتفاق لمنح عناصر هذه الوكالة الحصانة المطلقة من المساءلة القانونية، وألا يقوموا بأي عمل لا يتفق والقوانين والتشريعات المعمول بها في الاتحاد الأوروبي، وأن يحولوا، أيضاً، دون أن تطال أعمال الفساد الوسائل والموارد المخصصة للتعاون في المجالات المحددة في الاتفاق.
عبد الله مولود
نواكشوط – «القدس العربي»