عاد ملف الإعلان المشترك الموقع بين موريتانيا والاتحاد الأوروبي، يوم السابع مارس/آذار الحالي، حول الهجرة إلى الواجهة، بعد أن هدأت العاصفة التي أثارها داخل الرأي العام الموريتاني، وذلك بسبب تأويلات لأوساط سياسية معارضة ولساسة وخبراء، مشككة في حقيقة ما اتفق عليه الطرفان الموريتاني والأوروبي.
وتساءلت هذه الأوساط المهتمة بهذا الملف المثير عما إذا كان الجانب الموريتاني قد حذف الفقرة المثيرة للجدل التي تنص على إعادة وتوطين المهاجرين غير الشرعيين من أوروبا إلى موريتانيا، والتي تضمنتها النسخة الأولية، وأثارت جدلاً كبيراً، بينما أبقاها في النص الرسمي السري الذي سيجري تسيير قضايا اللاجئين على أساسه.
سياسي موريتاني: الذي يريده الأوروبيون هو خداعنا بدسّ المال في السمّ المتمثل في قبولنا إيواء الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين الأفارقة المجهولة بلدانهم الأصلية
كل هذا أثار جدلاً بين أنصار الرئيس الغزواني المدافعين عن الإعلان الموريتاني الأوروبي ومعارضي نظامه الذين وجدوا في الإعلان مادة دسمة لتوجيه ضربات موجعة للحكومة، في ظرف حساس تستعد فيه موريتانيا لخوض انتخابات رئاسية.
وكان حزب “التجمع الوطني للإصلاح والتنمية” (الإسلاميون)، أكبر أحزاب المعارضة وأقواها في البرلمان، في مقدمة المشككين في الإعلان، حيث طالب الحزب، في بيان، الثلاثاء، «حكومة الرئيس الغزواني بمصارحة الشعب الموريتاني بشأن حقيقة مسار الشراكة مع الاتحاد الأوروبي والالتزامات القانونية الناشئة عنها».
وأضاف حزب “التجمع” أن «الحكومة الموريتانية أقدمت، في السابع من مارس الحالي، على توقيع ما أسمته إعلاناً مشتركاً مع الاتحاد الأوروبي في مجال الهجرة، وُصِف في نصه المنشور بأنه «إطار للتعاون طويل الأمد، سيتطور مع مرور الوقت»، كما ورد في نص الإعلان المنشور أن من مقتضياته «استحداث خطط عمل مناسبة يتم تحيينها باستمرار»، وهو ما يعني أنه يؤسس لمسار متواصل وقابل للتطور إلى آفاق أبعد».
وأوضح الحزب أن «الإعلان تضمنَ نقاطاً أخرى جاءت لتزيد بذلك من حالة الشك والريبة في رواية الحكومة، ولتغذي المخاوف الشعبية المتزايدة بشأن تبعات هذا الإعلان وما يترتب عليه من خطط وإجراءات تهدد استقرار البلد وأمنه الوطني وسلمه الاجتماعي، وهو ما كان الحزب قد حذر منه في البيان الذي أصدره قبل أسابيع بهذا الخصوص».
يضيف البيان: «إننا في حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية، إذ نعرب عن رفضنا لالتزامات الحكومة الموريتانية في موضوع الهجرة واللاجئين بموجب هذا الإعلان وما قد يلحقه من إجراءات وتبعات، لنؤكد رفضنا لأي التزام من شأنه المساس بسيادة البلد وأمنه وسلمه الاجتماعي تحت أي مسمى كان؛ كما ندعو كافة القوى الحية السياسية والمدنية الغيورة على مستقبل البلد وأمنه ورفاه أبنائه للوقوف صفاً واحداً في وجه كل ما من شأنه ارتهان مستقبل البلد والتلاعب بمصالحه ومقدراته».
ويقول الخبير القانوني سيدي المختار ولد سيدي في قراءته للإعلان: «إن الجديد الذي قد يضيفه الاتفاق يتعلق بإرسال عناصر من الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل «فرونتيكس» إلى موريتانيا للمساعدة في مراقبة السواحل وتكوين خفر السواحل الموريتانية، وهي نقطة كان النقاش حولها جارياً؛ أما الإعلان فالعمل بمقتضاه متواصل منذ أكثر من عشرين سنة، مثل تعزيز قدرات خفر السواحل الموريتانية، وإنقاذ المهاجرين في أعالي البحار، وتقديم المساعدة لهم”.
وقال: “لقد أظهر اللغط الذي صاحب هذا الإعلان طيلة الأسابيع الماضية، خللاً كبيراً وعجزاً واضحاً في المنظومة الاتصالية للحكومة التي لم تنجح في مواجهة تفشي القناعة لدى الرأي العام بأن أمراً ما يجري الإعداد له، ومن بين الأسباب اعتماد سياسة الاتصال البَعدي وانتهاج الغموض، وهما عاملان يغذيان حالة الشك السائدة لدى الموريتانيين”.
ومن بين كثيرين دافعوا عن الإعلان، كتب حمود ولد عبدي، سفير موريتانيا في غامبيا، مدافعاً عنه: “أما الكذب والفبركات وتأليف أقاصيص الشائعات واختلاق أغرب أنواع الإفك والتضليل، فقد نسفها بيان السابع من مارس نسفاً، وفضح مروّجيها المرجفين على رؤوس الأشهاد”.
وأضاف: “علينا جميعاً، مدوّنين وناشرين وصنّاع رأي، أن نقف بالمرصاد، بأقلامنا السيّالة للمتنطّعين والمخادعين، في محاولاتهم الأخيرة اليائسة لاستغفال من لا يستطيعون من مواطنينا غير المسلحين، ثقافياً وسياسياً، قراءة البيان المسكت وما تضمنه من تكذيب، لقصص «التوطين» و”الإبعاد، إلى موريتانيا”.
وفي قراءة للإعلان، كتب السياسي البارز أحمد سالم: “لا يساورني أدنى تفكير في أن قيادة الدولة لديها نية توطين هؤلاء الأجانب عندنا، حيث يمنعها من ذلك ضميرها الديني وروح الوطنية لديها والحس الأخلاقي والخوف من أن يؤدي هذا الإجراء إلى فوضى عارمة في الشارع يستحيل معها توفير الأمن لهؤلاء الوافدين الذين لن يقبل الشعب الموريتاني التعايش معهم”.
حزب التجمع: الإعلان تضمنَ نقاطاً جاءت لتزيد من حالة الشك والريبة في رواية الحكومة، ولتغذي المخاوف الشعبية المتزايدة بشأن تبعات تهدد استقرار البلد
يضيف أحمد سالم: “لكن الحاجة للمال التي تعرفها الدول المماثلة لدولتنا، تجعل لعاب حكوماتها يسيل كلما قدم لها عرض مغرٍ في مجال التمويل، وهو ما فعله الاتحاد الأوروبي في هذه العملية، حيث عرض مبلغاً في حدود مليار يورو في شكل هبة لتمويل مشاريع مهمة جداً”.
وقال: “سنكون على درجة كبيرة من السذاجة إذا ظننا دقيقة واحدة أن أوروبا تقدم لنا بشكل مجاني هذا المبلغ من المال حباً لأعيننا أو حرصاً على مصالحنا، وهو ما لم تفعله في الماضي، ولن تفعله في الحاضر ولا المستقبل، فالذي يريده الأوروبيون هو خداعنا بدسّ المال في السمّ المتمثل في قبولنا إيواء الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين الأفارقة المجهولة بلدانهم الأصلية، بعد أن مزّقوا هوياتهم الثبوتية، واضطرت أوروبا لحجزهم في الكثير من مراكز الإيواء في العديد من بلدانها، وهي اليوم أصبحت تبحث عن مكبّ لهم، وظنت أن موريتانيا ربما تكون الحلقة الضعيفة بين بلدان العبور، ومن الممكن أن تكون هي المتنفس الذي تبحث عنه القارة العجوز”.
وقال: “بعد ردة الفعل الشعبية الساخطة التي قابل بها الشارع الموريتاني نبأ القصد الإجرامي الأوروبي، أصبح لزاماً على الطرفين الحذر في الخطوات الموالية، وهما في الغالب سيواصلان التفاوض، وسيسعى كل طرف إلى الحصول على ما يريده كاملاً، أي ستسعى الحكومة إلى الحصول على هذا الغلاف المالي الكبير، وسيسعى الاتحاد الأوروبي إلى إقامة مراكز إيواء للمهاجرين السريين على الأراضي الموريتانية، وفي مرحلة ما سيتضح للطرفين أن الأهداف الأصلية لكليهما لا يمكن بلوغها كاملة، عندها سيقلّص كل واحد منهما سقف طموحاته، فتحصل موريتانيا على تمويلات مخفضة من الحجم الذي تحصل عليه عادة من الاتحاد الأوروبي، ويحصل الاتحاد الأوروبي على مستوى تعاون في مواجهة الهجرة لا يختلف كثيراً عن المستوى الحالي المقتصر على مراقبة أشدّ لعبور المهاجرين عبر موريتانيا وتقديم الإغاثة لهم في حالة تعرّضهم لحوادث غرق قبالة السواحل الموريتانية”.
عبد الله مولود
نواكشوط- «القدس العربي»: