ولد الغزواني يعلن ترشحه رسميا ويقول: للعهد عندي معناه وترشحت لمواجهة التحديات القائمة
يبدو أن المسافات بدأت تتسع عندما تجذرت وتوسعت صلاحيات المعاونين الرئيسين وأصحاب الثقة الذين أصبحوا هم المسيطرين على كل شيء.. إن أي أمر لغزواني سيمر بهم أو يتعقبونه في إطار الصراع الداخلي، وهكذا تبقى أغلب تعليمات وأوامر غزواني غير منفذة، وفي النهاية يكون الاصطفاف حتميا على أصحاب المصالح.
علينا أن نفهم أن وزير الداخلية يجر النظام الهادئ لخط صدامي مفتوح، ويختار له الأعداء والأصدقاء، ثم إنه لا يقر بأي ولاء للرئيس لا يمر عبر طريقه، وهكذا أصبح الرئيس لا يملك أجندة استقطابية كبيرة لبرنامجه وله شخصيا، وظل عند مستوى النية الحسنة والأعمال التي تكون من حيث الشكل مفيدة ومن حيث العمق خاوية. كما أن الأمور الخاصة به كمرشح، والمعنونة ب”تعهداتي”، لم تحافظ على بريقها إلى حد الآن ولم تتمكن تآزر، وهي ذراع برنامج الرئيس الأيمن والغلاف المالي الاجتماعي، من تسليم مشاريعها رغم أنها ابتلعت نحو 200 مليار أوقية.. كان من المتوقع أن يعلن في حملته المقبلة مشاريع عملاقة تم تنفيذها بهذا الغلاف. نحن في مواجهة خمس سنوات من أصعب ما سيعرفه البلد من الانفلات في جوهر الدولة بسبب الطموح الذي أصبح مشروعا عند كل أحد من أفراد النظام في أن يترأس البلد في المستقبل. إن هيبة الرئيس بالنسبة لهذا الطموح ستكون معدومةً لأن القبضة والرؤية ليستا منسجمتين ولا متساوقتين في اتجاه تثبيت هدف ما . علينا أن نتوقع احتدام الصراع بين القطبين المدنيين: الديوان والداخلية بشكل أوسع، وهنا تبرز طموحات الداخلية الكبيرة في تأسيس امبراطورية مالية وإعلامية، وطموحات الديوان في السيطرة على الحزب والوظائف خاصة الطبقة الوسطى من “الشّيع”: يا للهول!!. وهنا يطرح التساؤل: هل العمل لأجل غزواني أم للطموح الشخصي المستقبلي؟ بينما يغلي طموح ويستعر في قلوب بعض الجنرالات ما هذا: qu’est ce que ça ! لماذا ليس نحن؟ وفي الجانب الخلفي، هناك طرف رابع قوي لكنه ليس وظيفيا، مهمته أو هدفه تمديد الاتفاقيات الكبيرة المدرة والحفاظ على الأصدقاء المفسدين أو المفسدات في الوظائف المهمة. إنها خمس سنوات ستكون زائغة عن طريق الاصلاح إذا ظلت الأمور رخوة في يد أصحاب الثقة إلى هذا الحد. إذا استمر الحال على هذا المنوال، سيحقق غزواني نجاحا منزوع الشرعية، والسبب ضعف وصول الخطاب لقلوب الناس بتأثير التعارض الكبير بين ما يفكر به وبين ما يقوم به فريقه من إعدام تلك الأفكار. سوف لن تظهر سوى الشعارات الجوفاء التي عادة ما تكون سيئة الإخراج، وسنرى أن كل ما يقام له لا يعدو مظاهر موغلة في الابتذال، يعبر عنها في القاموس السياسي الشعبى ب”النفاق السياسي”. وهكذا ستبدأ مأموريته بعدم الثقة في التعهدات وفي كل القرارات، وسيقع الانفصام بين السلطة والشعب. وهنا تبرز المعضلة. لكن، قبل ذلك، هل سيتمكن غزواني من توصيل المرحلتين ؟
كان الدرس السينغالي عميقا وبقواسم مشتركة عميقة تظل موريتانيا مفتوحة عليها. لقد انهار النظام الذي أسسه ولد الطايع وفق تصور واضح وأخذت الأنظمة بعد ذلك تتقفى أثره من دون نفس الأدوات ولا نفس الانسجام واللحمة داخل النظام، ثم إن غزواني فكك القوة أو الارستقراطية العسكرية التي كانت الملاذ الأخير لهذا النظام، وكان سيكون بارعا لو خلق بديلا قويا يحافظ على قوة النظام. ثم إن الفاعلين الاجتماعيين والقبليين تقلص دورهم لسببين: خروج الشباب من تحت الرقابة والوصاية الاجتماعية ، وانعدام سيطرة الأطر القبلية على المصالح، وأكثر من ذلك عدم وجود إطار منسق يتبادلون فيه الأدوار. اليوم، باستثناء ذينك القطبين، لا يوجد شخص في النظام إلا وهو متذمر. إن هذه الحالة تعجل التحول عن النظام لأتفه الأسباب خاصة عندما يوجد من يلوح بالتغيير الراديكالي ويملك ذرة من ثقة .
الأوضاع كلها محل استنقاص، والرأي السائد هو المتطرف في تقييم الأمور باتجاه الصفر، ولا توجد لدى النظام قوة أو ذراع إعلامي لإثبات ما له على الأقل. وقد انتقل المعارضون، بعد كسب الدعاية المضادة، إلى محاولة نسف النية الحسنة التي تحسب للرئيس من دون منازع .
المعضلة الكبيرة أمام عملية التحول هي انعدام شخصية كاريزمية وخطاب ملهم يمنح الأمل، وقد يبرز في أي لحظة، فقد استطاع ولد عبد العزيز دحر الطبقة السياسية التي كانت كلها تقريبا ضده بخطاب “رئيس الفقراء” والتعهد بحبس رجال الأعمال والمفسدين. لقد كان في الواقع مضحكا أن الرجل الذي أفلس شركات الدولة كان يتحدث عن المفسدين في تلك الحملة، وأنه سيقضي عليهم، ومع ذلك لم ينتبه الرأي العام لذلك ،لأن قوة الخطاب كانت أكبر من الأشخاص. وهكذا كانت هذه هي نقطة الانطلاقة التي ينتظرها الشعب بعد سنوات من تراكم التذمر .
المعارضة اليوم مقطوعة الرأس، فلا توجد شخصية توحيدية كبيرة لحد الآن، مع أن أشياء تتجمع في الساحة إذا ارتفعت وتيرتها ستكون مهددة .
الشعب الموريتاني بكل تأكيد سئم من نمط معين من إدارة شؤونه، وهو بالتالي يلتقي مع الشعب السينغالي في نفس مشاعر التغيير ، فقد أظهرت الانتخابات السينغالية سقوطا مدويا للوزير الأول الأسبق وعمدة داكار في مناطقهما أولا، وفي البلد بصفة عامة، لأن الشعب ببساطة يريد الخروج من تلك الدائرة الواسعة للنظام القديم وبأي ثمن. وهنا دعونا نتذكر أن محفظة الانجازات ظلت عالية جدا، لكن كان شعور وطموح الشعب هو التغيير. عندما يمنى الشعب بالاحباط فلن يكون الحل سوى حمل المكنسة. في السينغال وتونس وسوريا هناك طبقة واعية ومثقفة، لكن في موريتانيا وليبيا واليمن الوضع يختلف، وعندما يكون الوضع محتدما بالرهانات الكبرى يكون مروعا في غياب شخصية قوية تمسك زمام الأمور بيقظة وصرامة ومتابعة. إن المسؤولية لا تتجزأ .