بدأ المشهد السياسي الموريتاني يتحرك وإن بإيقاع أقل من المعهود، استعداداً للانتخابات الرئاسية المقررة أواخر حزيران/يونيو المقبل.
وأعلنت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، التي تشكك المعارضة في نزاهتها رغم أنها مشكلة بالتشاور معها، عن “إطلاق عملية مراجعة استثنائية شاملة وشديدة الحساسية للقائمة الانتخابية، مستمرة إلى غاية 29 مايو/أيار المقبل”.
وأكدت “أن الهدف من المراجعة هو إضافة أسماء الناخبين الذين لم يتم تسجيلهم من قبل، وكذا إضافة الذين بلغوا سن التصويت (18 سنة)، وهو كذلك تمكين المسجلين سابقاً من تغيير مكاتبهم، عند اللزوم، عبر التسجيل عن بعد.
وتزامنت هذه المراجعة مع ازدياد المرشحين للاستحقاقات المنتظرة، حيث أعلن الناشط السياسي الموريتاني أحمد ولد هارون ولد الشيخ سيديا، الثلاثاء، عن ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة لينضم إلى مجموعة شبان سبق لهم أن أعلنوا عن ترشحاتهم، وهم: النائب والمحامي العيد ولد محمدن، والإعلامي محمد ولد الشيخ، والمرشح السابق للرئاسيات محمد الأمين المرتجى الوافي.
وأكد أحمد ولد هارون وهو حسب المراقبين، من أبرز من ترشحوا حتى الساعة، في خطاب ترشحه “أنه يبحث لمشروعه عن شراكة استراتيجية هدفها الوحيد إحداث تغيير جذري في منظومة الحكم”، مضيفاً قوله: “آن الأوان، لقد حان وقت التغير”.
وقال ولد هارون، الذي يرأس تيار “نداء الثامن سبتمبر” المعارض “إن المشاركة في إنقاذ موريتانيا والرفع من مستوى السياسة فيها ليس هوى موسمياً أو ترفاً كمالياً، إنما هو فرض عين، يعد التقاعس عنه خيانة وتهتراً أو بلاهة في أحسن الأحوال”.
وأكد “أن النظام القائم لم يوفق في تقدير الوضع وتقديم الحلول، ولم يعد يشكل في كل الأحوال مستقبلاً لا لنفسه ولا لمنظومته ولا للبلد، يعلم ذلك أنصاره وأعوانه ويرددون ذلك في مجالسهم، ويعلمه قبل ذلك الساسة المحترفون وأصحاب المصالح الكبرى”.
وزاد: “قد يطمئن البسطاء وأصحاب العقول المحدودة ويرتاحون لأنهم لا يتصورون أصلاً أن الدول تنهار، بينما يتمدد الفزع يوماً بعد يوم في قلوب الموريتانيين وأذهانهم، وكيف لا وهو يرى الدولة الفاشلة تتبختر على حدودنا ومعاول الفتنة تزهو بين ظهرانينا”.
لكن هذه الترشحات ليست أهم ما تنتظره الساحة الموريتانية، فالأهم في هذه الساحة اليوم هو خروج الرئيس الغزواني عن صمته المستغرب، وإعلانه عن الترشح لولاية ثانية يسمح له بها الدستور، ويطالب به أنصاره من نشطاء حزبه حزب “الإنصاف”، ومن شيوخ القبائل وكبار رجال الأعمال.
ويعتبر أحمد ولد هارون أحد أبرز قادة تيار سياسي أطلق على نفسه مسمى “الأغلبية الصامتة”، وهو تيار جديد، كان قد نشر مؤخراً وثيقة شخّص فيها واقع موريتانيا وآفاق المستقبل، وتناول بشيء من التفاصيل ما تمر به موريتانيا من هيمنة مجموعة قليلة العدد على مقدرات البلد وإمكاناته والاستئثار بها، وما تمر به موريتانيا من كبت للحريات ومخاطر تهدد الوحدة الوطنية”، وما وصفه التيار بـ “عجز النظام الحاكم وحكوماته المتعاقبة عن استيعاب احتياجات البلد وأولوياته”. وضمن الكتابات التي ترافق هذا الحراك، وبخاصة ما يتعلق ترشح الغزواني لولاية ثانية، أكد الإعلامي البارز عبد الله سيديا أحمد، في مقال خاص “أنه في غمرة سعي الجنرال غزواتي، حسب تعبيره، للظفر بولاية ثانية يروج بعض أتباعه من لاعقي أحذية العسكر، والتعبير للكاتب، أن هناك مشكلة في النخبة المدنية الموريتانية وأن هذا الشعب المسكين المغلوب على أمره لا يوجد فيه من هو أهل للقيادة غير جنرالات الورق هؤلاء”.
وقال: “الحقيقة أن هذه الدعاية قديمة قدم حكم العسكر، وهي أكثر وقاحة من كل دعايات الأنظمة الاستبدادية التي نعرفها. أولاً أقول إن سفينة قادها جنرالات لصوص، حسب قوله، لم يخوضوا حروباً في حياتهم يمكن لكل من هب ودب قيادتها؛ وثانياً ما يميز هؤلاء الجنرالات عن العقداء والمقدمين الذين سبقوهم إلى الانقلابات العسكرية أن أولئك كانوا شجعاناً بالمعنى العسكري وشاركوا في حروب ولديهم القليل من أنفة الجندي وبسالته وتعففه عن السرقة؛ أما خلف الجنرالات الذين أتو بعدهم فالقاسم المشترك بينهم جميعاً هو الفساد والاستبداد وعدم التعفف عن المال العام والبعد كل البعد عن الشجاعة والأنفة”.
وأضاف: “الخلاصة أن أزمة السلطة عندنا هي أزمة فساد نخبة عسكرية، أفسدت من دار في فلكها من نخب مدنية؛ وهي تحاول أن ترمي وطناً بأكمله وشعباً برمته بالعقم السياسي حتى لا ينهض منه من يطالب بحقوقه المسلوبة: فهل عجزت النساء الموريتانيات أن تنجبن من هو أفضل وأقوم من هؤلاء؟”.
وكتب السياسي الشيخ ولد جدو معلقاً على ترشح الغزواني قائلاً: “هناك خياران أَمام الغزواني: التَّرشُّح لمأمُوريَّة ثَانِية والمُغَامَرة بِمَصيرهِ، أو عدم التَّرَشُّح حَالًا والخُرُوجِ من الحُكْمِ مُعْتَرِفًا بِفَشَلِهِ والإفْلَاتَ من العُقُوبة”.
عبد الله مولود
نواكشوطـ «القدس العربي»