تصاعدت خلال الأيام الأخيرة حدة أزمة دبلوماسية بين موريتانيا ومالي، دفعت نواكشوط لاستدعاء السفير المالي للاحتجاج، وإرسال رسالة احتجاج للرئيس الانتقالي في مالي سلمها وزير الدفاع في الحكومة الموريتانية حننه ولد سيدي.
وعلى مدى الأيام الماضية، عبّر الموريتانيون في مواقع التواصل الاجتماعي عن غضبهم من استمرار استهدف أفراد الجالية الموريتانية في مالي، والهجمات التي يتعرض مواطنون موريتانيون على الحدود.
أسباب الأزمة
واندلعت الأزمة الحالية بين نواكشوط وباماكو، بعد دخول قوات مالية مصحوبة بقوات من مجموعة "فاغنر" الروسية للأرض الموريتانية خلال عملية مطاردة الأسبوع الماضي، ما أثار استياء واسعا في موريتانيا.
وتمر الحدود بين البلدين بظروف أمنية معقدة، إذ يخوض الجيش المالي مدعوما بوحدات من مجموعة فاغنر الروسية حربا شرسة مع جماعات مسلحة بالقرب من الحدود الموريتانية.
والأسبوع الماضي، قالت وسائل إعلام موريتانية إن الجيش المالي مصحوبا بقوات من مجموعة "فاغنر" الروسية نفذ عملية اقتحام لقرية "فصالة" أقصى شرق موريتانيا، في أثناء ملاحقة عناصر من مقاتلي حركة "أزواد" المطالبة بالانفصال.
ووفق وسائل إعلام موريتانية، فإن عملية الاقتحام أسفرت عن إصابة شخصين إثر عملية إطلاق نار.
لكن الجانب الموريتاني يرى أن هذه ليست الحادثة الوحيدة، حيث يتعرض الموريتانيون بشكل متكرر لعمليات اعتداء على الحدود مع مالي.
وعام 2022، تحدثت وسائل إعلام موريتانية عن اختفاء 15 موريتانيا قُتلوا جراء استهدافهم داخل مالي، وحينها أعلنت باماكو فتح تحقيق في الحادثة، وتعهدت بمحاسبة من تثبت إدانتهم.
مساعي احتواء التوتر
وقد بدأت السلطات المالية محاولات لاحتواء الأزمة التي تفجرت بعد دخول قواتها الأسبوع الماضي للأراضي الموريتانية.
وأجرى رئيس المجلس العسكري الحاكم في مالي، آسيمي كويتا، اتصالا هاتفيا بالرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني قبل أيام.
ثم أوفدت الحكومة المالية وزير الخارجية عبد الله ديوب والدفاع صوديو كامارا، إلى نواكشوط، حيث سلما الرئيس الموريتاني رسالة خطية من رئيس المجلس العسكري الحاكم بباماكو.
استدعاء سفير باماكو
لكن جهود العسكر بالسلطة في مالي لم تتمكن فيما يبدو من احتواء التوتر في علاقات البلدين الجارين، حيث استدعت وزارة الخارجية الموريتانية أمس السبت السفير المالي في نواكشوط محمد ديباسي.
وقالت الخارجية الموريتانية في بيان وصلت نسخة منه لـ"عربي21"، إنها أبلغت السفير المالي احتجاج موريتانيا على "ما يتعرض له مواطنون موريتانيون أبرياء عزل من اعتداءات متكررة داخل الأراضي المالية".
وقالت الوزارة إنها أبلغت الدبلوماسي المالي أن الحكومة الموريتانية تنتظر من نظيرتها المالية "تفسيرا لهذه الأحداث المؤلمة".
وأشارت إلى أن "هذا الوضع غير المقبول يستمر على الرغم من التنبيهات التي دأبت بلادنا على القيام بها بمناسبة الحوادث المماثلة، انطلاقا من مبدأ المحافظة على حسن الجوار، والعلاقات الوثيقة بين الشعبين الموريتاني والمالي، والمصالح المشتركة بين البلدين".
في السياق، سلم وزير الدفاع الموريتاني حننه ولد سيدي، مساء السبت أيضا، رسالة من الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى رئيس السلطة الانتقالية في مالي أسيمي غويتا، تتضمن احتجاج الحكومة على "الاعتداء على الموريتانيين في مالي".
تداعيات متوقعة
ويتوقع متابعون أن تؤثر الأزمة الحالية بشكل كبير على حركة العبور بين البلدين، ما سينعكس سلبا على الآلاف من مواطني البلدين.
ويرى المحلل السياسي أحمد ولد محمد فال، أن مالي تعتمد بشكل كبير على نواكشوط في تجارتها الخارجية؛ نظرا لأن مالي ليس لها أي منفذ بحري، وتعتمد في الأساس على الموانئ الموريتانية في تجارتها.
وأضاف في تصريح لـ"عربي21": "إذ استمر التوتر وفشلت كل جهود احتواء الأزمة، فإن مالي ستتضرر بشكل كبير".
ولفت إلى أنه في المقابل توجد جالية موريتانية تقدر بأكثر من 150 ألف شخص في مالي يعملون في مجال التجارة، مضيفا أن أنشطة هؤلاء المواطنين ستلحق الضرر أيضا.
فيما رجح المحلل السياسي إمام الدين ولد أحمد، أن يتمكن البلدان خلال أيام من وضع حد للتوتر الحالي.
وأضاف في تصريح لـ"عربي21": "المصالح المشتركة للبلدين والوضع الإقليمي المضطرب يفرض عليهما عدم الانجرار لأي تصعيد".
وأشار إلى أن نواكشوط أرسلت رسالة واضحة بخصوص الاعتداءات التي يتعرض لها مواطنوها في مالي، متوقعا أن تتجاوب السلطات المالية؛ "لأن التصعيد لا يبدو في مصلحة البلدين".