عندما يتطاول إسرائيل كاتس وزير الخارجيّة الإسرائيلي بشَكلٍ وقح، وغير مسبوق، على الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان وينشر صُورةً “كاريكاتوريّةً” له وهو مُتَمَدِّدٌ على سَريرٍ ويقول مُعلّقًا (أي كاتس) “إن الرئيس التركي يَحلُمُ بأن يحتل القدس وعليه أن يستمر في مُشاهدة المُسلسلات التركيّة”، فإنّ الرّد العمليّ والمُوجِع يجب أنْ يكونَ فوريًّا.
صحيح أنّ وزارة الخارجيّة التركيّة بادرت بالرّد على هذا التّطاول، ولكنّه كان ردًّا دِبلوماسيًّا، وفي قمّة التّهذيب، وتمثّل في بيانٍ يقول “إنّ هذا الفِعل من قِبَل وزير الخارجيّة الإسرائيلي ينم عن الحالة النّفسيّة التي وصلت إليها حُكومته ويعكس حجم التدنّي في مُستواها”.
التّهذيب والدبلوماسيّة لغةٌ لا تَصلُحُ مع هذا الكيان العُنصريّ النّازيّ، ولهذا لا تُوقف هذا التّطاول وتُعطي نتائج عكسيّة، خاصَّةً في وقتٍ يُقدم فيه الكيان على حربِ إبادة، وتطهيرٍ عِرقيّ، ودمارٍ شامِل في قطاع غزة، ومن قِبَل أردوغان، حفيد الإمبراطوريّة الإسلاميّة العُثمانيّة.
***
كُنّا نتوقّع من الرئيس أردوغان أنْ يعقد مُؤتمرًا صِحافيًّا فوريًّا يَرُدّ فيه على هذه الإهانة بإعلان قطع العلاقات الدبلوماسيّة فورًا مع هذه الدّولة المارقة، وإلغاء جميع المُعاملات والاتّفاقات التّجاريّة معها، ولكنّه لم يفعل، نقولها وفي الحَلقِ مرارة.
صحيح أنّ الرئيس التركي شنّ حملةً شرسةً ضدّ بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، وأدان مجازره في قطاع غزة، وقال إنّه تجاوز هتلر، الزعيم النّازي في هذا المِضمار بقتل أكثر من 34 ألفًا من أبناء القطاع مُعظمهم من الأطفال والنّساء، ولكن هذه الحملة الكلاميّة لا تكفي، ولا ترتقي إلى مَكانةِ تركيا وزعامتها في العالم الإسلاميّ التي استمرّت ما يَقرُب من خمسةِ قرون.
نشرح أكثر ونقول إنّ دُوَلًا غير مُسلمة مِثل المكسيك وبوليفيا وكولومبيا بادرت فورًا بقطع العلاقات وطرد السُّفراء الإسرائيليين من عواصِمها، وذهبت جنوب إفريقيا إلى ما هُو أبعد من ذلك عندما مَرْمَغَتْ حُكومتها أنف الدّولة العبريّة في الوحل بمُحاكمتها أمام محكمة العدل الدوليّة بارتِكاب حرب إبادة، وجرائم ضدّ الإنسانيّة في القِطاع، ووضع نتنياهو ووزرائه وجِنرالاته على قائمة مُجرِمي الحرب ومُطاردتهم عالميًّا.
كُنّا نتمنّى لو أنّ تركيا هي التي قامت بهذه الخطوة، ولكنّها لم تفعل، ولم تجرؤ حتّى على التّرافع أمام المحكمة ضدّ هذه الدّولة المارقة، واستمرّت في إقامةِ جسرٍ برّيٍّ وبحَريٍّ لنقلِ خضرواتها ووقودها، وأكثر من مئة صِنف من بضائعها إلى دولة الاحتِلال.
الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعّمه دفَعَا ثمنًا غاليًا بسبب هذه السّياسات التي تُحابي دولة الاحتِلال، وتُواصل العلاقات التجاريّة معها في حرب الإبادة في القطاع، وانكمشت شعبيّتهما في أوساط الشّعب التركي، عندما قال قطاعٌ عريض من هذا الشّعب كلمته، ورفع البِطاقة الحمراء، وألحق هزيمة مُزلزلة بهما في انتخابات البلديّة الأخيرة، لم يستطع الرئيس أردوغان إنكارها.
شيءٌ جميل أن “يتعهّد” الرئيس أردوغان بقطع العلاقات التجاريّة مع دولة الاحتِلال، ودعم القضيّة الفِلسطينيّة أثناء كلمته التي ألقاها قبل يومين أثناء حُضوره مُؤتمرًا لرابطة البرلمانيين من “أجل القدس” في إسطنبول، وما هو أجمل أنْ يُعيد فتح مكاتب حركة “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في أنقرة، ويستقبل وفدًا لحركة حماس في القصر الجمهوري في أنقرة، (لماذا جرى إغلاق المكاتب من الأساس؟)، ولكن وبعد أنْ شاهدنا المجازر الإسرائيليّة في القطاع المُستَمرّة مُنذ 205 أيّام، في ظِلّ صمتٍ عربيٍّ وإسلاميٍّ رسميٍّ مُخجل ومُقزّز، تظلّ الوعود والتّهديدات بلا أيّ قيمة، وتُدين أصحابها، ويَصِحُّ عليها القول “أشبعناهم شتْما وفازوا بالإبل”.
***
عندما ينتفض طُلّاب الجامعات الأمريكيّة وأساتذتها ويُفَجِّرون ثورةً عارمة احتِجاجًا على دعم بلادهم للمجازر في قطاع غزة، ويُطالبون بقطع كُل التّعاملات التجاريّة مع دولة الاحتِلال العُنصريّة، ووقف القادة العرب والمسلمين الوعود والتّهديدات، ولا يُغلقون سفارة، أو يطردون سفيرا، ويستمرّون في إرسال البضائع والأسلحة لهذه الدّولة، فإنّها قمّة العار، وهذا لا ينطبق على الرئيس أردوغان فقط وإنّما على جميع الزّعماء العرب والمُسلمين، والمُطبّعين منهم خاصَّةً.
نُناشد الرئيس أردوغان الرّد عمليًّا، ليس على مجازر حرب الإبادة في غزة فقط، وإنّما على الإهانات الشّخصيّة التي لحقت به من جرّاء تطاول وزير خارجيّة دولة تحتلّ السّفارة الإسرائيليّة موقع الصّدارة في عاصِمتها، ومُحاولة إنقاذ ما يُمكن إنقاذه من سُمعته التي تلطّخت بسبب مُسايرة هذا الاحتِلال سياسيًّا وتجاريًّا بينما أطفال غزة ونساؤها يستشهدون بالمِئات يوميًّا.. ونحنُ في الانتِظار الذي نأمَل أنْ لا يطول.