قوبلت زيارة الفريق عمار ديارا، قائد أركان جيش مالي، التي أنهاها الجمعة لموريتانيا مرفوقاً بوفد عسكري ذُكِر أنه “مهم”، بارتياح كبير في موريتانيا، ووُصِفت بأنها “نزع لفتيل حرب كانت على وشك الانفجار”.
وأكد بيان صحافي نشره الجيش الموريتاني “أن المسؤول العسكري المالي عقد جلسة عمل مع نظيره الموريتاني الفريق بله شعبان، تمت خلالها مناقشة وتشخيص المشاكل والمخاوف الأمنية للطرفين في جو من الشفافية والمكاشفة، من أجل إيجاد حلول مستديمة، تمكن من وضع آلية لتجنب الحوادث الأخيرة في المستقبل، وتأمين الحدود المشتركة”.
“وقد عبر الطرفان، وفقاً للبيان، عن أهمية الاتفاق على تدابير أمنية ملموسة، تضمن عودة الهدوء والسكينة إلى المناطق الحدودية، وتمكن من حماية المصالح الحيوية التي تستند إلى تاريخ طويل من العلاقات الأخوية بين البلدين والشعبين”.
وعقد المسؤول العسكري المالي جلستي عمل أولاها مع نظيره قائد الأركان الموريتاني الفريق بله شعبان، والثانية مع وزير الدفاع الموريتاني الجنرال حننه ولد سيدي.
وأكد مصدر عسكري موريتاني “أن الجانب الموريتاني كاشف قائد الأركان المالي بجميع ما في جعبته من توثيقات وأدلة على الاعتداءات المتكررة التي شنها الجيش المالي وعناصر فاغنر على سكان وقرى موريتانيا في المنطقة الحدودية، بل وصرح الجانب الموريتاني لقائد الأركان المالي بأن الصبر له حدود وأن قتل الموريتانيين والاعتداء على قراهم وترويعهم أمر لا يمكن أن يُسكت عنه دائماً”.
وأكد الإعلامي سلطان البان، المحلل السياسي الخبير في الشؤون الإفريقية في تصريحات لـ “القدس العربي” الجمعة، “أن زيارة الوفد العسكري المالي لموريتانيا كانت متوقعة منذ أسبوع تقريباً، وذلك بعد الأحداث التي وقعت خلال الأشهر القليلة الماضية، بعد اختراق الحدود الموريتانية من طرف فاغنر والجيش المالي في الثامن إبريل الماضي، والذي أكده الجانب الموريتاني في اليوم الموالي”.
وقال: “هذا التطور الأمني الخطير شكّل بداية للتواصل المباشر بين باماكو ونواكشوط، حيث أجرى العقيد غويتا اتصالاً هاتفياً بالرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني في يوم 11 إبريل لتبدأ زيارة وزارية متبادلة من الجانبين عنوانها رسائل متبادلة، ثم ختمت حلقات الاتصال ذات البُعد الأمني بمناورات عسكرية موريتانية على حدودها الشرقية مفادها عدم قبول نواكشوط لأي استفزازات من مالي مشابهة لما حدث سابقاً، وطمأنة للسكان على قدرة الجيش الموريتاني على حمايتهم”. وزاد: “وصول قائد أركان الجيش المالي عمار ديارا إلى نواكشوط الخميس، خطوة اتصال ضمن حلقات التواصل بين الجانبين المتعلقة بالأمن الحدودي في المقام الأول، وإشكالية ما يعرف “بجغرافيا التفاهمات” وهي إحدى المعضلات التي تُشكل تحدياً كبيراً لكلا الطرفين”.
وقال: “موريتانيا ترتبط بمالي بأكثر من 2000 كلم، وهي مساحة شاسعة تحتاج لقدرة هائلة لضبطها، تنضاف لذلك استثمارات موريتانية معتبرة أنشأتها الحكومة في قرى العمق الحدودي بين البلدين، وهذه القرى الحدودية تخضع للسيطرة الموريتانية وموثقة إدارياً ضمن حيّزها الجغرافي الإداري”.
مطاردة الأزواديين
وتابع: “في ظل التوترات الأمنية القائمة، والصراع داخل الدولة المالية المتصدعة والتي تعيش حالة من العزلة الدبلوماسية من المنظمات والهيئات الإقليمية المهمة بفعل التعليق أو الانسحاب، بات هناك توجه نحو الجغرافيا بعد أن قرر العقيد غويتا إلغاء اتفاقية السلام وإعلان حرب على الحركات الأزوادية لتحرير التراب المالي، حسب قوله”.
وأضاف المحلل السياسي: “يرغب العقيد ورفاقه إلى نبش الجغرافيا مع موريتانيا وحسم المشكلة الحدودية مع موريتانيا بشكل فوري، فمالي تعتقد أنه بات من الضروري تأمين الحدود مع موريتانيا كجزء من حربها مع المجموعات الأزوادية التي يعتقد المجلس العسكري الانتقالي أنها تعشعش في نواكشوط بتسهيلات من النظام القائم حسب تصريحات متعددة لمسؤولين أمنيين ماليين، ربما يفكر المجلس العسكري الانتقالي الحاكم للذهاب إلى فكرة ضرب قواعد أو ثكنات عسكرية متنقلة على مناطقه الحدودية مع موريتانيا”.
إيعاز طرف عربي
وعن الأسباب التي دفعت مالي إلى اتخاذ هذا الموقف، قال المحلل سلطان البان: “لا أعتقد أن المجلس العسكري الانتقالي الحاكم في مالي يمكن أن يستلهم هذا التوجه من وحي الخيال أو عن طريق الصدفة إسقاطاً على حجم المشكلات الداخلية لدى البلاد، لهذا أتصور أن هذا التوجه اتخذ بإيعاز من حليف دولي عربي له المصلحة في التموضع جغرافياً في دوّل المنطقة كجزء من سياسته المألوفة في إفريقيا (الإشارة هنا قد تكون للإمارات)”.
وزاد: “هذا التوجه المالي الجديد نحو المشكل الجغرافي القديم مع موريتانيا، وكأن مالي تجاوزت جميع مشاكلها الأمنية وباتت أمام مشكلة الجغرافيا مع موريتانيا وحدها، يؤكد أن مساراً أمنياً مالياً مستحدثاً، بات موضع نقاش متعلق بجعل موريتانيا تشعر بنوع من القلق والوجس على أمنها القومي ومناطقها الحدودية كجزء من ضريبة على ترحيب نواكشوط بآلاف النازحين واللاجئين الأزواديين والذين تصنفهم مالي ضمن المجموعات الإرهابية التي تطاردها، ولكن في الوقت نفسه، لا تريد مالي التصعيد مع موريتانيا بشكل مباشر بقدر ما تسعى إلى تحقيق أهدافها دبلوماسياً إن أمكن ذلك”.
“فالتصعيد مع نواكشوط، يضيف المحلل، سيضيّق الخناق أكثر على الدولة المالية الحبيسة، التي ليس بمقدورها مجابهته من حيث المبدأ؛ ومن زاوية أخرى فالمجلس العسكري الانتقالي الحاكم بحاجة لترك منفذ سياسي واقتصادي مع الجيران بعد أزمته مع الجزائر”.
وفي تصريحات أخرى، أكد الخبير الاستراتيجي أحمد سالم سيدي عبد الله، لـ “القدس العربي” الجمعة، “أن زيارة قائد أركان الجيش المالي لموريتانيا تأتي ضمن إرادة جديدة لدى الجيش المالي بتجنب أي مواجهات محتملة مع الجيش الموريتاني، ولترتيب آليات التعاطي مع الجانب الموريتاني في البعد العسكري، وهو أمر متوقع من طرف المتابعين للملف المالي عن قرب، والمدركين لأبعاد الخلافات داخل المنظومة العسكرية الحاكمة في مالي”.
وزاد: “أعتقد أن الأبعاد الخارجية لا دخل لها في الموضوع، فهو نابع من وجهة نظري، عن قناعة داخل المؤسسة العسكرية المالية، التي تؤكد المعطيات المتوفرة عنها أن قادتها يرفضون بشكل قاطع أي مساس بالعلاقات الاستراتيجية مع الجانب الموريتاني، وتؤكد تلك المعطيات أن كافة التحركات التي أدت إلى المساس بمواطنين موريتانيين كان وراءها “فيلق إفريقيا”، المعروف بفاغنر، أو بعض الجماعات المسلحة الأخرى، التي ترتدي الزي العسكري المالي”، مضيفاً قوله: “لا أنكر أن بعض قادة الجيش المالي لهم أجندات مع جهات خارجية، وقد لعبوا دوراً في ذلك، لكن نظام اغويتا يشهد خلافات داخلية لبعضها أبعاد إثنية، ولبعضها خلاف على معالجة بعض القضايا الإقليمية، وعلاقات البلد دولياً”. وجاء ذكر البعد الخارجي الذي أشار له الخبيران والذي يشير لدور ما للإمارات العربية المتحدة في ملف الخلاف المالي الموريتاني، بعد تدوينة للسياسي الموريتاني البارز محمد ولد المنير، أبدى فيها استغرابه من قيام نظام مالي المدعوم من الإمارات، بمضايقة نظام الرئيس الغزواني الذي له علاقات قوية مع رئيس دولة الإمارات. وطرح ولد المنير في تدوينته أسئلة بينها:
“ما هي طبيعة علاقة موريتانيا مع دولة الإمارات، التي حسب بعض المصادر، تزود الطغمة العسكرية في مالي بالسلاح والعتاد والمسيرات؟
وهل يرقى التفاهم الموجود بين موريتانيا والإمارات، والذي قد يثير حفيظة الجزائر التي تربطنا بها مصالح مشتركة في منطقة الساحل، إلى مستوى تحالف استراتيجي، أم أنه فقط عبارة عن علاقة شخصية بين الرئيس محمد ولد الغزواني والرئيس محمد بن زايد؟”.
عبد الله مولود
نواكشوط – «القدس العربي»