ثلاثة أيام فقط تفصل الموريتانيين عن يوم الاقتراع المشهود الذي سينتخبون فيه رئيسهم في استحقاق رئاسي مقرر يوم السبت التاسع والعشرين يونيو/حزيران الجاري، وذلك بعد عشرة أيام من الحملات الدعائية الصاخبة التي بدأت تتحول إلى حملات تدوينية على فيسبوك، وإلى جولات اتصال بالناخبين من بيت إلى بيت.
وحسب تحليلات واستقراءات لمدونين ولساسة مهتمين بهذا الشأن معتمدة على قياسات لحجم المهرجانات، فإن المؤشرات على الساحة في انتظار التي وراء الستار، تمنع المقعد الأول في هذا السباق للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، يتلوه في المرتبة الثانية إما حمادي سيدي المختار مرشح التجمع الوطني للإصلاح (إسلاميو موريتانيا)، أو الحقوقي بيرام الداه اعبيد.
غير أن الذي أقلق الناس في هذا العرس الانتخابي، هو التعميم الصادر عن المدير العام للأمن الوطني الجنرال محمد الشيخ محمد الأمين، أمس الثلاثاء والذي أوضح “أن السلطات الأمنية الموريتانية تتوقع حدوث أعمال شغب بعد إعلان نتائج الانتخابات المنتظرة يوم الأحد أو الإثنين المقبلين، قياساً على ما وقع في انتخابات 2019 التي شهدت فيها موريتانيا أعمال عنف أدت لقطع الإنترنت لمدة أيام ولإغلاق الأسواق، ولمجابهات بين المتظاهرين وقوى الأمن.
ويجمع ساسة متابعون لهذا الملف على أن أنصار المترشحين الستة الذين سيهزمون في هذا النِزال الرئاسي، وبعضهم يقود مجموعات متطرفة، لن يقبلوا بحال من الأحوال ما هو شبه مؤكد بخصوص نجاح الرئيس الغزواني في الشوط الأول بنسبة تقرب من 60% من الأصوات؛ ويرى هؤلاء الساسة أن أعمال عنف شديدة لا بد أن تندلع، وأن انتقال الرئيس الغزواني مع أحد منافسيه إلى الشوط الثاني قد يخفف من الشغب المتوقع.
وأعلن المدير العام للأمن الموريتاني في تعميمه عن “حظر بيع البنزين في الأوعية المنقولة، وكذا عن حظر عرض العجلات المستعملة في الشارع العام”، لما جرت به العادة بخصوص قيام المحتجين بحرق العجلات بالبنزين في الشوارع خلال أعمال الشغب.
ووجه المدير العام للأمن تعميمه الاحتياطي، إلى وزارة الداخلية للاطلاع ولجميع المديرين الجهويين المركزيين للأمن ولقائد التجمع الخامس المكلف بحفظ النظام للتنفيذ، ولمدير الأمن العمومي للمتابعة.
ودعا التعميم إلى جمع العَجَلات المستعملة المكدسة في الشارع العام، وتخزينها في مكان تحت إشراف السلطات الإدارية؛ مع حظر بيع البنزين في الأواني المنقولة، إلا بإذن مسبق من السلطات الإدارية.
ولم يهدأ حتى الآن الجدل المشتعل بين مرشحي المعارضة واللجنة الانتخابية المستقلة حول ضمانات شفافية وحرية هذه الانتخابات.
ومع ذلك، فقد أكد تقي الله الأدهم، المتحدث الإعلامي باسم اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات في تصريحات صحافية الثلاثاء “أن اللجنة شكلت فرقاً على عموم التراب الوطني، مكلفة بحث الناخبين على حيازة بطاقاتهم الانتخابية، لكونها هي مفتاح معرفة مكتب التصويت، ومعرفة الترتيب على القائمة الانتخابية”. وأكد الناطق “أن اهتمام اللجنة منصب على العمل من أجل سير العملية الانتخابية المرتقبة في ظروف مرضية”، مؤكداً “أنه ليس هناك أي عائق قد يؤثر سلباً على العملية من الناحية القانونية”.
وأوضح ولد الأدهم “أن اللجنة المستقلة على أتم الجاهزية لإجراء الاقتراع داخلياً وخارجياً، حيث وزعت مكاتبها في الداخل، وأوصلت مكاتبها لمواقعها في الخارج البالغ عددها 52 مكتباً”.
وشدد ولد الأدهم “على أن اللجنة متمسكة بمساعيها ومرونتها من أجل إجراء الاقتراع في ظروف ترضي الجميع، حيث ينتظر من وقت لآخر أن تعقد اللجنة اجتماعاً بالمترشحين أو ممثليهم، لوضع اللمسات النهائية على المشهد الانتخابي”.
غير أن هذه التصريحات وتصريحات أخرى قبلها للناطق باسم اللجنة الانتخابية، قوبلت من طرف المعارضة بالانتقادات، حيث أكد حمادي سيدي المختار مرشح حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (الإسلاميون) “أن ظن مرشحي المعارضة خاب في اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، نتيجة لعدم تعاونها معهم، ولتسييرها الأحادي لملف الانتخابات وغياب التعاطي مع التظلمات”.
وأوضح الثلاثاء “أن الحزب أعد طاقماً سيتولى تجميعاً دقيقاً لكافة المحاضر، كما سيراقب كافة التجاوزات الممكنة في الاقتراع المرتقب، مع العمل على توثيق حالات التزوير بالأسماء والصور والوقائع، لرفعها أمام الجهات المختصة لمتابعة المزورين”. وأكد محمد الأمين ولد شعيب مدير العمليات الانتخابية في حزب التجمع “أن مرشحي المعارضة لاحظوا خروقات فيما تقوم به اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، أهمها عدم نشر القائمة الانتخابية المؤقتة”، معتبراً “أن نشرها على موقع اللجنة لا يكفي لأنه مرتبط بالإنترنت التي تشهد اضطرابات كبيرة في العاصمة نواكشوط، وما بالك بالداخل”، بحسب تعبيره.
وأكد “أن القائمة النهائية التي نشرتها اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، هي نفسها القائمة المؤقتة والفرق بينهما هو ناخب واحد”.
وإلى جانب هذه التجاذبات، ينشغل المشهد الانتخابي الموريتاني حالياً بالضجة التي أثارتها تصريحات للوزير الناني اشروقة منسق حملة ولد الغزواني في المنطقة الجنوبية، والتي وعد فيها “بالعمل على تنفيذ مطالب من يقف معهم من الناخبين”، ملوحاً “بأنهم يعرفون المكاتب وكل من سيصوت فيها”. وقدمت حملة العيد ولد محمدن مرشح “تحالف الإنقاذ”، شكوى للنيابة العامة ضد منسق حملة المرشح محمد ولد الشيخ الغزواني، بولاية الترارزة الناني ولد اشروقة”.
وأكد بيان اللجنة القانونية المركزية لحملة المرشح العيد “أن الشكوى جاءت في إطار “استمرار نهج التأثير على خيارات الناخبين ترغيباً وترهيباً، مع تقويض حرية الانتخاب بالوعود والتهديد”.
وأوضح البيان “أن هذا النهج تمثل في إقدام منسق حملة المرشح محمد ولد الغزواني في ولاية الترارزة الناني ولد اشروقة، على تهديد الناخبين في بلديات ولاية الترارزة”.
وأكدت حملة المترشح ولد محمدن “أن تهديدات المنسق تمثلت في إعلانه أنه “سيتم تجاهل ناخبي بلديات الترارزة في إطار معالجة المشاكل الخدمية للبلديات، إذا كان موقفهم من مرشحه سلبياً، بينما سيتم العمل على تنفيذ مطالب من يقفون معهم”، ملوحاً بأنهم “يعرفون المكاتب ومن يصوتون بها”، وفق تعبير اللجنة. وطلبت اللجنة النيابة العامة “بتحريك دعوى عمومية ضد منسق حملة الغزواني بما يحفظ لمرشحها حقوقه كطرف مدني متضرر”، حسب البيان.
وشددت اللجنة القانونية للمرشح ولد محمدن التأكيد على “أن هذه الوقائع مجرَّمة ومعاقبة بالمادة 133 من الأمر القانوني 289/87 المعدل، المحال إليها من المادة 18 من الأمر القانوني 027/91 المعدل المتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية، والمادة 8 من قانون مكافحة الفساد”.
واعتبرت “أن تصريحات المنسق تمثل استمراراً لـنهج التأثير على خيارات الناخبين ترغيباً وترهيباً، وتقويض حرية الانتخاب بالوعود والتهديد”.
وكانت المعارضة قد انتقدت تصريحات منسق حملة ولد الغزواني في ولاية الترارزة بهذا الخصوص، فيما اعتبرت حملة المرشح ولد الغزواني أن ما قاله المنسق ولد اشروقة بعيد كل البعد عن تأويلات المعارضة”.
عبد الله مولود
نواكشوط – «القدس العربي»