«القدس العربي»: هيمنت الأحداث الدموية التي تشهدها الضفة الغربية على شبكات التواصل الاجتماعي في العالم العربي خلال الأيام الماضية، وسرعان ما تحولت إلى حديث الرأي العام بعد أن شكَّلت تطوراً لافتاً في الحرب العدوانية التي تشنها قوات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، فيما سارع الكثير من النشطاء في مختلف الدول العربية إلى إطلاق دعوات للنفير والتضامن مع المستضعفين في الضفة الغربية وعدم السكوت أمام التصعيد الإسرائيلي المستمر.
وسرعان ما تصدر اسم «أبو شجاع» وهو أحد أبرز قادة المقاومة في الضفة الغربية، قوائم الوسوم الأوسع انتشاراً والأكثر تداولاً على شبكات التواصل الاجتماعي في العالم العربي، وذلك فور استشهاده في عملية إسرائيلية فجر الخميس الماضي مع عدد من رفاقه المقاومين، فيما تداول النشطاء والمستخدمون وصايا الشهيد وتداولوا العبارات التي كان قد أطلقها سابقاً.
وصباح الخميس الماضي التاسع والعشرين من آب/أغسطس 2024 تمكنت قوة عسكرية إسرائيلية من اغتيال القيادي في المقاومة بالضفة الغربية محمد جابر والملقب «أبو شجاع» وذلك بعد معركة ضارية في مخيم طولكرم انتهت باستشهاده مع أربعة من أفراد كتيبة طولكرم، فيما أصيب المطارد محمد قصاص قائد الكتيبة وأحد مؤسسيها وأعلنت قوات الاحتلال عن اعتقاله.
وكان أبو شجاع قد نجا من عدة محاولات اغتيال كان أشهرها في نيسان/أبريل الماضي، بعد اقتحام طويل لمخيم نور شمس حيث أعلنت إسرائيل حينها نجاحها فيه اغتياله، لكنه خرج بعد انسحاب جيش الاحتلال وظهر خلال عملية تشييع شهداء ذلك الاقتحام متحدياً القوات الإسرائيلية ومعلناً تمسكه بطريق المقاومة. وكانت قوات الاحتلال قد بدأت عملية عسكرية واسعة في الضفة الغربية، وقالت بأنها تريد استئصال كتائب المقاومة الموجودة في شمال الضفة، كما أعلن مسؤولون إسرائيليون إن الجيش سوف يقوم بعمليات إخلاء لبعض المناطق على غرار ما فعل في قطاع غزة خلال الشهور الماضية، وهو ما يعني أن الضفة الغربية ستشهد كارثة إنسانية بالغة السوء خلال الفترة المقبلة في حال استمرت القوات الإسرائيلية في عملياتها.
وتداول النشطاء والمستخدمون على شبكات التواصل الاجتماعي العديد من التعليقات والتغريدات التي نشرها أبوشجاع، كما تداولوا جانباً من وصاياه، ودعوا إلى هبة عربية واسعة من أجل إنقاذ الضفة الغربية التي ستصبح أسوأ حالاً من قطاع غزة.
«أملكُ موقفاً وعليه أموت»
ونشر الإعلامي الفلسطيني في قناة «الجزيرة» تامر المسحال صورة لتغريدة سابقة نشرها أبو شجاع يوم الثاني عشر من آب/أغسطس، أي قبل نحو شهرين فقط من استشهاده، ويقول فيها: «لا أملك منزلاً، لا أملك سيارة، لكنني أملكُ موقفاً وعليه أموت» وكتب المسحال معلقاً على ذلك بالقول: «أبو شجاع كما كان يُعرف نفسه.. مضى على ما كان عليه ثابتاً ومالكاً».
أما الناشط المعروف أدهم أبو سلمية فنشر صورة للشهيد أبو شجاع بعد إصابته بالرصاص ومفارقته الحياة، وكتب معلقاً: «لعمرك هذا مماتُ الرجال.. طِبت حياً وطِبت شهيداً، ما بِعتَ ولا خنت ولا ساومت.. المجاهد المقدام أبو شجاع شهيداً مقبلاً غير مدبر».
وقال أبو سلمية في تدوينة منفصلة على شبكة «إكس»: «كما كانت الدعوة يوم السابع من أكتوبر لأهلنا في الضفة الغربية أن يتحدوا مع إخوانهم في #غزة، حتى لا ينفرد بهم الاحتلال، وليستنزفوا قواه وجنوده المنتشرين، فلا يكون تركيزه على غزة وحدها، فإن النداء اليوم يتجدد لأهلنا في جميع أرجاء الضفة الغربية أن يهبوا لمواجهة الجيش الصهيوني في كل نقاط الاشتباك وعلى كل الحواجز الممتدة عبر الضفة طولًا وعرضًا. إن نهوض الضفة الغربية اليوم بكل السبل المتاحة هو إحدى الوسائل الفعالة لتخفيف الضغط عن شمال الضفة، الذي يتعرض الآن لحملة صهيونية شرسة تهدف إلى إبادة شعبنا الفلسطيني واقتلاع جذور مقاومته.. وكلما اشتبك أهلنا في جميع أنحاء الضفة مع العدو الصهيوني، كلما زادوا من استنزاف جيشه ومنحوه قسطًا أقل من الراحة، حتى لا يتمكن من الانفراد بمدننا الفلسطينية الواحدة تلو الأخرى».
كما نشر خالد صافي مقطع فيديو يظهر فيه أبوشجاع خلال مشاركته في تشييع عدد من الشهداء الفلسطينيين، وكتب معلقاً: «محمد أبو شجاع، قال عنه الموتورون: حشاش، تاجر مخدرات، أزعر فلاتنجي.. قتله الاحتلال فجر اليوم داخل المسجد وهو مشتبكٌ معه لآخر لحظة.. أما الجبناء والرزايا فبقيت كلماتهم شاهدة على تخاذلهم وتواطؤهم مع الاحتلال».
نهاية رجلٍ شجاع
واكتفى الإعلامي الفلسطيني حسام يحيى بنشر آخر ما كتبه الشهيد أبو شجاع، حيث كان أبو شجاع قد نشر سابقاً يقول: «بالنسبة لي لا أظن أن يتعافى قلبي على الاطلاق، وسأبقى أشعر بالتقصير مدى الحياة رغم أنني لا أملك فعل شيء ولم أفعله. ولكن لا يُمكنني أيضاً طرد شعور سيء ينتابني كلما رأيتُ تضحيات الآخرين وما اصابهم، أرى اعتقالي ومطاردتي وخسارتي لمنزلي وبعدي عن أهلي وفقد أخي محمود وعددا من المقربين مني أموراً عابرة مقابل طفل فقد أمه، وأب فقد طفله، أو أسير سيُمضي في زنزانته عقود ويُحرم منه أبناءه.. ولكني أواسي نفسي بأن الله سلمني لغاية، وأنني لم أختر التراجع بل اخترتُ دوماً الأخذ بالعزيمة ورغم ذلك لا زلتُ بينكم، وأواسي نفسي بأن واجبنا إن خرجنا من هذه الحرب على قيد الحياة أن نكون على قدر المسؤولية وأن نكون قوة لمن حولنا.. وأن نبقى الأوفياء لمن ضحوا وقدموا.. هذا عهدٌ في رقابنا أسأل الله أن يُمكننا من الوفاء به».
وكتب أحد المعلقين: «نهاية رجلٍ شجاع.. كان ينجو في كل مرّة، حين تلاحقه كلاب الأثر العميلة وجيش الإحتلال.. واليوم هناك دمٌ وثقوب في الجسد النحيل.. آن لهذا الجسد أن يستريح.. إلى رحمات الله ورضوانه ونعيم جنّاته.. مجاهدنا الشهيد بإذن الله محمود جابر أبو شجاع».
وغرد الناشط المصري الدكتور المهندس صلاح الدين: «من 58 سنة في يوم 29 أغسطس 1966 تم استشهاد الشهيد سيد قطب بواسطة عملاء الصهاينة في مصر، ويوم 29 أغسطس 2024 تم استشهاد قائد كتيبة سرايا القدس محمد أبو شجاع.. إنه حقاً يوم الشهيد».
وكتب ناشط يُدعى خالد على شبكة «إكس» يقول: «فعلها البطل وحقق ما أراد كاملاً: خلق حالة مقاومة مسلحة جديدة بأقل الإمكانات، صار أيقونة وبوصلة لمئات أو آلاف سيمشون على دربه من بعده، شق لمن بعده طريقاً لها نقطة بداية واضحة، وفوق كل هذا نال الشهادة.. هنيئاً لك يا أبو شجاع، وسلامٌ على روحك ونفسك الراضية المرضية».
وعلقت إيمان شمس الدين: «من الشهيد إبراهيم النابلسي إلى الشهيد أبو شجاع، نماذج للشباب الذي حمل هم قضيته، وقدم الدم والروح على طريق هذه القضية، بينما آخرون في أعمارهم يلهيهم الرقص والخنوع، واللهو وفوق هذا الانغماس في ملذات مهترئه، يخرج ليطعن في هؤلاء الأبطال ويشكك في نضالهم.. شتان بين منارات ونماذج مشرقة في تاريخ أمتي كأبو شجاع والنابلسي، سيخط ذكرهم ويخلدهم التاريخ بماء من ذهب، وبين من سيذهب ليفنى دون خلود».
وقال معتز كواملة: «بطلٌ هُمام.. كفيت ووفيت يا بطل، تشهد لك أزقة طولكرم، قاتلت الأعداء والعملاء، نجوتَ منهم وكنت في حفظ الرحمن، إشتبكت بيد واحدة رغم الإصابة أثناء الإعداد والتجهيز، إلى أن إصطفاك الله اليوم شهيداً مقبلاً غير مدبر».
وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي أعلنت فجر الأربعاء الماضي أنها بدأت عملية عسكرية واسعة تستهدف مسلحين في جنين وطولكرم وطوباس شمالي الضفة الغربية المحتلة، في حين أعلنت فصائل المقاومة الفلسطينية تصديها للاقتحامات وتنفيذ عمليات نوعية.
وأكدت الإذاعة الإسرائيلية الرسمية أن العملية التي بدأها الجيش شمالي الضفة الغربية هي الأوسع منذ عملية «السور الواقي» في عام 2002 وقالت إنها تتم بمشاركة سلاح الجو وقوات كبيرة.
كما أفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت» بأن العملية واسعة، وقالت إن جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) وقوات المستعربين انضمت للجيش في عملياته، مضيفة أن «الجيش يستخدم مروحيات ومقاتلات بشكل واسع».
وقالت القناة الـ14 الإسرائيلية إن الجيش استنفر آلاف الجنود من وحدات خاصة استعداداً لهذه العملية الواسعة والتي تستهدف أساساً مدن شمال الضفة، وإن وحدات خاصة من الجيش وحرس الحدود ووحدة تابعة للشاباك تشارك فيها.
وفي إشارة إلى الأسباب الكامنة وراء إطلاق هذه العملية العسكرية الواسعة، نقلت القناة الإسرائيلية عن مسؤولين عسكريين أن «الوضع في الضفة الغربية بات مصدر قلق جدي لإسرائيل».