بمجرد سماع أو مشاهدة أنباء انتقال أحد نجوم الكرة العالمية إلى الدوري السعودي للمحترفين، فإن الفكرة الأولى التي تقتحم عقول مشجعي الساحرة المستديرة هي أن اللاعب قرر الابتعاد عن الضغوطات وإنهاء مسيرته بالملاعب العربية.
تلك الفكرة تعود لفارق الإمكانيات الكبير بين المنافسة في الملاعب العربية والأوروبية، بجانب العمل الاحترافي في القارة العجوز بداية من نشأة اللاعب وتكوينه حتى يصبح نجما عالميا، فضلا عن التنظيم المذهل والملاعب وشغف الجماهير وغيرها من الأمور التي تجعل الدوريات الأوروبية بمثابة حلم كل لاعب، نظرا للشهرة والمال وتحقيق الإنجازات.
في المقابل، حاولت الدوريات العربية مجاراة هذا التطور ورفع قوة المنافسة، بالتعاقد مع بعض النجوم الكبار خلال السنوات الأخيرة في مسيرتهم، وذلك للاستفادة من الخبرات التي يمتلكوها.
ووافق بعض النجوم على خوض التجربة العربية من قبل، بسبب العروض المغرية التي يتم تقديمها لهم، ورغبتهم في الابتعاد عن الأجواء الصعبة بأوروبا، وإنهاء ما تبقى من مسيرتهم في حالة من الراحة والمتعة وجني الأموال.
طفرة واضحة
بعد سنوات طويلة من النظر للدوريات العربية على أنها بمثابة المحطة الأخيرة للنجوم، فجر صندوق الاستثمار السعودي مفاجأة من العيار الثقيل بداية من يناير/كانون الثاني 2023.
وتمثلت المفاجأة في التعاقد مع الأسطورة البرتغالي كريستيانو رونالدو، بعدما فسخ عقده مع مانشستر يونايتد الإنجليزي، وهو ما جذب أنظار الجميع، ولكن البعض كان يتوقع أنها طفرة لن يتم تكرارها.
لكن المثير في الأمر، أن صيف 2023، كان بمثابة الصاعقة على الأندية الأوروبية، بسبب الإغراءات التي قدمها صندوق الاستثمار لنجوم العالم، حيث نجح في جلب كل من الفرنسيين كريم بنزيما ونجولو كانتي والبرازيلي نيمار دا سيلفا والسنغالي ساديو ماني والجزائري رياض محرز والصربي ألكسندر ميتروفيتش، وغيرهم من الأسماء اللامعة.
وأصبح الوضع أكثر جنونا بعد مجيء مجموعة من المدربين العظام أمثال البرتغالي جورجي جيسوس من أجل قيادة الهلال، والإيطالي روبرتو مانشيني لتدريب المنتخب السعودي نفسه.
والغريب أن الكثير من اللاعبين الشباب قرروا المجيء للدوري السعودي، رغم امتلاكهم عدة عروض أوروبية مثيرة، وهو ما جعل الوضع أكثر صعوبة وحيرة على أندية القارة العجوز.
وتسببت هذه الطفرة في جذب أنظار العالم للكرة السعودية، ومتابعة ما يحدث هناك، حيث بدأ الجميع يتساءل، هل التعاقد مع هؤلاء النجوم سيكون بمثابة المتعة فقط أم رفع قوة المنافسة؟.
واقع صادم
الهدف الرئيسي والمعروف لطفرة صندوق الاستثمار هو تطوير المملكة العربية السعودية بشكل عام وجعلها محط أنظار العالم، من خلال استقطاب النجوم وإقامة الفعاليات المستمرة في مختلف المجالات.
وهذا الأمر جعل بعض النجوم يعتقدون أنهم جاءوا للمتعة والتنزه على غرار ما كان يحدث خلال السنوات الماضية مع بعض لاعبي العالم، ولكنهم اصطدموا بالواقع الأليم.
الحقيقة هي أن صندوق الاستثمار كان يهدف لتطوير المملكة بدون أدنى شك، ولكن في الوقت ذاته وضع خطة لرفع قوة المنافسة في الدوري السعودي وتحويله إلى منافسة عالمية على غرار الدوريات الأوروبية الكبرى.
وبالفعل، تم تحسين الملاعب والمرافق وغرف خلع الملابس واستقطاب حكام النخبة من مختلف دول العالم، بجانب الحضور الجماهيري الضخم من الأساس، حتى أصبح الوضع مشابها لما يحدث بالملاعب الأوروبية.
وبالتالي، أصبح دوري روشن مسابقة عالمية تشهد مباريات مليئة بالندية والحماس ومعدلات الركض المرتفعة، وهو ما جعل المنافسة صعبة على بعض النجوم الذين كانوا يعتقدون أن اللعب في السعودية سيكون سهلا.
أحلام النجوم في مهب الريح
صحيح أن بعض النجوم نجحوا في تأمين مستقبلهم بالأموال الطائلة التي حصلوا عليها من صندوق الاستثمار، ولكنهم وجدوا أنفسهم أمام الاغتيالات الجماهيرية والإعلامية، حال الظهور بشكل باهت.
وكان البعض يتخيل أن البعد عن الأجواء الأوروبية سيجعل الأمور أكثر هدوءا، ولكنهم وجدوا الوضع صعبا للغاية، بسبب قوة المنافسة ورغبة الجميع في التطور وتحقيق النتائج الإيجابية.
وبالتالي، أصبح هؤلاء النجوم يرغبون في العمل بقوة كما كانوا في السابق، وذلك لحماية أنفسهم من الانتقادات، إضافة للضوء المسلط عليهم من جميع أنحاء العالم، نظرا لحصول عدة قنوات مختلفة على حقوق بث المباريات.
الفرنسي كريم بنزيما الذي انضم للاتحاد بعد رحلة تاريخية مع ريال مدريد، كان أكثر اللاعبين تعرضا للانتقادات في الموسم الأول، فضلا عن نيمار دا سيلفا الذي وجد نفسه أمام رغبة جماهير الهلال في التخلص منه بسبب تأخر تعافيه من الرباط الصليبي.
أما رياض محرز فيعاني بشدة خلال الموسم الجاري مع الأهلي، بعد الانتقادات والسخرية من وزنه الزائد وتراجع مستواه، إضافة لساديو ماني الذي فشل في إقناع جماهير النصر حتى هذه اللحظة.
كل هذا فضلًا عن البرازيلي روبرتو فيرمينو الذي بات قاب قوسين أو أدنى من الرحيل عن الأهلي في يناير/كانون الثاني 2025، بسبب الهجوم المتواصل عليه، وفشله في التأقلم مع الوضع.
حتى كريستيانو رونالدو، قائد النصر، ففشل في حصد أي لقب سعودي أو آسيوي، رغم تاريخه الطويل، ما يبرهن على قوة المنافسة.
وتبرهن تصريحات النجوم على التطور الواضح الذي أحدثته الكرة السعودية، حيث سبق وأن قال رونالدو: "إذا استمر الوضع في هذا التطور، سيصبح الدوري السعودي ضمن أفضل دوريات العالم".
روبن نيفيز هو الآخر شدد بقوله: "الدوري السعودي لا يختلف عن الدوريات الأوروبية حاليا، فأنا أقوم بمعدلات ركض أعلى من السابق، بسبب صعوبة درجة الحرارة".
ألكسندر ميتروفيش سبق وأن قال: "الدوري السعودي لا يختلف كثيرا عن الإنجليزي، ولكن هنا درجة الحرارة صعبة للغاية، والجميع يسعى للتطور والوصول إلى أفضل صورة".
وما يدل على ارتفاع قوة المنافسة هو انضمام 14 نجما من الدوري السعودي لمنتخبات بلادهم للمشاركة في كأس الأمم الأوروبية الأخيرة، الأمر الذي يؤكد قوة المنافسة وصعوبتها على نجوم الكرة العالمية الذين اصطدموا بالواقع.