من رقمنة المخالفات إلى رقمنة الخدمات!- محمد الأمين الفاضل

خميس, 09/26/2024 - 12:55

طالعتُ اليوم في المواقع الإخبارية  تعميما صادرا عن مدير الأمن الوطني يتعلق برقمنة مخالفات قانون المرور في العاصمة نواكشوط، ولا خلاف على أهمية هذا التعميم، فهو من جهة سيحل عمليا العديد من المشاكل في هذا المجال، ومن جهة أخرى فهو سيساعد في الشفافية، وفي ضبط الموارد المالية المتحصلة من تلك المخالفات.
بكلمة واحدة، إنه تعميم جيد، وقد طال انتظاره، وهو يستحق الإشادة، ولكن هذه الإشادة لن تمنعنا من لفت الانتباه إلى أن الرقمنة في مجال السلامة المرورية يجب أن لا تقتصر فقط على جانب المخالفات والغرامات، بل يجب أن تشمل أيضا جانب   الخدمات المقدمة لسلامة سالكي الطرق.
قد لا يكون من المناسب أن نتذكر الرقمنة والاستفادة من التقنيات الجديدة عندما يتعلق الأمر بالمخالفات والجباية، وننسى هذه الرقمنة ولا نتذكرها عندما يتعلق الأمر بتقديم خدمات للسائق هو في أمس الحاجة إليها للحفاظ على سلامته، وسلامة مركبته. 
في يوم 11 إبريل من العام 2022 تقدمنا في حملة "معا للحد من حوادث السير" إلى كل القطاعات المعنية بالسلامة المرورية بمقترح يتعلق بتطبيق في مجال السلامة المرورية، وكان هذا التطبيق نتاج جهد أحد المهندسين الشباب من أصدقاء الحملة، كان قد اشتغل عليه لفترة طويلة من الزمن، ولما اكتمل إعداده، تقدم به مشكورا إلى الحملة، ومنحها حق التصرف الكامل فيه، فما كان منا في الحملة إلا أن تقدمنا بدورنا بهذا التطبيق إلى كل الجهات المعنية بملف السلامة المرورية، وعلى رأسها وزارة التجهيز والنقل، وذلك للاستفادة منه في توفير المزيد من السلامة لسالكي الطرق ولمركباتهم.  
منذ بداية العام 2022 وهذا التطبيق جاهز من الناحية الفنية، ولكن ومن أجل إطلاقه بشكل رسمي، فهو يحتاج إلى تعاون كل الجهات الحكومية المعنية بالسلامة الطرقية.
لقد صُمِّمَ هذا التطبيق ليغطي أهم  المحاور الطرقية في البلاد، وهو إن تم العمل به، فإنه سيمكن سالكي الطرق  من معرفة دقيقة ومحينة لوضعية الطريق الذي يسلكونه، وذلك من خلال تحديد الأماكن التي توجد فيها حفر أو ألسنة رملية أو حيوانات أو عمليات صيانة وترميم أو سيارات متعطلة، وكذلك تلك التي توجد فيها سيارات الإسعاف وأرقام هواتف القائمين عليها، أو أي معلومات أخرى قد يحتاجها السائق عن الطريق الذي يسلكه.
كل هذه المعلومات يمكن أن يتيحها التطبيق الذي أسميناه تطبيق "سلامتك"،  والذي اخترنا له شعار "التطبيق قبل الطريق"، وهي عبارة أخذناها من العبارة العربية الشهيرة التي تقول "الصديق قبل الطريق".  ويمتاز هذا التطبيق بأنه سهل الاستخدام والتحميل على أي هاتف محمول، بل ويمكن تطويره ليتماشى أكثر مع قواعد السلامة المرورية، بحيث لا يضطر السائق لاستخدام الهاتف أثناء القيادة، ويمكن للمعلومات التي يقدمها التطبيق أن تقدم أيضا لسالكي الطرق من خلال نشرة يومية عن وضعية الطرق في بلادنا موجهة إلى مستخدمي الطرق، تبث عبر الإذاعة مثلا، وتقدم فيها كل المعلومات الموجودة على التطبيق، والتي يتم تحيينها بشكل شبه يومي.
ولأن تطبيق "سلامتك" يحتاج إلى معلومات دقيقة يتم تحيينها بشكل مستمر، فكنا في حملة معا للحد من حوادث السير بحاجة إلى شراكة أو تعاون مع الجهات التي تمتلك تلك المعلومات من خلال نقاط التفتيش وممثلي بعض الإدارات على أهم المحاور الطرقية: الدرك الوطني؛ الشرطة الوطنية؛ مؤسسة أشغال صيانة الطرق؛ مصلحة السلامة الطرقية بوزارة الصحة، وقد راسلنا أغلب تلك الجهات بالمقترح، ولكننا لم نتلق أي رد إيجابي. 
لم يكن هذا هو المقترح الوحيد الذي قدمناه في الحملة للجهات المعنية بالسلامة المرورية، بل قدمنا مقترحا آخر لا يقل أهمية للاستفادة من النقنيات الجديدة في مجال السلامة المرورية، يتعلق المقترح بمراقبة السرعة في حافلات وسيارات النقل البيني، ومن المعروف أن السرعة تعدُّ هي السبب الأول في حوادث السير في بلادنا، حسب الإحصائيات الرسمية.
يؤكد المسؤولون في وزارة التجهيز والنقل، وفي كل القطاعات المعنية بالسلامة المرورية، بأن السرعة المفرطة هي السبب الأول في حوادث السير، ومع ذلك لا يفعلون أي شيء يذكر لمراقبة السرعة في حافلات وسيارات النقل البيني، وذلك على الرغم من وجود حلول تقنية بسيطة وعملية لدى بعض الشركات الخاصة، وقد اطلعنا في الحملة على تلك الحلول، بل إن القائمين على إحدى هذه الشركات أكدوا لنا على أنهم على استعداد لتقديم هذه الحلول مجانا للوزارة عن طريق حملة معا للحد من حوادث السير.
تتعلق هذه الحلول، وهي بالمناسبة قد جربت أمام أحد وزراء التجهيز والنقل، بوضع شرائح إلكترونية بالسيارات والحافلات التي تمارس النقل، وعندما تتجاوز السيارة السرعة المحددة لها فإن الشريحة ترسل بشكل فوري رسالة نصية بذلك، ويمكن أن ترسلها لعدة جهات في وقت متزامن : نقاط التفتيش ـ المصالح المعنية في الوزارة ـ سلطة تنظيم النقل الطرقي ـ حملة معا للحد من حوادث السير إن كانت هناك رغبة في إشراك المجتمع المدني في مراقبة سرعة سيارات وحافلات النقل.
هذا المقترح كنا قد عرضناه على وزارة التجهيز والنقل أكثر من مرة، وقد تضمنه مقالي الأخير الذي وجهته لمعالي وزير التجهيز النقل الجديد، ضمن سلسلة من المقالات التي وجهتها لعدد من الوزراء في الحكومة الحالية، وهي مقترحات لم تجد في المجمل أي اهتمام يذكر.
ليس أمامنا إلا تكرار تقديم هذه المقترحات، فمن يدري، فربما يجد أحدها اهتماما من هذا الوزير أو ذاك. 
حفظ الله موريتانيا..