مثلت خسارة المنتخب السعودي أمام نظيره الإندونيسي، طعنة جديدة للأخضر في سباق التأهل إلى نهائيات كأس العالم.
وكانت هذه التصفيات قبل بدايتها تبدو بلا عقبات كبرى، في ظل وجود الأخضر ضمن مجموعة في المتناول، سبق أن تغلب على نفس المنافسين بها في تصفيات مونديالية سابقة.
الهزيمة التي تلقاها الأخضر بهدفين دون رد لأول مرة في تاريخه ضد إندونيسيا حملت عدة ملامح سلبية، وأظهرت المنتخب بصورة باهتة للغاية.
لكن الوجه الأسوأ للخسارة كان العجز الهجومي الواضح، والفشل التهديفي الذي يستمر في ملاحقة المهاجمين.
واستمرت لعنة فشل المهاجمين في التسجيل منذ حقبة مانشيني، إلى حقبة هيرفي رينارد الثانية، حيث اعترف الفرنسي بأن هناك أزمة هجومية حقيقية.
تحمل هذه الأزمة أبعاداً كثيرة، إذ أن المنتخب لم يستطع تسجيل أي أهداف بواسطة مهاجميه على مدار 679 دقيقة، وتحديداً منذ آخر هدف سجله مهاجم للأخضر وهو فراس البريكان في مرمى باكستان بالمرحلة الماضية من التصفيات ضمن الفوز 3-0، حيث استمرت المعاناة طيلة 7 مباريات.
ومنذ ذلك الحين هز المنتخب السعودي شباك منافسيه 4 مرات فقط بواقع 3 أهداف لمدافعين، علي لاجامي، حسن كادش (هدفين)، وهدف للاعب خط وسط، مصعب الجوير.
معاناة تاريخية
تاريخياً لم يعرف الأخضر أزمة مماثلة على مستوى الصيام التهديفي للمهاجمين، باستثناء فترات زمنية متباعدة في سجل مبارياته، كان آخرها في نهاية عام 2010 ومطلع 2011 وتحديداً بالأدوار الإقصائية لبطولة خليجي 20 باليمن ثمن بطولة كأس آسيا بقطر.
لكن على صعيد مشوار تصفيات كأس العالم فقد كانت كلمة الهجوم حاضرة بقوة عبر هدافين مميزين أمثال نايف هزازي وناصر الشمراني وفهد المولد ومحمد السهلاوي والذين سجلوا حضورهم التهديفي دائماً دون انقطاع طويل مثلما يحدث حالياً.
غيابات مؤثرة
وربما يمكن أن نلتمس العذر نسبياً لهيرفي رينارد مدرب الأخضر في غياب أبرز عناصر المنتخب، والأفضل فنيا، القائد سالم الدوسري الذي لم يشارك بسبب إصابته في مباراة فريقه الهلال ضد الاتفاق، ومن ثم افتقد المنتخب قوة هجومية مؤثرة ولاعب صاحب حلول غير تقليدية فردياً وجماعياً.
لكن الفشل لأجهزة فنية متعاقبة في إيجاد بديل للاعب واحد يعد أمر سلبيا، إلا أنه يعكس أيضا وضع الكرة السعودية على صعيد الهجوم، تحديدا في الفترة الأخيرة.
معاناة الهجوم في دوري النجوم
ومنذ صيف 2023 وما قبله بدأت حقبة جديدة في الكرة السعودية بتعاقدات قياسية مع أسماء كبرى في سماء الكرة العالمية، واستقدام لاعبين في كافة المراكز لاسيما الهجوم، ما زاد من قوة الأندية وشراسة المنافسة في الدوري أيضا.
لكن نظرة سريعة على قائمة هدافين الموسم الماضي للدوري، كافية للكشف عن المعاناة الحقيقية والتأثير السلبي الواضح الذي نتج عن سياسة الاستقطاب، واعتماد المدربين على الأجانب بشكل أكبر بكثير من المحليين، ما أدى لتراجع مشاركة اللاعب المحلي ومن ثم تراجع مستواه.
صحيح أن البعض يمكنه التعويل على جلب النجوم في تطوير مستوى التنافس بالنسبة للاعب السعودي واكتساب المهارات والخبرات، لكن الجانب السلبي الأكبر هو تراجع مشاركة العناصر الأساسية للأخضر.
ويتفق مع هذا الطرح عديد النجوم في الكرة السعودية، على رأسهم ماجد عبدالله أسطورة النصر والمنتخب السابق، والذي أكد في تصريحات عقب خسارة الأخضر من إندونيسيا إن سياسة استقطاب النجوم والأسماء الكبرى أضرت المنتخب من خلال تراجع مشاركة اللاعب السعودي.
ولعل قائمة هدافي الموسم الماضي خير دليل، والتي تصدرها البرتغالي كريستيانو رونالدو نجم النصر برصيد 35 هدفا يليه الصربي ألكسندر ميتروفيتش لاعب الهلال برصيد 28، بينما يأتي أول الأسماء السعودية، في المركز الخامس برصيد 17 هدفاً وهو فراس البريكان لاعب الأهلي، يليه في المركز 11 سالم الدوسري نجم وقائد الهلال.
وباستثناء الدوسري والبريكان لا يمكن التعويل كثيرا على مهاجمين لا يشاركون بانتظام في الكرة السعودية، حيث تراجعت مشاركات صالح الشهري وعبدالله الحمدان وعبدالرحمن غريب وسميحان النابت، وحتى العناصر الواعدة مثل أيمن يحيى ومحمد القحطاني لم تحصل على فرصة كاملة وتفتقد الخبرات.
ولعل وجود أباطرة الهجوم والتهديف في كل نادٍ، لا سيما الأندية الكبرى، مثل رونالدو وبنزيما وفيرمينو وماني ومالكوم وحمدالله والدعم هذا الصيف بعناصر أخرى في الهجوم مثل توني وماركوس ليناردو وويسلي وأنجيلو وديمبلي، تزيد من الوضع تعقيدا وتقلص فرص اللاعب السعودي في المشاركة أكثر فأكثر.
فعلى سبيل المثال صالح الشهري المنتقل هذا الصيف من الهلال إلى الاتحاد، بعد تراجع مشاركته مع الزعيم، اصطدم بنفس المعاناة مع العميد، إذ لم يعرف طريقه للتشكيل الأساسي سوى بعد إصابة بنزيما.
ضد التيار
وخالف رينارد، عديد الآراء، وسار ضد التيار في رؤيته بشأن ثورة الانتقالات في الدوري السعودي للمحترفين، مشيرًا إلى "تأثيرها الإيجابي" على لاعبي الأخضر.
وقال رينارد، في مؤتمر صحفي قبل مواجهة أستراليا الماضية في التصفيات، "كل شيء يتطور إلى الأحسن في السعودية، والدوري السعودي أيضًا".
وأضاف "أتابع الدوري السعودي بدقة حتى بعد مغادرتي، من الأشياء التي تغيرت أن الفرق أصبح لديها لاعبين محترفين كبار، وهذا يمنح الفرصة للاعب السعودي للتطور بالاحتكاك".
لكن العجز الهجومي الواضح للمنتخب السعودي، يناقض ما ذكره المدرب الفرنسي.
خيارات معقدة
يزداد الوضع تعقيدا في أزمة هجوم الأخضر، بالنظر إلى خيارات المدربين سواء مانشيني أو رينارد وعدم ثبات التشكيل من مباراة لأخرى، ما يخلف حالة من عدم التجانس بين اللاعبين، فتارة نجد البريكان يقود الهجوم، وتارة أخرى يشارك عبدالله الحمدان، علاوة على طريقة اللعب التي تجبر بعض اللاعبين على تغيير مراكزهم ومن ثم افتقاد الخطورة والتأثير أمام المرمى.
وعلى سبيل المثال يشارك الحمدان كجناح هجومي أغلب الأوقات مع الهلال رغم لعبه سابقا كرأس حربة صريح، لكن رينارد يعيد توظيفه في قلب الهجوم، بينما يفتقد المهاجم للإمداد اللازم بالكرات والتمريرات الحاسمة وهو ما يجده من سافيتش ونيفيز وغيرهم من نجوم الزعيم.