أحمد ولد الوديعة
سال الكثير من المداد وربما اللعاب السياسي حول مائدة الحوار المتوهمة، تم تصميم الكثير من السيناريوهات التي لم يخضع أي منها لأي فحص ولا حتى لدراسة جدوى شأنها شأن اغلب مشاريع الجمهورية الجديدة في العهد الجنرالي.
تم تعاطي الكثير من صفقات الوهم بالتراضي بين فرقاء أعيتهم حيلهم الحزبية والسياسية فارتاحت ضمائرهم المعذبة للهروب إلى وهم يلفون فيه بعض تحليلاتهم بالرمل يبعدون فيه عن آذنهم الضجيج تماما كما فعل الجنرال حين هرب من إضراب اسنيم وقمع الصحفيين واعتقال الحقوقيين وطرد الطلاب إلى تيرس، إلى حيث تتبادل الكؤوس مع ندماء الحكم والثروة والتجارة وما كان يفترض أن يكون إمارة.
عن الحوار نحكي عن هذا الكائن الذي ولد فجأة مكتملا من غير علامات حمل، ولا مؤشرات فجر، ولا آلام مخاض، ولد مكتمل البنية ناضج الثمرة كما ولد ذات يوم أغسطسي حاكم ديكتاتوري مكتمل أركان الطغيان يستعرض عضلات عدالته وفقره ويحجب عن الناس الخبز والكرامة والحق في فرص متساوية في استخدام الشعارات وانتحال الصفات.
بينما الناس يختصمون حوله بين مكذب ومصدق مراهن ومباهل، إذ خرج من يعلن نهايته، قال قائل نهايته ولم يبدأ بعد فأجابه الهاتف في غيمة من قهقهة لقد انطلق وحقق نتائجه وانتهى ، نحن في زمن السرعة، الحوار منطلق منذ فترة يجري في الإذاعات والتلفزات وسيارات الأجرة وفي الأسواق، الحاكم المفدى أعلن عنه والمحكوم بهم عبروا عن تململهم في نقطة قصية من غرف نومهم، والمعارضون يتراقصون فرحا على أنغام وهمه المتبدد، وهل هناك نتائج أكثر روعة من مشهد حوار يندب له الرئيس ويتململ منه الموالون في غرف النوم ويرقص على أنغام تخيل انطلاقته المعارضون، إنها نتائج مبهرة ساحرة تؤكد القدرات الاستثنائية للحاكم المفدى وهو يفتتح مأموريته الثانية وقبل الأخيرة ربما.
نتائج تؤكد أنه ما يزال في جعبة موزع الموجود من العدالة والياي بوي المزيد من القدرات الخارقة فصاحب الفخامة لا يكتفى بتعاطي الشعر الهندي فقط بل له في السينما الهندية وغيرها من الفنون والطقوس الهندية نصيب لا يقل عن أسهم فخامته في شركات الحفر والشق وعمليات الجمع والطرح.
كيف يمكن لقائل أن يقول إن الحوار لم ينته بعد ولم يحقق نتائج مبهرة وهاهو السيد محسن الرجل الثاني في الجمهورية الثانية لا يسألني أحد عن عدد الرجال والنساء في الجمهورية فتلك معلومات يحتاج الحصول عليها على بيانات إحصائية من رجل آخر لا أعرف بالضبط رقمه ولا ترتيبه، وليست لدي الإتاوات ولا حظوة الضرورية للوقوف ببابه، كلما أعرف أنه من جماعة العقد والجمع وهم قليل في أوقات الفزع...
المهم أن السيد محسن استطاع بفضل الحوار المبهر أن يستمر في رئاسة الغرفة الأولى في البرلمان – تسمى في بعض النظم الغرفة العليا – محسن بفضل نتائج الحوار الساحر هو ثاني شخصية في جمهورية شخصها الأول صاحب الفخامة والعمامة، وهو هكذا حتى إشعار آخر بنص البيان الأخير لمجلس الوزراء البيان الذي هاجر بعده الرئيس إلى ما هاجر إليه في تيرس.
التوافق الوطني على تمديد مأمورية محسن انجاز للديمقراطية وللتناوب السلمي والشفافية وتخليق للحياة العامة وتوزيع عادل للسلطة والثروة، وإشراك للمعارضة، وتعبير عن التمسك الصارم بنص الدستور وروحه وروحانيته.
وزيادة إلى المكسب المحسني الوطني هناك مكسب آخر كبير فهاهي المعارضة تنشغل بنفسها عن مناشط " تخريبية" كانت على وشك الانخراط فيها، هاهي تستعيد سيرتها الأولى في التنابز وتعود محتفلة إلى مدارج الشك والتشكك والتشكيك ولولا الخوف من المدققين اللغويين لكتبت التشاكك.
إن تفكيك أواصر معارضة لم يفلح ربع قرن من العشرة في بناء جسر ثقة يسير بينها حتى ولو كان من نوع جسر الجمهورية الموجود في مطار نواكشوط الدولي يمثل مكسبا وطنيا يمكن أن يضاف لمكتسبات تجريف ابلوكات ودفنتة مطار نواكشوط الدولي... دعونا نتذكر أن برنامج صديق محسن الأصلي يختصره الجذر اللغوي " لاغ".
شكرا لحوار جعل الموالين يتململون في خلواتهم وأخرج المعارضين يرقصون على أنغام أوهامهم، شكرا لحوار سمح لمحسن بتطبيع وضعه وتجاوز حالة التسلل، وسمح للمعارضة بالعودة إلى ملعبها الذي تتقن ملعب التنابز والمزايدة والوقوع في حبال الوهم... انتهى المقال شكرا.