زيارة موريتانيا.. هل تعيد الجزائر هندسة علاقتها بـ”العمق الإفريقي”؟

اثنين, 12/16/2024 - 10:00

تتزايد مظاهر رغبة الجزائر في تقوية علاقاتها بالقارة الإفريقية سياسيا واقتصاديا، مستحضرة التاريخ كقاسم مشترك يجمع دول القارة في مرحلة حركات التحرر والكفاح ضد الاستعمار، والاحتياج الكبير للتنمية والاستقرار الاقتصادي.

وقدمت زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إلى موريتانيا الأسبوع الماضي، والتي أكد خلاها على المستوى “الممتاز” لتعاون البلدين، صورة واضحة عن إعادة الجزائر هندسة علاقتها بما تطلق عليه “عمقها الإفريقي”، متخذة من الاقتصاد والمنافع المتبادلة ركيزة لتحقيق ذلك.

وينظر خبراء إلى أن “الإصرار الجزائري” على استعادة الامتداد في إفريقيا “عودة طبيعية لفضاء طبيعي”، بينما يتطلب هذا التوجه استراتيجيات “براغماتية” للتفاعل المطلوب مع ما تحتاجه القارة الإفريقية.

** موريتانيا نموذجا

منذ ولايته الرئاسية الأولى في ديسمبر/ كانون الأول 2019، أعاد الرئيس الجزائري مراجعة خارطة السياسة الخارجية لبلاده، مرتكزا على المحدد الجغرافي الذي ساهم بشكل واضح في صياغة أولوياته الجديدة.

وضمن فضاء الجوار الإقليمي بحدوده الشاسعة، توجهت الجزائر بكثل ثقلها الدبلوماسي نحو الجارة موريتانيا، عبر زيارات ثنائية مكثفة ومبادلات تجارية ومشاريع مشتركة.

وجاءت زيارة تبون في 9 ديسمبر الجاري إلى نواكشط للمشاركة في منتدى إفريقي حول “الشباب والتوظيف”، استجابة لدعوة نظيره الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، تأكيدا على استعداد البلدين لدعم بعضهما البعض.

الزيارة لموريتانيا والتي تعتبر الأولى لرئيس جزائري منذ ثلاثة عقود، جاءت بعد سنة حافلة بالمشاريع، حيث أقام البلدان منطقة حرة للتبادل التجاري بداية يناير/ كانون الثاني 2024.

كما شرع البلدان في بناء طريق حدودي يربط مدينة تندوف الجزائر بمدينة الزويرات الموريتانية بمسافة 850 كلم، بتمويل جزائري.

الطريق البري مع موريتانيا والمعبر الحدودي، يشكلان أحد المنافذ الرئيسية للجزائر باتجاه دول غرب إفريقيا، إلى جانب منفذي النيجر ومالي، اللذان لا يعملان بطاقة كاملة نتيجة الوضع الأمني المعقد في البلدين.

** دول الجوار

الرئيس الجزائري أكد أكثر من مرة أن “العلاقات بدول الجوار، لا يجب أن تتوقف عند كونها ممتازة وأخوية وغنية بالتاريخ والتضامن المشترك والروابط الإنسانية”.

وأوضح أن المنطقة بحاجة إلى “تنمية اقتصادية تتطلب تكثيف التعاون التجاري والاقتصادي”، ولهذا الغرض تم وضع نصوص قانونية لاستحداث مناطق للتبادل الحر مع هذه البلدان، في انتظار دخولها حيز التنفيذ.

وقال الرئيس تبون في أحد تجمعاته الانتخابية الصيف الماضي، بمحافظة “جانت” الحدودية مع النيجر، إن “ليبيا والنيجر ومالي دول شقيقة، ولا نريد لها إلا الخير”، ليؤكد رغبته في رفع المبادلات التجارية مع كل دول الجوار.

وخلال تواجده بنواكشط، عقد الرئيس الجزائري محادثات ثنائية “مطولة” مع نظيريه في رواندا بول كاغامي، والسنغال باسيرو فاي، وهما بلدان يتبنيان مع الجزائر فكرة النمو الاقتصادي وطموح التنمية.

وضمن مساعيها لتعميم نموذج علاقتها بموريتانيا، اتفقت الجزائر وجنوب إفريقيا على إرساء علاقات اقتصادية قوية، وذلك خلال زيارة الرئيس الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا، إلى الجزائر الأسبوع الماضي.

واتفق البلدان اللذان خاضا كفاحا ضد الاستعمار ونظام الفصل العنصري، على تنظيم معارض تجارية بينية العام المقبل، كما وجه الرئيس رامافوزا بصفته رئيسا دوريا لمجموعة العشرين، دعوة للرئيس الجزائري عبد المجيد لحضور قمة المجموعة بعام 2025.

** الاقتصاد أولا

ورغم أن علاقة الجزائر بإفريقيا لم تنقطع طيلة 60 سنة، لكنها ظلت في إطارها التاريخي المرتبط بتصفية الاستعمار ودعم حركات التحرر والتضامن بين الأفارقة في المحافل الدولية.

بينما يحمل توجه الرئيس الجزائري الحالي، رؤية تقوم على الاقتصاد بالدرجة الأولى، باعتبار التنمية هي العامل الحاسم في استعادة الأمن وتجاوز النزاعات في مختلف مناطق القارة.

وعقب 6 أسابيع فقط من انتخابه رئيسا للبلاد عام 2019، وبالتحديد في فبراير/ شباط 2020، استحداث تبون وكالة جزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية.

وتم حصر جهد الوكالة في المرحلة الأولى على مساعدة دول الجوار بتنفيذ مشاريع في النيجر ومالي.

وأعلن الرئيس الجزائري، قبل سنتين، تخصيص مليار دولار لدعم المشاريع الاستثمارية لفائدة البلدان الإفريقية الراغبة في الاستفادة عن طريق وكالة التعاون الدولي، والتي تتكفل حاليا بتمويل الطريق البري بين الجزائر وموريتانيا.

** تعديل وزاري

وتتعزز مظاهر الاهتمام النشط للجزائر بعمقها الإفريقي في التعديل الوزاري الأخير، حيث تم إضافة “الشؤون الإفريقية” للتسمية الرسمية لوزارة الخارجية، لتحمل رسميا اسم “وزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية”.

وخلال ذات التعديل، جرى استحداث منصب “كاتبة الدولة” لدى وزير الخارجية، عينت على رأسها السفيرة السابقة في بوركينافاسو، سلمى بختة منصوري.

فيما أجرى وزير الخارجية أحمد عطاف، في اليومين الماضيين جولة إفريقية، شملت كل من بوروندي وأوغندا وأنغولا، حاملا رسالة خطية من الرئيس تبون لقادة تلك الدول.

ولم يكشف رسميا عن فحوى تلك الرسائل، غير أن وسائل إعلام محلية قالت إنها ترتبط بأجندة قمة الاتحاد الإفريقي في فبراير 2025، حيث رشحت الجزائر سفيرتها لدى إثيوبيا ليلى حداد، لمنصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي.

** عودة طبيعية

يصف أستاذ العلوم السياسية بجامعة البويرة الدكتور رابح زاوي، تزايد مظاهر الاهتمام النشط للجزائر بعمقها الإفريقي بأنها “عودة طبيعية لدولة محورية في إفريقيا، لما تقدمه في الاقتصاد وما تقوله في السياسة”.

وأضاف للأناضول: “الرئيس الجزائري باعتباره المسؤول الأول عن رسم السياسية الخارجية لبلاده، قرر التوجه نحو العمق الإفريقي، أي الرجوع إلى الوضع الطبيعي، لأن إفريقيا هي امتداد طبيعي للجزائر”.

وأوضح أنه “في السابق، كان ترتيب الدوائر في هندسة الدبلوماسية الجزائرية، يقدم بعض الجهات كالمنطقة المتوسطية مثلا على حساب الدائرة الإفريقية”.

وتابع” “مع مرور الوقت، انتبهت الجزائر إلى البعد الإفريقي، فمنحته الأولوية في الاقتصاد والسياسية وحتى في مجالات التعاون الاجتماعي لفائدة الشباب”.

وقال زاوي إن “الجزائر تتبنى مقاربات عقلانية تجاه إفريقيا، تقوم على الجانب الثنائي، كما شاهدنا مع تونس وموريتانيا وجنوب إفريقيا”.

كما تظهر تلك المقاربات في “آليات العمل المشترك، مثل لجنة التنسيق الثلاثي التي تضم الجزائر وتونس وليبيا”.

وأوضح أن الجزائر تتوجه نحو إفريقيا “مدفوعة بهدف رفع نسبة الصادرات خارج قطاع المحروقات، ضمن إطار أجندة الاتحاد الإفريقي لسنة 2063، القائمة على تحقيق التكامل والاندماج الاقتصادي بين الدول الإفريقية”.

** وسيط براغماتي

من جانبه، يدعم الخبير والمختص في الاستشارات الاقتصادية فريد بن يحيى، المعطى البراغماتي في علاقة الجزائر مع الدول الإفريقية، وبين علاقة الدول الإفريقية مع بعضها البعض.

وقال بن يحيى للأناضول: “صحيح، هناك تاريخ مشترك وإرث ثقافي بين الجزائر والأفارقة، ولكن إفريقيا اليوم بحاجة إلى التنمية التي تتطلب استثمارات كبرى”.

ومن هذا المنطلق، أكد الخبير الاقتصادي على “ضرورة وضع استراتيجية اقتصادية واضحة، تتمكن من خلالها الجزائر من المشاركة الفعلية في التنمية الإفريقية”.

وأوضح أن الجزائر تستطيع أن تكون “وسيطا” بين البلدان الإفريقية ضعيفة الدخل والمؤسسات المالية الكبرى، للحصول على تمويل المشاريع الاستثمارية، كما يمكنها المساهمة بخبرتها في مساعدة الدول الإفريقية على الاستفادة من الموارد الطبيعية.

وذكر أن دول جوار الجزائر، خاصة دول الساحل الغربي، بحاجة إلى الطاقة التي تشغل المصانع ووحدات الإنتاج، ويمكنها استيراد الطاقة الكهربائية من الجزائر.

وأشار إلى تناول الجزائر والنيجر، قبل أشهر، مسألة استغلال الموارد الطبيعية وبسط السيادة عليها، وكذلك مساعدة دولة الكونغو على استغلال المناجم، تعد “خطوة هامة في الاتجاه الصحيح”.

الجزائر/عباس ميموني/ الأناضول