موريتانيا: البلد هزته انتخابات رئاسية ساخنة وأنهكته الهجرة واللاجئون والشعب شغله طوفان الأقصى

اثنين, 12/30/2024 - 10:44

فاز الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بفترة رئاسية ثانية سماها «مأمورية الشباب» وتعهدت الحكومة بتنفيذ برنامج إصلاحي يشمل تحقيق التنمية الاقتصادية، وتحسين الخدمات الأساسية، ومحاربة الفساد.

نواكشوط ـ «القدس العربي»: كانت سنة 2024 في موريتانيا سنة طوفان الأقصى بامتياز، فقد واكب الموريتانيون طيلة أيام السنة ولياليها مجريات حرب الإبادة التي واصلها العدو الصهيوني ضد الأهالي في غزة، مشمرين عن ساعد جدهم في المناصرة والمؤازرة والتبرع السخي المتواصل بالمال والغذاء.

وإلى جانب ذلك شهدت موريتانيا خلال هذه السنة أحداثا سياسية واجتماعية واقتصادية عكست أحوال بلد خارج من مأمورية أولى وداخل في أخرى ثانية وأخيرة؛ كما شهدت حضورا على الساحة الدولية ومزيدا من توثيق العلاقات مع الجيران.
وانشغلت موريتانيا كذلك بقضايا الفساد وغسيل الأموال، وبمعارك الهجرة السرية، وبتدفق متواصل للاجئين نحو أراضيها.

موريتانيا وغزة

وقفت موريتانيا، حكومةً وشعبًا، موقفًا مشرفًا متميزا على الصعيد العربي، يعكس عمق التضامن الأخوي مع أهالي غزة في ظل العدوان الذي يتعرضون له.
فقد شهدت البلاد مسيرات احتجاجية حاشدة متواصلة أمام مندوبية الأمم المتحدة وسفارة الولايات المتحدة، حيث عبّر المشاركون عن رفضهم القاطع للاعتداءات الإسرائيلية ودعوا إلى وقف فوري للعدوان ورفع الحصار.
وخصص الموريتانيون وقفات امتنان لجنوب أفريقيا لتقديمها مذكرة إلى محكمة العدل الدولية تتضمن حقائق وأدلة وحججا إضافية لإثبات قضيتها بأن إسرائيل ارتكبت وترتكب إبادة جماعية في فلسطين.
وعلى صعيد الدعم المادي والإنساني، تجاوزت التبرعات الشعبية والرسمية 11 مليون دولار، في صورة استجابة غير مسبوقة لحملة وطنية شاملة؛ وتم تسيير قوافل محملة بالمواد الغذائية والمستلزمات الصحية لدعم المستشفيات والجرحى، إضافة إلى توزيع آلاف الوجبات الساخنة وأرغفة الخبز على المتضررين. كما اشتملت هذه المؤازرة على تقديم الأغطية والملابس الشتوية لمواجهة الظروف المناخية الصعبة، إلى جانب توزيعات متواصلة لمبالغ نقدية لتلبية الاحتياجات العاجلة للأسر الفلسطينية.
وبكى الموريتانيون قادة المقاومة الذين اغتالهم العدو الصهيوني وأشعلت هذه الاغتيالات جذوة الاحتجاجات في عموم موريتانيا.

السياسة ومعاركها

مع أن الرئيس ولد الغزواني يرفع راية التهدئة والتشاور، فقد شهدت سنة 2024 عواصف أذكتها انتخابات رئاسية كسبها الغزواني بمعارك صعبة مع المنافسين، وكدرها حراك نقابات التعليم وروابط الطلاب المحتج على الظروف المادية الصعبة للمعلمين وعلى سياسة انتهجتها الحكومة تقضي بحصر المنح الخارجية على طلاب الماستر والدكتوراه من دون غيرهم.
وفاز الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بفترة رئاسية ثانية سماها «مأمورية الشباب» بعد حصوله على 56.12 في المئة من الأصوات، في انتخابات حزيران/يونيو الماضي، وحل في المرتبة الثانية بفارق كبير المرشح بيرام الداه اعبيد، الذي حصل على 22 في المئة من الأصوات، بينما جاء مرشح حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) الإسلامي حمادي ولد سيدي المختار في المرتبة الثالثة بنسبة 13 في المئة.
ورفض بيرام الداه اعبيد نتائج الانتخابات، واصفاً إياها بـ«المزورة» ما أشعل احتجاجات من أنصاره في العاصمة وبعض المدن، تخللتها مواجهات أسفرت عن اعتقالات ووفاة أحد المحتجين.
وعين الرئيس الغزواني بعد إعلان نجاحه في الانتخابات حكومة جديدة شابة برئاسة المختار ولد أجاي، وتقدمت هذه الحكومة ببرنامج أقره البرلمان بـ 140 نائبا صوتوا له بالموافقة من أصل 176 هم عدد النواب، بينما صوت 25 نائبا بالرفض.
وتعهدت الحكومة بتنفيذ برنامج إصلاحي يشمل مجموعة من الورش التنموية الكبرى، بهدف تعزيز الاستقرار، وتحقيق التنمية الاقتصادية، وتحسين الخدمات الأساسية، ومحاربة الفساد في إطار استجابة للتحديات التي تواجه البلاد.

إكراهات الاقتصاد

قطعت موريتانيا قطعت شوطاً كبيراً في تحقيق استقرار اقتصادها الكلي، لكن البنك الدولي أوصى حكومتها بأن تبذل جهدا في التصدي للتحديات الهيكلية التي تعوق النمو على المدى الطويل.
وأكد تقرير تحليلي لحالة الاقتصاد الموريتاني صادر عن البنك أنه من خلال مواصلة جهود الدولة لتثمين رأس المال البشري وتحسين إدارة المالية العامة، فإن موريتانيا ستتمكن من تعزيز مكاسبها، كما ستشجع أيضا على تحقيق نمو أكثر استدامة وشمولاً.
وأكد الإصدار السابع لتقرير البنك الدولي عن موريتانيا أن الآفاق لا تزال مواتية للاقتصاد الموريتاني على المدى المتوسط، حيث من المتوقع أن يبلغ معدل النمو 5.4 في المئة.
الفساد وتبييض الأموال

انشغلت موريتانيا بقضية الفساد وتبييض الأموال؛ والعمولات التي تلقاها مسؤولون ضمن تنفيذ مشروع بناء مختبر جنائي للشرطة الفنية والعلمية في موريتانيا من طرف شركة «جينوميد» التركية.
وبرأت النيابة العامة أسرة الشيخ آياه التي تتولى الخلافة العامة للطريقة القادرية، من أي صلة بالمخدرات أو بعمليات التبييض، وذلك بعد تحقيقات أجرتها حول إشاعات تتهم الأسرة المذكورة بالإتجار بالمخدرات وغسيل الأموال، مؤكدة أن التحقيقات كشفت عن بعض المعاملات المتعلقة بتحويل الأموال خارج الإطار القانوني. وشهدت السنة انعقادا متقطعا لجلسات محكمة الاستئناف حول ملف الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، وأوقفت المحكمة جلستها الأولى بعد أن تقدم دفاع الرئيس السابق بطعن أمام المجلس الدستوري حول دستورية المادة 2 من قانون مكافحة الفساد الصادر عام 2016 التي يحاكم على أساسها الرئيس السابق.
وتابعت المحكمة دورتها بعد أن رفض المجلس الدستوري الطعن الذي تقدم به دفاع الرئيس السابق.

الهجرة واللاجئون

انشغلت حكومة موريتانيا بمعضلة الهجرة وبمشكلة تدفق اللاجئين إلى مناطقها الشرقية الموريتانية.
وصادق البرلمان الموريتاني على القانون المتضمن للأحكام الجنائية المتعلقة بنظام الهجرة؛ واتخذت الحكومة سلسلة إجراءات لضبط دخول الأجانب من منافذها الحدودية، وذلك في مواجهة تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى أراضيها وبخاصة القادمين عبر حدودها مع السنغال ومالي.
وأكدت الحكومة أن موريتانيا تؤوي ما يزيد على 250 ألف لاجئ قادمين من جمهورية مالي المجاورة، كما تستضيف ما يقرب من 400 ألف شاب مهاجر من دول الساحل منتشرين في أنحاء البلاد.
وكانت قضية الهجرة الموضوع الأساسي الذي تركزت حوله زيارة رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، لموريتانيا والتي أسفرت عن إعلان مشترك، وعن مذكرة تفاهم تستبدل هجرة العاطلين الموريتانيين غير الشرعية إلى إسبانيا باكتتابهم بطرق رسمية.

قضايا التعاون العسكري

شهدت السنة توطيد موريتانيا لعلاقاتها العسكرية مع دول وجهات أبرزها ما تمخضت عنه زيارة الفريق أول السعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الجزائري، إلى نواكشوط من توطيد للشراكة الاستراتيجية بين البلدين، في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب.
ووطدت موريتانيا علاقاتها العسكرية كذلك مع فرنسا من خلال زيارة أداها لموريتانيا اللواء باسكال ياني، قائد القوات الفرنسية في أفريقيا؛ كما زادت موريتانيا وإسبانيا من توثيق علاقاتهما العسكرية والأمنية في ختام زيارة أدتها لموريتانيا وزيرة الدفاع الإسبانية مارغريتا روبلس.
وشهدت السنة توثيق علاقات موريتانيا مع حلف شمال الأطلسي «الناتو» من زيارة وفدين من الحلف لنواكشوط أولهما بقيادة رئيس اللجنة العسكرية للحلف الأميرال روبيرت باور، والثاني بقيادة رئيسة برنامج تعزيز القدرات الدفاعية فيديريك جاكمين.
علاقات ودبلوماسية
تولت موريتانيا الرئاسة الدورية للاتحاد الأفريقي في 16 فبراير/شباط 2024؛ وخصص الرئيس الغزواني أسفارا عدة لمهام هذه الرئاسة بينها زيارة وساطة إلى ليبيا، وحضور قمة مجموعة السبع بمدينة باري الإيطالية، وقمة المتابعة العربية الإسلامية المشتركة، والمنتدى الصيني الأفريقي، وقمة بريكس السادسة عشرة.
ووطدت موريتانيا علاقاتها مع عدة دول خلال السنة، وذلك من خلال زيارات قام بها رؤساء والجزائر المجاورتين، ورئيسة الهند ورئيس بوروندي.

عبد الله مولود