شهدت سنة 2024 انتخابات رئاسية نجح من خلالها ولد غزوانى بنسبة ديمقراطية، و عكست فى المقابل اتسونامى انتخابي عبر عدم ارتياح نسبة معتبرة من الناخبين للأوضاع القائمة،و لم تعبر عن رغبة الناخبين فى بيرام و إنما اختياره لإيصال الرصاصة و الرسالة الانتخابية الساخنة،و لا شك أن هذه الرسالة ضد حكم العسكر الذى امتد منذ 1978،لأن هذه الحقبة و باعتراف العسكر أنفسهم و أعوانهم من المدنيين اتسمت بالفساد،فحتى حكومتنا الحالية رفعت أمام البرلمان ضمن خطاب ولد انجاي شعار مكافحة الفساد،و من وجه آخر مثلت تلك الرسالة الانتخابية صراخا ضمنيا من غلاء الأسعار و أزمة التشغيل و تصاعد وتيرة الهجرة لآمريكا،و رغم أن نجاح غزوانى بهذه النسبة المتواضعة كانت تقتضى مسح الطاولة،و رغم إقالة عدة وزراء،إلا أن الفريق الحكومي كرس وجوها مثيرة للجدل،على رأي البعض،و حتى ولد انجاي الذى يراه البعض أملا لإصلاح ولد غزوانى للوطن فى فترة قياسية،ها هو ينتقد وزير الرقمنة بشكل شبه علني و يحتج على تعثر مشاريع قطاعه المهم،و لصاحب الفخامة،محمد ولد الشيخ الغزواني الحق فى الاحتجاج العلني و العملي،فلطالما طالب بقرب الحكومة من المواطن،و مع ذلك بعضهم يرفضون التواصل مع المواطنين، إلا من رحم ربك،و يقولون للمقربين منهم،إن الاتصلات الهاتفية تزعجهم تماما ويخاف البعض أن تكون هذه حكومة فوقية بعيدة من المواطن،و الحمد لله قطاعنا لا يعانى من هذا التنمر،فالدكتور الحسين ولد مدو صديق المثقفين و الصحفيين و الفنانين و باب مكتبه مفتوح على مصراعيه.
و ستواجه حكومة ولد انجاي مصاعب جدية قبل الوصول لمستوى مقبول من التعاطى،فولد انجاي اختاره فى هذه الحقبة الحساسة صاحب الفخامة لقيادة العمل الحكومي،رغم أن الوزير الأول فى موريتانيا مجرد منسق للعمل الحكومي،لكن الرئيس أعطى للوزير الأول الراهن ثقة كبيرة،على منحى العبارة الشهيرة"ألزمني"،و كل ما ورد فى ذلك الصدد يفهم منه ثقة واسعة من قبل ولد غزوانى لصالح ولد انجاي،لكن خصومه يعدون عليه كونه من أبرز رموز العشرية،و يحسبون عليه خصوصا فى مرحلة إدارة الضرائب التضييق على رجال أعمال اعتبرهم النظام حينها غير مرغوب فيهم،و خصوصا اهل نويكظ و أهل اعببدن(سوجكو و أخواتها)،و غيرهم،كما يروج خصوم الرجل لكونه متهما مع ولد عبد العزيز لكن ملفه حفظ فحسب،كما يدعى البعض امتلاكه لثروات طائلة ربما ساهم استغلال النفوذ فى تحصيل جانب منها،و عرف عن ولد انجاي تقريب أصدقاءه و ضرب خصومه،لكن هذا كله على المستوى العام و خصوصا الموالاة قد يتجاوز مؤقتا نظرا للثقة و الفرصة الكبيرة التى منحه السيد الرئيس،فهل يبتعد السيد الوزير الأول،مخطار ولد انجاي عن التخندق و تصفية الخصوم،فذلك أسلوب قد لا يسمح له باستيعاب الجميع.
إن الأوضاع جد صعبة فى موريتانيا،و قد يحصل على وجه راجح قريبا تعديل وزاري مهم،لكن هذا لا يكفى،فولد انجاي ينبغى أن يوسع صدره و يبتعد كليا عن المسارعة دائما لتصفية الخصوم،فولد غزوانى عرف بالتهدئة السياسية و قابلية التواصل مع أكبر عدد من سياسيي و أطر هذا الوطن،و رغم هذا كله قد لا تكون هذه المأمورية الثانية فرصة لتجاوز كبير لأهم مشاكل موريتانيا،لأن هذه المشاكل كثيرة و معقدة،لكن عندما يبتعد ولد انجاي عن التخندق و فلسفة و منهجية تصفية الخصوم،قد يحصل عليه إجماع نسبي سيساعد على التهدئة و تحقيق بعض المنجزات،و ما لا يدرك جله لا يترك كله،أما حديث الناس بل و ربما واقعهم فيعكس مصاعب تستحق مراجعات جادة و استعجالية و ملموسة.
و للتذكير فى هذه السنة 2024 هددت صحتي بل وحياتي عندما أدخلت مع أمراض مزمنة لذلك السجن العتيد،و بمجرد الاتهام الأولي أدخلت السجن،و ليس طبعا من تقدير الصحفيين سهولة مصادرة حريتهم،و طبعا كان ذلك مع الإقالة من الوظيفة فى مجلس الوزراء،المنعقد يوم الأربعاء،28/8/2024،و كان هذا السجن مؤشرا لعودة التضييق العميق على حرية الصحافة و التعبير عموما،و حرصت بعد خروجي من السجن على التهدئة،عسى أن تنطفئ هذه الفتنة،و إن تضررت شخصيا فلكي لا يكون ذلك إضرارا بحرية الصحافة و حرية التعبير،و تعمدت تلك التهدئة بعد خروجي من السجن،حرصا على الصالح العام عموما و خصوصا المكاسب الإعلامية،و ربما سيبقى يوم 28/8/2024،يوما يرمز لخطر على الحريات و حقوق الإنسان فى موريتانيا،حيث فى ذلك اليوم عشت مرارة التضييق على الحرية و التضييق على القوت،لقد استضعفوني و حسبوا أنفسهم أقوياء مقتدرين،و الله هو العدل،عفا الله عن ظلمني،وًكتب الله لي بذلك رفعة و منزلة عظيمة فى الدنيا و الآخرة.
و قد خرجت من السجن بأوجاع مرهقة،عافانا الله و إياكم،و للتاريخ أوقفت عند الدرك ليلتين و بقية الشهر فى السجن المدني،و كان ذلك التوقيف منذ 26/8/2024 إلى يوم 25/9/2024،أي شهرا كاملا.
و بعد خروجي من السجن مازلت أعيش ارتدادات ذلك الحدث الرهيب،سواءً من الناحية الصحية أو المعيشية،و أرجو أن لا يكون ما حصل على منحى جزاء النعمان ملك الحيرة للسنمار،لا قدر الله،حيث بنى له قصرا منيفا، و عندما ألح على المكافأة رماه من فوقه،فالحمد لله على السلامة فحسب.
فقد عملت و اجتهدت إعلاميا فى الرئاسيات و قبلها بأشهر عديدة،ليس من أجل غزوانى فحسب لكن من أجل استقرار الوطن و رفضا للشرائحية و السبل غير الدستورية للوصول للسلطة،و مع قلقلهم من بعض الآراء و ضيق الأفق حرضوا الرئيس علي،لكني فضلت الصبر و التجاهل و التغاضى،على منحى قول الشاعر:
ليس الغبي بسيد فى قومه لكن سيد قومه المتغابى
و فى نهاية هذه السنة قد يطوى ملفها على وقع خبر صحة ولد عبد العزيز و مطالبة كثيرين بإتاحة الفرصة له لعلاج ركبته،و أضم صوتي لعلاج الرئيس السابق،و لا أزايد فى هذا المجال على القضاء المعني و لا الحكومة، لكنها مسألة إنسانية صرفة،و بالنسبة لمحاكمته،فلا أريد البت فى ذلك الجدل،هل هي ضد الفساد أم مسيسة،لكن لا داعي للمبالغة فى هذا الملف،لأنه يعنى باختصار أنه كلما خرج رئيس من السلطة حوكم بأبسط حملة فى فيس بوك،و هذا إن حصل مستقبلا، و بشكل مستمر و متكرر، لا يخدم الاستقرار مطلقا.
و شهدت سنة 2024 و خصوصا نهاياتها عميات قتل،ضمن صراعات بين المراهقين،كما شهدت عمليات اغتصاب عديدة شغلت الرأي العام و ما زالت عملية قتل أستاذ بالنعمة دون خيوط مريحة حتى الآن،و طالب جميع الضحايا،فى الأغلب الأعم،بتطبيق حدود الله،للردع الحقيقي لمختلف الجرائم،و اعترف وزير الداخلية بانتشار المخدرات و تعقد الجرائم و خطر الهجرة غير الشرعية،ليعني هذا باختصار ضرورة مضاعفة الجهد الامني،عسى أن نتمكن من رؤية النور فى نهاية هذا النفق المظلم الخطير.
و أما الحديث عن الغاز و ثمار استخراجه،فبات بين الحقيقة و الخيال.
و الذهب ذهب ريعه للكثيرين و ساهم فى مكافحة البطالة،لكن عملية بيعه للبنك المركزي لم تسلم من ادعاء البعض بأنها غير بعيدة من استغلال النفوذ،لكن هذا التنقيب السطحي عن الذهب رغم انه غيب أرواح الكثير من الشباب و فى المقابل انتفع منه مئات الشباب ،إن لم يكن الآلاف على الأصح،لله الحمد.
و البلد مشكلته ليست فى الثروات،و إنما حسن تسييرها و العدالة فى تقاسمها.
و مازلت متفائلا بأن صاحب الفخامة،محمد ولد الشيخ الغزوانى،حين يحرص على الابتعاد عن تصفية الحسابات و يتمسك فى المقابل بنهجه الذى عرف به،التهدئة السياسية،سيحظى فى هذه المأمورية بفرص ملموسة لإصلاح بعض اوضاعنا الصعبة،أما المنعطف الراهن فصعب رغم الأمل و رغم ما يبذل من جهد مهم،و كما يقال فى المثل الشعبي:"قطرة قطرة اسيل الواد"،لكن الواد يسيل باستمرار بفيض من الأكاذيب و المبالغات و الفساد و استغلال النفوذ و بعض ملامح الجهوية فى بعض التعيينات على حساب آخرين،و مهما ادعينا فكل هذا لا يقلل من أهمية الكثير من المنجزات فى مجالات عديدة.
و أحيانا رؤوس فساد تحظى بالحماية و التدوير،و لعل ذلك لا يساعد مطلقا على تسريع وتيرة الإصلاح.
و فى الحقيقة هنالك فساد و إصلاح و فى تسابق و صراع،فترى أيهما يغلب الآخر؟!.
سيغلب الإصلاح قطعا و لو بعد حين،بإذن الله.
قال الله تعالى:" فأما الزبد فيذهب جفاءً و أما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض".
نرجو من الله توديع هذه السنة بخير و استقبال 2025 بعميم الخير،و نصر الله غزة و رفع شأن المظلومين و المنكوبين،و لله الأمر من قبل و من بعد.
و اما بالنسبة للذين ينفخون فى الكير و يبشرون بالرعب و المخاطر،فأود القول بثقة للموريتانيين تشبثوا بوطنكم و ما تعيشون من استقرار سياسي و اجتماعي و معيشي مهم،مهما كانت النواقص و التحديات،و رئيسنا منتخب بطريقة محترمة،و شخصيا متشبث بموالاته و ما أرى من ضرورة النصح و التوجيه سأبذله،و ما سوى ذلك من دعاوى الانفجار لا صحة له،رغم صعوبة الأوضاع فى بعض الأوجه،و موريتانيا بخير و لكن لها أعداء من الداخل و الخارج،و بإذن الله، لن ينالوا منها، مادمنا متماسكين واعين لأهمية وطن متماسك مستقر،و النواقص ينبغى الاعتراف بها و العمل بموضوعية و شفافية على تجاوزها.
و مهما عمل المنحرفون على محاربة قيمنا الإسلامية،و محاولة نشر بضاعتهم الخبيثة،فستظل موريتانيا عصية على الاختراق،و جدير بنا جميعا وعي خطورة الماسونية و التنصير و مختلف صنوف التفسخ العقدي و الخلقي.
و من قبل أنشد الشاعر المجلسي ابت ولد باباه:
فهذه الأرض للإسلام مهد
و ليست لليهودى و لا المجوسي