مستوى الخطاب البرلماني

ثلاثاء, 01/28/2025 - 09:31
النائب / محمد بوي الشيخ محمد فاضل

تابعت جلسة نقاش حصيلة عمل الحكومة لسنة 2024، وهي مناسبة سياسية هامة تأتي مرة واحدة في السنة، يظهر خلالها الخطاب البرلماني بمحتواه السياسي عن طريق الفرق، وبأسلوبه الفردي عن طريق النواب، تعبيرا عن اهتماماتهم الخاصة وفهمهم للمشهد العام وطرحهم للقضايا الوطنية..

 

خلال متابعتي لحوالي 100 متدخل أو تزيد، طغى الخطاب الموالي بإفراطه في مداخلات الداعمين على كثرتهم، والخطاب المعارض بيأسه فاقدا للثقة في كل صادر عن الحكومة، بفعل نتائج التجارب السيئة السابقة مع النظام..

 

غير أن تصفح هذه الجلسة أبان عن نماذج مقلقة من تردي مستوى الخطاب السياسي في هذه المرحلة:

 

الأنموذج الأول: المساس بالمقدسات تزلفا:

حمل خطاب أحد النواب إساءة بالغة للمقدسات من خلال مقارنته لكتاب الوزير الأول الذي يحمل سياسة حكومته، بكتاب الله جل جلاله القرءان الكريم الذي يحمل وحي الله المنزل على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وهو ترد كبير في الطرح، وتملق شاذ في الفكر، وفقر في أساليب النفاق، ولعله "تازبوت" من إهمال المطالبة بحقوق الناس.

 

الأنموذج الثاني: خطاب الهزل والكذب تملقا:

الطريقة التي تمت بها الانتخابات الأخيرة وما صاحبها من تشكيك حول أساليب إنجاح البعض عبر تطبيقCENIMY ، أوصلت للبرلمان نوابا على مستوى غير مسبوق من الجهل والجشع، بل وبعضهم أصحاب سوابق في القتل والاحتيال، لذلك فإنهم لا يستحون من ذكر الأرقام الكاذبة والمعلومات الخاطئة، حتى أن وجوه الوزراء المعنيين تستنكر مداخلاتهم وتستغربها، وقد وصل التردي والانحطاط والتمييع في الخطاب ببعضهم إلى ترديد الأغنية الشعبية المعروفة "اعلاش واعلاش واعلاش.. الخ .

 

الأنموذج الثالث: الخطاب الفئوي والطبقي استرزاقا:

بنى العديد من النواب مداخلاتهم على أساس مواقف النظام من الخصائص الاجتماعية الوطنية، لكن السؤال هو: هل فهم هؤلاء النواب الخطاب السياسي للنظام حول الخصائص الاجتماعية الوطنية؟ ويبقى الجواب الواضح هو أن التعامل الرسمي الواقعي لنظامهم يظهر سوء فهمهم لمقاصد النظام وفهمه للقضايا المجتمعية.. لقد كانت المداخلة الأدق برمجة في الوقت تظهر أن النظام الذي تتغنى به وتعتمد عليه في قلب الهرم الاجتماعي بجعل عاليه سافلا وسافله عاليا، كانت واقعة في تناقض كبير في تصوير واضح للتموقع السياسي والاجتماعي في شكل ترتيب تقليدي، يجعل "ول الخيمة لكبيرة" في مركز الدائرة متحصنا في زاويته، تستمتع دائرته المكونة من علية القوم وأشرافهم بالميزات المتحصلة من مكانته، محاطا بحاشية من أسافل المجتمع التقليدي، بين شاكر ومطبل له في دور أقديم وبين حامل للسر في دور المخدم، وبين محصل للمال في دور التلميدي، وبين حارس في ثوب المتجرد..

 

إن الشكل الهرمي في البناء الاجتماعي خاصية إنسانية مشتركة، لا تمثل عائقا في وجه إصلاح، ولا تشكل خللا في طرح سليم، وإلا:

1. فكيف بالدول الإسكندنافية أن تصل لهذا المستوى من الشفافية والعدالة وجودة الحياة، وهي محكومة بأسر ملكية؟

2. وكيف ببريطانيا أن تكون بهذه الديمقراطية والعدالة والحرية مع وجود مجلس اللوردات؟

3. وكيف باليابان أن تصل لهذا النمو الصناعي والاقتصادي وهي محكومة بأسرة امبراطورية؟

 

أيها الحاكمون رغبة في السيطرة، لا تفسدوا ما لا تستطيعون إصلاحه، إرضاء للحالمين بما يريدون تخريبه طمعا في الحظوة..

 

 إن الهرم الاجتماعي لا يمكن إصلاحه إلا بالعدالة والديمقراطية والحرية والمساواة، وإن تعذر عليكم إصلاحه فإياكم ومحاولة قلبه، فالقاعدة أن الهرم يسقط مباشرة عند محاولة قلبه غير أنه لا يستقيم مقلوبا.

 

إن هذا الخطاب البرلماني الساقط لا يخدم نظاما، ولا يجلب شعبية، ولا يخلد تاريخا، بقدر ما يترك أثرا سيئا في التاريخ السياسي الوطني، لذلك تجب محاربته.