من فضلكم خففوا علينا كلنا مهاجرون هنا !!/ الهيبه الشيخ سيداتي

اثنين, 02/24/2025 - 13:39

أما أنا فقد روى لي  عن والدي، رحمه الله، أنه نشأ فقيرا لكنه قرر ذات يوم أن يضرب في الأرض ليبتغي من فضل الله فيمم، قبل مولدي، وجهة كانت  حينها مجهولة له ولذويه، وانقطعت أخباره لفترة ليست بالقصيرة، ثم عاد ميسور الحال بمعايير زمنه ومنطقته، بعد أن مارس التجارة سنوات في دولة تسمى ساحل العاج (كديوار) وتحديدا في عاصمتها التي نسميها (ابچه)، التي عاش وعمل بها كل إخوتي لاحقا.

 

 بفضل عائدات تجارة أبي وإخوتي عشت بمنأى عن الحاجة وتمكنت من متابعة تعليمي داخل البلاد وخارجها دون أن أتلقى مساعدة خاصة أو كبير خدمة من دولتي، شأني في ذلك شأن أغلب أبناء القرى في منطقتي التي تتأثر عمليا بأزمات تلك الدولة ومثيلاتها من الدول الإفريقية أكثر مما تتأثر بصخب وجعجعة "النخب الوطنية" في عاصمة بلدنا نواكشوط. 

 

كنا، وما نزال، إذا اشتدت علينا وطأة الصيف وقل الكلأ وشحت مصادر المياه وعسر الحصول على الأعلاف وغلت أسعارها، بفعل مضاربات تجارنا "الوطنيين" وبيروقراطية وسوء تسيير إداراتنا "الوطنية جدا"، طلبنا النجعة في جارتنا مالي فشبعت مواشينا وارتوت وعشنا سعداء محترمين حتى نعود إلى ديارنا. وأظن هذا هو حال كثير من سكان ولاياتنا الحدودية. 

 

ثم سافرت شمالا، حيث تعلمت ورأيت كيف تعلمت أعداد كبيرة من مواطني بلدي في الجامعات المغربية،  ورأيت كيف تعيش أعداد أكبر من الموريتانيين يمارسون أنواعا متعددة من النشاطات أو يأتون للاستجمام أو العلاج أو لتجديد صلات علمية أو روحية، فيقيمون جميعا باحترام وسكينة.

 

 يزعجنا انزعاجكم من الأجانب، فنحن هنا فعلا أجانب، مصادر دخلنا ومقومات الحياة البسيطة في قرانا مصدرها كلها دول عشنا فيها أجانب من وجهة نظركم، ومعارفنا وخبراتنا حصلنا على أغلبها وأهمها من دول عشنا فيها اجانب من وجهة نظركم.

 

اربعوا على أنفسكم، فأهم ثروات هذا البلد ومصدر إشعاعه الأول هي حيوية شعبه وانفتاحه على محيطه المتنوع، وثقافة التسامح التي تميزه، وتراثه الزاخر بوصفه بلد هجرة وأرض استقبال حتى قبل أن يتحول العالم، بتأثير تطور وسائل المواصلات أولا ثم وسائل الاتصال لاحقا، إلى قرية واحدة.

 

لسنا بحاجة لتجديد جراح احداث مؤلمة سبق أن عاشها بلدنا وما تزال آثارها تخرم وحدة مجتمعنا؛ أحداث كان من أسبابها الأساسية شحن غير واع بمآلات الأزمات.

 
شجعوا أبناءنا على تعلم الحرف وتطوير روح المبادرة، وساعدوهم بغرس قيم الاجتهاد والمثابرة، ووفروا لهم التكوين المناسب، ويسروا لهم التمويل، وامنحوهم الأولوية في التشغيل؛ لكن، رجاء توقفوا عن التحريض والشحن وإطلاق النار على أقدامكم، فكم من طفل موريتاني يذهب اليوم إلى مدرسته، وشاب إلى جامعته، وسيدة إلى محلها التجاري، ومسن يتلقى جرعات علاج، بفضل أموال شاب أو كهل يدير أو يعمل في محل أو ورشة أو مصنع في بانجول أو أبيدجان أو كبمير أو خاي أو اكليميم أو تيندوف، ناهيك عن مدن إسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة وبلدان الخليج!