عشر ملاحظات حول أحاديث الهجرة والمهاجرين

ثلاثاء, 03/04/2025 - 01:19
أحمد محمد المصطفى - ahmedou0086@gmail.com

ثار جدل واسع على هذا الفضاء خلال الأيام الأخيرة حول موضوع الهجرة والمهاجرين، وعرف ضخا تدوينيا رهيبا، وتخويفا هائلا، وحديثا "جانبيا" حول الظاهرة، وذكرا لأرقام كان بعضها مبالغا بشكل جلي، لكن رهان أهله على "هشاشة" الرأي العام الموريتاني، وسهولة توجيهه - وحتى التلاعب به - شجعهم على ذلك.

 

لهذا لموضوع المهم والحساس في الآن ذاته أكثر من زاوية تناول:

1. فالهجرة ظاهرة بشرية قديمة قدم البشر أنفسهم، وتعد اليوم إحدى "الإشكاليات الكبرى" للعالم، ولها تأثير متفاوت على كل دوله، سواء دول الوجهة أو دول المصدر، أو العبور، وإن كان ضجيج دول الوجهة أكثر لأسباب يسهل فهمها.
 

2. خلط التناول للموضوع خلال الأسابيع الأخيرة بين مستويات مختلفة ومتباينة من الهجرة - وقد تكون متداخلة في بعض تفاصيلها - يستلزم الخلط بينها تشويشا في التشخيص، وعدم دقة في التحليل، وإرباكا في الحكم، وهذه المستويات، هي:
 

- اللاجؤون لأسباب مختلفة، من دول الجوار أولا، ومن غيرها من دول العالم، وهم الذين فرضت عليهم ظروف ما مغادرة أماكن سكنهم، فلجؤوا إلى البلاد هربا من الأوضاع الأمنية، ومن أمثلة ذلك من وصلوا من الجارة مالي، والذين تتضارب التقديرات الرسمية بشأنهم بين مقلل في سياق معين يتحدث عن 120 ألفا، ومكثر في سياقات أخرى يقترب بالعدد من حاجز 300 ألف (قدرهم وزير الخارجية ولد مرزوك أكتوبر الماضي بـ250 ألفا).
 

- المهاجرون المقيمون بشكل شرعي أو شبهه، وغالبيتهم من دول الجوار، ومن عموم المنطقة، بحثا عن فرص أفضل عملية، أو دراسية، وذلك ضمن الحركة الدائبة لسكان منطقة الساحل والغرب الإفريقي، وشعوبه الرحل،
 

- المهاجرون غير النظاميين، من الساعين للعبور إلى الضفة الأخرى، وهم محور النقاش الأخير، وهو نقاش تصاعد منذ مطلع الفصل الأول من العام 2024، مع بدايات الحديث عن اتفاق موريتاني أوروبي حول الموضوع، والراجح أنه لن يتوقف قريبا، ولن يجد المشاركون فيه - بمنصفهم ومغرضهم – إجابات شافية على أسئلتهم، لأسباب سأعرض لبعضها لاحقا.
 

3. ظلت موريتانيا إلى وقت قريب دولة عبور بالدرجة الأولى، ففيها يوجد أحد الممرات الأكثر "إغراء" للساعين في الوصول إلى "الفردوس المأمول"، في ظل قرب المسافة بين الضفتين، وفي سبيل ذلك سيواجهون الموت عيانا على قوارب الموت، ويعيشون لفترة - تطول أو تقصر – تحت رحمة عصابات التهريب.
 

4. لأسباب تتعلق باستقالة النخب – أو غالبيتها - من دورها في رفع مستويات التناول والتداول العام، أخذ النقاش حول الموضوع مستويات غير لائقة، وصلت بكل أسف درجة وصم مناطق ومقاطعات كاملة بأنها أضحت خاصة بالأجانب، كما تم الحديث عن أعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين في مناطق مختلفة من البلاد، و"ابتلع" الجمهور الطعم بكل بلاهة وبساطة..
 

5. تحول هذا الخطاب في بعض مستوياته إلى خطاب عنصري معاد للأجانب عموما، وللمهاجرين من أصول إفريقية خصوصا، وهذا خطاب خطير جدا، وغير أخلاقي، وجاهلي، ويمكن أن يشكل خطرا على البلد وعلى سلمه، وعلى جاليات موريتانيا المنتشرة في الدول الإفريقية.
 

6. والحقيقة، أن موضوع الهجرة عموما – بما فيه الهجرة غير النظامية (من التجاوزات الدارجة وصفها بغير الشرعية وتجريم الممارسين لها أصلا) – له جوانب إيجابية مع جوانبه السلبية التي تم التركيز عليها، سواء كانت من البلد أو إليه، وفي البلدان المجاورة أدلة كثيرة على ذلك لمن يبحث عنه، لكن ضابط ذلك أن يظل التعاطي معها وتنظيمها وفق أجندات وطنية خالصة، تستحضر تاريخ المنطقة، وحاضرها، ومستقبلها، وطبيعة تكوينها الديمغرافي.
 

7. المسؤولية الأولى والكبرى في طبيعة النقاش حول الموضوع تعود للحكومة، فقد دخلت مسارا مع الاتحاد الأوروبي ظل غامضا إلى اليوم رغم الخرجات المتعددة حوله، فما يخطط له الأوروبيون ويتحدثون عنه علنا يختلف جذريا عما يتحدث عنه المسؤولون الموريتانيين ويتمثل في أن الاتفاق أو البرنامج أو البورتكول واحد. كما أن التجارب التي وقعت في بلدان أخرى أو تم التفاوض حولها تدفع أكثر للتخوف، سواء في تركيا، أو مصر، أو تونس أو غيرهم.
 

8. ساهم النقاش الذي دار حول الموضوع سواء في وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي، أو حتى داخل شبكات الهجرة في تحويل موريتانيا إلى "ترند" في الموضوع، وهو ما جعل التدفق إليها يرتفع، ويتجاوز محيطها القريب لتكون وجهة لموجات هجرة غير نظامية من شعوب بعيدة في أعماق آسيا كالباكستانيين والهنود، والبنغاليين، وغيرهم..
 

9. الخطر - باختصار - ليس في وجود مهاجرين نظاميين أو غير نظاميين، راغبين في البقاء أو ساعين للعبور، وإنما في التحول إلى حارس حدود للأوروبيين، أو تحويل البلاد إلى "سجن" لمن يرغب الأوروبيون في التخلص منه، ومرد هذا الخطر أن القرار على أرضك لم يعد بيدك، أو لم يعد بيدك وحدك، ومستوى الضغط على الأوروبيين سيدفعهم لفعل أي شيء من أجل وقف السيول الجارفة المتدفقة على حدودهم، ومن يتابع مستوى الاهتمام الأوروبي عموما، والإسباني خصوصا بموريتانيا خلال السنة الأخيرة، وأعداد الزيارات المتبادلة (منذ توقيع الإعلان المشترك يوم 07 مارس 2024)، سيدرك حجم ومستوى الملف لديهم.
 

10. للنقاش أيضا بعد سياسي، وخصوصا في أسبانيا، فأحد أسباب تجدد النقاش حول الملف يتعلق بالرقم الذي تحدث عنه رئيس حكومة إقليم كناريا فرنادود كلافيخو من نواكشوط خلال زيارته الأخيرة لموريتانيا، في النصف الأخير من شهر فبراير المنصرم، عندما تحدث عن وجود نحو نصف مليون مهاجر في العاصمة نواكشوط وحدها، والواقع أن هذا الرقم مجرد تقدير غير مبني على معطيات حقيقية، كما أنه يشكل جزءا من مناكفة كلافيخو وتحالفه في جزر الكناري، مع الحكومة المركزية في مدريد، حيث يتهم هذا التحالف الحكومة الأسبانية بالتخلي عنهم في مواجهة موجات الهجرة، وبعدم الجدية في الوفاء بما تلتزم به للدول الأخرى ضمن أجندات تعاونهما في هذا الموضوع وبالأخص موريتانيا.
 

أخيرا، أثبتت المواضيع المثارة أخيرا في المجال العام حاجة البلاد لعودة نخبها من مثقفين وباحثين وسياسيين إلى أداء الواجب تجاه الرأي العام، والنهوض بمسؤولياتهم في رفع مستويات النقاش، وفي إنضاج الآراء، وإبراز مختلف الخيارات في كل الملفات التي يتم نقاشها، وفاء بحق الجمهور في التوجيه والتنوير، وفي التناول دون سقوط ولا شيطنة، وفي الاستشراف المستقبلي الناضج والآمن.
 

وقبل ذلك، وضمنه، قيام هذه النخب بدورها في الضغط على الأنظمة من أجل الشفافية مع الشعب، واحترام حق الجمهور في الحصول على المعلومات، وفي معرفة القرارات المتخذة باسمه، والمؤثرة على حاضره ومستقبله، فهذا من أبرز وآكد حقوقه.