للنقاش بهدوء... العنصرية؟ أم الخيانة؟ أم الازدواجية؟

خميس, 03/27/2025 - 01:40
محمد الأمين سيدي مولود - نائب برلماني

حين يقول النائب خاللي جاللو، ونيابة عن رفاقه، في كلمته أمام الرئيس السنغالي: "إن التيار الافريقي أو الفُلاني، أصبح جاهزا اليوم للتحرك تحت قيادتكم لجمع شمله وتوحيد شتاته في موريتانيا، وهذه القيادات جاءت تستغيث بكم لتبنيها واحتضانها ومساعدتها لبناء حركة جماهيرية فاعلة". فهل هذه خيانة للوطن؟ أم تحرك طبيعي في حيز الأخوة والجيرة وتقوية للعلاقات الافريقية _ الافريقية؟ 

عموما ليس هذا كلام خالي جاللو، بل هو جزء من بيعة بعض السياسيين الموريتانيين للقذافي في مثل هذا الشهر من العام 2010، وما زالوا جميعا يتمتعون بمراكز سياسية ومعنوية مهمة إلى الآن بما في ذلك مناصب انتخابية، فأين الخلل؟ ولماذا الازدواجية؟

 

قبل حوالي 18 سنة قرر أحد المسؤولين الموريتانيين ممن تولى مناصب كبيرة خلال مسيرته الحياتية العودة بعد تقاعده إلى المملكة المغربية بصفته مواطنا مغربيا ولد في موريتانيا، وصرح حينها "أن النقاش في الهوية والجنسية ليس مفيدا لأن زمانه ولى ولأنّ الكل يعرف أن المغرب في فترة من تاريخه كان يمتد من اسبانيا إلى أزواد شمال مالي وشواطيء نهر صنهاجة (نهر السنغال)". حسب تعبيره حينها، فهل قامت عليه ضجة كبيرة أم تم تجاهله؟ وهل عومل كما ينبغي أم استرجع مركزه المعنوي بيننا؟ وهل ما قام به خيانة أم موقف شخصي له الحق فيه حسب البعض حينها؟!

طبعا منذ الاستقلال نوقشت قضية المواطنة المغربية لدى كثيرين هنا، بمن فيهم من كانوا مسؤولين موريتانيين في أعلى مستويات الدبلوماسية والسلطة حينها، بعضهم مزق وثائقه الموريتانية أو أحرقها وبعضهم عاد إلى البلد وتمتع بمركز معنوي مريح، بوصفه مرجعية سياسية واجتماعية وفكرية هامة، فهل حوسبوا كما ينبغي؟ أم أن تصرفاتهم كانت عادية وبسيطة ولا تستحق كبير اهتمام؟!

 

وحتى أيام الناس هذه هنالك قوى سياسية موالية ومعارضة ومرجعيات روحية تبني خطابها وخطبها على التقرب من جهات إقليمية ودولية في الخليج وافريقيا وفي المغرب العربي، ويصل ذلك لمنابر المساجد، فهل يدخل ذلك في المسموح به عرفا وفي تقوية العلاقات بمحيطنا العربي الافريقي الاسلامي أم أنه يمس السيادة ويضر كيان البلد؟ ومن يمكنه تحديد هذه الضوابط؟ وبأي وسيلة وأي خطاب؟ وأين دور النخبة الوطنية الصرفة خاصة الصامتة؟

 

أما الكلام عما دون ذلك من نقد تردي الخدمات وسوء الواقع في البلد في وسائل إعلام أجنبية فهو أمر متجاوز، فنقاش خالي جاللو لواقع بلدنا في قناة سنغالية لا يختلف عن نقاشي أنا لنفس الواقع في قناة عربية فكلانا يستخدم المتاح له من المنابر انطلاقا من خلفيته الثقافية وتكوينه اللغوي، ولا تهم الوسيلة الاعلامية المستخدمة سواء كانت قطرية أو إماراتية أو سنغالية  أو حتى غربية، بل إن الطريف في ضجة خالي الأخيرة أن غضب البعض  من استخدام الاعلام السنغالي أكبر من الإعلام الفرنسي، الذي نستخدمه جميعا نقدا وثناء، تأييدا واحتجاجا. وهنا يمكن إثارة انغلاق الإعلام الموريتاني خاصة الرسمي، فمثلا لم تتح قناة البرلمانية أي فرصة للنائب جاللو ولا غيره منذ الانتخابات البرلمانية الماضية!! هذا علاوة على افتضاح واقعنا خاصة الصحي والتعليمي بسبب النزوح الجماعي إلى السنغال للعلاج والتعلم، فهل نلجأ إلى مستشفياتهم بسبب فشل أنظمتنا، ونقاطع إعلامهم بسبب ازدواجية بعضنا؟!

 

بخصوص الخلل الاجتماعي فهو واضح بيّن، والمشكل الطبقي العنصري المنتشر في كل فئات المجتمع دون استثناء فقائم، ويجب نقاشه وإثارته وليس السكوت عليه، وطبعا لن يكون ذلك من نفس الزاوية، لأن كل شخص قد يتناوله انطلاقا من تكوينه وما يتأثر به وبأسلوبه الخاص، وفي هذا ينبغي الفصل بين سلوك الأنظمة وواقع المجتمع الذي يعاني أغلبه، كما ينبغي لكل سياسي الدقة في الاحصائيات والمعلومات المتعلقة بالديموغرافيا خاصة إذا كانت من أجل التعبئة السياسية، لأن لغة الأرقام خافضة رافعة، هذا مع استصحاب ضرورة الابتعاد عن الشحن الفئوي والقبلي والشرائحي وحتى الجهوي في حشد الولاء السياسي لأن ذلك يقتل الخطاب السياسي ويمزق البلد، وهنا يجب التنبيه إلى أن فشل الأنظمة المتعاقبة في بناء أسس الدولة أدى إلى هذا التشذرم، ومن يظن أنه بإمكانه استخدام الخطاب القبلي والمحاصصة القبلية في التعيينات والامتيازات والصفقات ويمنع الخطاب الفئوي يخطيء الحساب ويجانب الصواب. والنتائج بنات الأسباب.

 

لقد تطرق خالي جاللو لمشاكل جمة مثل قضايا الفساد والعطش والزبونية في التعيينات وإفساد الإدارة ومشاكل الوثائق المدنية ومشاكل العقار الخ وتم طمس ذلك بسبب الوسيلة وهذه ازدواجية غير موفقة يعاني منها كثيرون هنا.
أما الكلام عن اللغة الرسمية للبلد فأول ما ينبغي التذكير به أن الخلل التربوي أصلا من انتاج الأنظمة وليس وليد اللحظة، وأن النخبة المتفرنسة ليست من فئة واحدة بل إن أهم أعمدة السلطة متفرنسون ويدرسون أبناءهم في المدارس الفرنسية داخل البلد وخارجه، وهذا معضل يجب نقاشه بصورة أعمق وأكثر منهجية. 

 

إن التباين السياسي لا يعالج بالإقصاء، ولا بالإرهاب والتخويف والتخوين، والمواطنة حق لا يمن بها عمر على زيد، ولا أحمد على جاللو، ولا آيساتا على فاطمة، والاعتراف بالتباين الثقافي والعرقي فرض وحق لكلنا على كلنا، والتعايش السلمي والعمل على توحيد البلد خاصة في هذه الظرفية هو السبيل الوحيد لبقاء هذا الوطن. 

 

نحن اليوم بحاجة إلى نخبة وحدوية تسمع الجميع وتستوعب الجميع، تبين الضوابط، وتسعى لإنصاف المظلومين، ولتغيير واقع البلد بخطاب ناضج مسؤول يجمع ولا يفرق، ويصلح ولا يهادن ولا يجامل القوى الفاسدة التي جعلتنا في هذا الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي المتردي. ولسنا بحاجة إلى أساليب القمع والتخوين والاصطفاف التلقائي بسبب الموقف من ثقافة أو لون أو عرق الخطيب أو السياسي محل التقييم، إننا بحاجة لوضع معايير عادلة لنقد الخطاب السياسي وتقييم الشخصيات العمومية، بدل الازدواجية والتطفيف.