
«من الصعب شرح سبب استقبالنا للأهداف، لأننا لم نتمكن من الرد كفريق. من الواضح أننا حاولنا اللعب بشكل فردي، لكن ذلك لم ينجح، إذ فقدنا بعض السيطرة على أرض الملعب، في المقابل هم سيطروا على الكرة بشكل أفضل والنتيجة تبقى دائما فوق كل شيء. لقد انخفض أداء الفريق قليلا من الناحيتين الذهنية والبدنية وكان من الصعب إنهاء المباراة بهذه الطريقة لأننا لم نظهر أي ردة فعل. وبوجه عام آخر 30 دقيقة كانت سيئة للغاية، علينا أن نكون نقديين مع أنفسنا والتفكير في القيام بكل ما هو ممكن من أجل التعافي»، بهذه الكلمات الواضحة، اعترف المدير الفني لريال مدريد كارلو أنشيلوتي، أن فريقه استحق الهزيمة النكراء التي تعرض لها أمام نادي آرسنال، في واحدة من قمم جولة ذهاب الدور ربع النهائي لدوري أبطال أوروبا، التي جمعتهما على ملعب «الإمارات» بشمال لندن، وانتهت بفوز صاحب الأرض بثلاثية نظيفة، وفي نفس الوقت، حاول المدرب الإيطالي توجيه سهام النقد للاعبيه، على أمل أن تحدث معجزة في معركة إياب «سانتياغو بيرنابيو» المنتظرة هذا الأربعاء، وفي رواية أخرى، أن يسطر النادي الملكي «ريمونتادا» تاريخية جديدة على طريقة ما تعرف إعلاميا وفي «السوشيال ميديا» بمباراة «الفما حاجة» أمام مانشستر سيتي في إقصائيات نسخة 2022، وليلة هاتريك الأسطورة كريم بن زيمة أمام باريس سان جيرمان في إياب الدور ثمن النهائي لنفس النسخة، وغيرها من السهرات الأوروبية العالقة في الأذهان، التي حسمها العملاق الأبيض بأساليب وطرق أقل ما يُقال عنها «لا تتماشى مع حسابات العقل والمنطق» في عالم الساحرة المستديرة، وهو نفس الأمل الذي سيعيش عليه مدرب بايرن ميونخ فينثنت كومباني، قبل أن يحط الرحال إلى شمال إيطاليا في نفس السهرة الأوروبية، لمواجهة حامل لقب الكالتشيو إنتر في قلعته العصية على الكبار قبل الأندية المتوسطة والمغمورة، حيث سيسعى زعيم الأندية الألمانية لرد اعتباره، بعد سقوطه المحرج أمام أفاعي الداهية سيموني إنزاغي بهدف مقابل اثنين في ذهاب «آليانز آرينا»، وبالمثل سيرفع أستون فيلا الإنكليزي شعار «بيدي لا بيد عمرو» عندما يستضيف باريس سان جيرمان على ملعب «الفيلا بارك»، وذلك لتعويض الهزيمة القاسية التي خرج بها المدرب أوناي إيمري ورجاله من ملعب «حديقة الأمراء»، والتي وصل قوامها لثلاثية كانت قابلة للضعف مقابل هدف يتيم من هفوة دفاعية نادرة طوال الـ90 دقيقة، أما بوروسيا دورتموند، فقد تبخرت آماله بنسبة تلامس الـ99 في المئة في تكرار إنجاز الموسم الماضي، بالذهاب إلى أبعد ما كان في الكأس ذات الأذنين، بعد سقوطه بالأربعة أمام برشلونة في نزهة «المونتجويك»، والسؤال الذي يفرض نفسه الآن.. هل مواجهات إياب ربع النهائي ستكون مجرد تحصيل حاصل؟ أم هناك احتمالات أن نشهد سيناريوهات مختلفة تماما عن الذهاب؟ هذا ما سنجيب عنه ونناقشه معا في تحليلنا لما حدث في سهرات نهاية الأسبوع الماضي.
لا يُخفى على أصغر مشجع لكرة القدم الأوروبية قبل عتاولة النقد والتحليل في أشهر الوكالات والمنصات الإعلامية العالمية، أن ريال مدريد يتعامل مع الأميرة البيضاء، وكأنها واحدة من ممتلكاته أو أصوله الثمينة التي لا ينبغي الاقتراب منها أو التصوير معها، وهذا الأمر يبدو واضحا في قسوته وتجبره على كل كبار وعمالقة القارة بدون استثناء، على الأقل منذ فك شفرة «لا ديسيما» – كأس الأبطال العاشرة- برأسية القائد السابق سيرخيو راموس في شباك الغريم العاصمي أتلتيكو مدريد في نهائي لشبونة الشهير عام 2014، ما جعل الريال – قبل المباراة- يبدو وكأنها الطرف الأوفر حظا للفوز بالمباراة أو على أقل تقدير، سيعود إلى مدينة «فالديبيباس» بنتيجة إيجابية، لكن ما حدث على أرض الملعب، شكل صدمة مزدوجة بالنسبة لعشاق نادي القرن الماضي والحالي في القارة العجوز، حيث كانت الصدمة الأولى، بالاستيقاظ على كابوس الفشل في هز شباك مدفعجية عاصمة الضباب للمباراة الثالثة بينهما في الأبطال، بعد دراما 2006، حين نجح الغزال الأسمر تيري هنري، في قيادة ما تبقى من جيل آرسنال الذهبي لتجاوز أساطير «الغالاكتيكوس» المدريدي الأول أمثال زين الدين زيدان، ديفيد بيكهام، رونالدو الظاهرة والبقية، بالفوز في ذهاب «البيرنابيو» بهدف هنري الشهير، والتعادل بدون أهداف في إياب ملعب «الإمارات»، ثم ما حدث في سهرة الثلاثاء الماضي، أما الصدمة الثانية، فكانت في النسخة الباهتة التي بدا عليها الفريق، خاصة في الشوط الثاني، بمشاهدة 45 دقيقة تندرج تحت مسمى «مباراة من طرف واحد»، وهو صاحب الأرض الذي راهن مدربه مايكل آرتيتا، على الجماعية والجمل التكتيكية المتفق عليها في التدريبات، مؤكدا صحة آراء النقاد والمتابعين، الذين يشككون قوة الريال أو قدرته على العودة كلما اصطدم بمنافس جماعي منظم، مثل ليفربول، وبرشلونة وأتلتيكو مدريد وباقي الفرق التي عانى أمامها الميستر كارليتو وعصابته، وهذا يرجع في المقام الأول، لعلامات الاستفهام الكثيرة حول مبالغة المدرب الإيطالي في الاعتماد على الحلول الفردية واللحظات الإبداعية من المواهب والأسماء الثقيلة المتاحة في الثلث الأخير من الملعب، تارة بقرار جريء من قبل فينيسوس جونيور من الجهة اليسرى، وتارة أخرى بتصرف ذكي من المدمر كيليان مبابي داخل مربع العمليات، وأحيانا تأتي هدية من المبدع البرازيلي رودريغو غوس، أو تمريرة من كوكب آخر من الفتى الإنكليزي غود بيلينغهام، أو قذيفة صاروخية من جوكر الوسط فيد فالفيردي، والمثير للدهشة والاستغراب، وكان سببا في تجدد القصص والشائعات حول مستقبل أنشيلوتي مع النادي، أنه بالعامية المصرية ظل «على وضعه»، مفعلا خاصية انتظار نفحات وهدايا المواهب القادرة على صنع الفارق منذ بداية الموسم، وحتى الاستفاقة على فضيحة ملعب «الإمارات»، كضريبة يراها البعض كانت متوقعة، مع اكتفاء المدرب بالمشاهدة والفريق يسير من سيء إلى أسوأ في الأسابيع القليلة الماضية، شاملة سلسلة النتائج المخيبة للآمال في حملة الاحتفاظ بلقب الدوري الإسباني، والتي كان آخرها الانحناء أمام خفافيش فالنسيا – المهدد بالهبوط لدوري القسم الثاني الإسباني- بنتيجة 1-2 في قلب «سانتياغو بيرنابيو»، ما تسبب في اتساع الفارق مع المتصدر برشلونة إلى أربع نقاط، بعد تعادل الكاتالان أمام ريال بيتيس بهدف لنفسه في نفس الجولة الـ30، والآن يواجه خطر الخروج من بطولته المفضلة، إذا لم يفعلها، وينجح للمرة الأولى في تاريخه، أن يكتب «ريمونتادا» في الإياب بعد تأخره بثلاثة أهداف في مباراة الذهاب.
ثمار وتخبط
من يتابع أخبار آرسنال، وبالتحديد مدربه الإسباني مايكل آرتيتا، يعرف جيدا أنه واحد من أكثر المدربين الذين يتعرضون للانتقادات اللاذعة والعنيفة في مختلف وسائل الإعلام البريطانية، بما في ذلك المحيط الإعلامي المحسوب على أصحاب الجزء الأحمر من شمال العاصمة، وهذا بطبيعة الحال، لإخفاقه في تحقيق الهدف المنشود والذي يحلم به عشاق النادي منذ أكثر من عقدين من الزمان، بقيادة الفريق لاستعادة لقب الدوري الإنكليزي الممتاز للمرة الأولى منذ العام 2004، آخرها الإصرار على الاستفادة أو استغلال عثرات متصدر الموسم الحالي ليفربول، ليبقى الفارق بينهما 11 نقطة قبل سبع جولات من إطلاق صافرة نهاية موسم البريميرليغ، وسبقها اكتفى بالحصول على المركز الثاني خلف مانشستر سيتي آخر موسمين، لكن في المقابل، كانت هناك أقلية ترى أن المدرب يعمل على بناء مشروع لا يمكن الوقوف أمامه على المدى البعيد، وهو ما تجسد في ليلة اكتساح حامل لقب دوري الأبطال بالثلاثة، كيف لا والحديث عن فريق واجه المرشح الأول للفوز بالبطولة، بدون ما يلامس نصف قوامه الرئيسي، والإشارة إلى أسماء بحجم الوافد الجديد من جنة كرة القدم ريكاردو كالافيوري، الذي تعاقد معه آرتيتا في الميركاتو الصيفي الماضي، لإعطاء ما يبحث عنه من إضافة وعمق للخط الخلفي، ومعه صمام أمان الدفاع غابرييل، الذي تعرض لإصابة سيئة، على إثرها تأكد غيابه حتى نهاية الموسم، حتى الظهير الأيمن بن وايت، لم يتعاف تماما من الانتكاسة التي يعاني منها من قبل التوقف الدولي الأخير، ناهيك عن الغيابات المؤثرة في الثلث الأخير من الملعب، متمثلة في صاحب القميص رقم 9 غابرييل جيسوس وشريكه الألماني في الهجوم كاي هافرتز، فقط بوكايو ساكا، هو من كان محظوظا بالتعافي في الوقت المناسب، ليساهم في الانتصار المظفر الذي تحقق على حساب العملاق المدريدي، بذاك الإرهاب الكروي الذي صدره للدولي النمساوي ديفيد آلابا في الجهة اليسرى المدريدية، وتجلى بوضوح في مشهد إعاقته بالإكراه من قبل مواطنه بيلينغهام، بعد مروره بكل سهولة وأريحية من ثلاثة لاعبين من أقصى الجهة، إلى أن اخترق عمق حدود منطقة الجزاء، ليضطر بيلي لطرحه أرضا، ومعها احتسب الحكم الركلة الحرة الثابتة، التي رسم منها عريس الجولة ديكلان رايس، اللوحة الإبداعية الثانية، بتسديدة يُقال عنها من «زمن العمالقة» في المكان المستحيل بالنسبة للحارس تيبو كورتوا، وسبقها بالتسديدة العبقرية التي تجاوزت الحائط البشري بطريقة مقوسة، بطريقة أعادت إلى الأذهان التسديدة الإعجازية لأسطورة البرازيل والريال روبرتو كارلوس في شباك الحارس الفرنسي فابيان بارتيز قبل نهائيات كأس العالم 1998، قبل أن يأتي الدور على الإسباني ميكيل مورينو، ليتكفل بإطلاق رصاصة الرحمة في شباك الضيف الإسباني، فيما كانت أفضل مكافأة أو هدية السماء إلى المدرب آرتيتا، نظير عمله وتخطيطه الصحيح منذ وصوله إلى سُدّة حكم المدفعجية قبل أشهر قليلة من جائحة كورونا.
والعكس 180 درجة بالنسبة لنظيره الإيطالي، الذي يثبت من مباراة لأخرى، أنه شبه عاجز على حل نقاط ضعف فريقه هذا الموسم، أبرزها كما يعرف المشجع المدريدي قبل المنتقدين والشامتين في الثلاثية، لغز الظهير الأيمن منذ خروج القائد داني كاربخال من الخدمة في النصف الأول من الموسم، بداعي الإصابة المروعة التي تعرض لها بقطع في الرباط الصليبي، إلى جانب إشكالية الهشاشة الدفاعية سواء قبل إصابة إيدير ميليتاو أو بعدها، وذلك بالرغم من كفاح ابن الأكاديمية راؤول أسينسيو، كلما حصل على فرصته، فضلا عن أزمة غياب البديل الإستراتيجي لمهندس الوسط توني كروس، وتحويل ثلاثي الوسط إلى حقل تجارب في كل مباراة، والأسوأ على الإطلاق، ما يلاحظه الجميع، الإنتاجية الضعيفة لثلاثي الهجوم مبابي، وفينيسيوس وردريغو ومن خلفهم بيلينغهام، أو بعبارة أخرى أكثر وضوحا، أرقامهم وحضورهم داخل المستطيل، وخصوصا في الليالي الحاسمة، لا تتماشى أبدا مع توقعات الجماهير، بالنظر إلى هؤلاء قبل الموسم، وكأنهم مجموعة من الأسلحة الفتاكة التي ستعصف بالجميع في إسبانيا وأوروبا، لكن على أرض الواقع، تبدو هذه الآمال والتوقعات بعيدة المنال، وسط حالة من الإجماع أو التوافق على أن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق المدرب، الذي لم يفلح حتى هذه اللحظة في الوصول إلى التوليفة السحرية، أو الطريقة المناسبة لتطويع هذا الكم من النجوم والأسماء الثقيلة الطامحة والطامعة في الفوز بجائزة «الكرة الذهبية»، لمصلحة المنظومة الجماعية للملكي، لدرجة أن بعض التقارير الصحافية، بدأت تروج لفكرة إقالة المدرب من منصبه، حال أخفق في قلب الطاولة على آرسنال في موقعة الأربعاء المقبل، لكن كما علمتنا اللعبة المجنونة أنها لا تعرف المستحيل، وبالأخص ريال مدريد عندما يكون في موقف لا يُحسد عليه في دوري الأبطال، فمن يدري. قد تتغير الأمور رأسا على عقب في ملحمة الإياب، لكن هذا سيتوقف على ردة فعل المدرب ولاعبيه بعد الإدارة المتواضعة من قبل أنشيلوتي والظهور الباهت لكل اللاعبين بدون استثناء، وفي القلب منهم فينيسيوس جونيور ومبابي، إذ بدا وكأن الأول يتعامل مع كرة القدم على أنها لعبة فردية، وهذا كان واضحا في مبالغته في الاعتماد على الحل الفردي، رغم حصاره بمثلث بشري لا يفارقه أينما وطأت قدماه نصف ملعب الغانرز، والأكثر تعاسه إجباره على التحرك على مسافة بعيدة عن مبابي وردريغو، وهذا يفسر غياب الفاعلية الهجومية للفريق المدريدي في أغلب أوقات المبارة، مقارنة بالدور الذي لعبه ساكا ومارتينيلي ومن خلفهم رايس والقائد أوديغارد، لخلخلة دفاع الريال وهز شباكه في ثلاث مناسبات، ليصبح عمليا وواقعيا الطرف الأوفر حظا في افتكاك تأشيرة العبور لنصف النهائي، تمهيدا لمقابلة الفائز من باريس سان جيرمان وأستون فيلا على بطاقة اللعب في نهائي «آليانز آرينا» في آخر ساعات أيار/مايو المقبل.
إذلال ومفاجأة
على مسافة تزيد قليلا عن 1100 كم عن ملعب «الإمارات»، وتحديدا على ملعب «المونتجويك»، تلذذ برشلونة في تحطيم معنويات ضيفه الألماني بوروسيا دورتموند ومدربه الجديد نيكو كوفاتش، الذي تسلم المهمة خلفا للتركي نوري شاهين، في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل نهاية الموسم، لكنه كغيره من خصوم البرسا في الآونة الأخيرة، واجه صعوبة بالغة في التعامل مع الخيال العلمي الذي يقدمه الفريق الكاتالوني تحت قيادة عراّب المشروع هانز فليك، ذاك الرجل الذي جاء من بلاد الماكينات الألمانية، ليعيد إحياء إرث برشلونة المفقود منذ حقبة الأصلع العبقري بيب غوارديولا، وبدرجة أقل اللوتشو لويس إنريكي منتصف العقد الماضي، محققا على أرض الملعب حتى هذه اللحظة ما فاق توقعات وأحلام أكثر المتفائلين بنجاح موسم الفريق مع بدء العد التنازلي لنهاية الموسم، أو بلغة كرة القدم أن يأتي شهر نيسان/ابريل الحاسم، ويبقى البلو غرانا على مسافة قريبة من كل الجبهات، متمثلة في الاحتفاظ بصدارة الليغا، والتأهل للمباراة النهائية لكأس الملك، والآن بات قاب قوسين أو أدنى من مواجهة الفائز من إنتر وبايرن ميونخ في صدام نصف النهائي، وكما تقول الأسطورة «النجاح في كرة القدم لا يأتي أبدا بضربة حظ أو من قبيل الصدفة»، بل نتيجة التخطيط السليم والعمل الشاق وأشياء أخرى مثل الثقة المتبادلة بين المدرب واللاعبين، وشعور الجميع بالعدالة داخل غرفة خلع الملابس، فكانت النتيجة ما نشاهده من تشابه وتطابق بين المجموعة الحالية وبين جيل بيب غوارديولا، الذي اكتسح الأخضر واليابسة في إسبانيا وأوروبا في الفترة بين عامي 2008 و2012، بما في ذلك الاستعانة بخدمات عبقري قادم من الفضاء، اسمه الجديد لامين يامال، بدلا من أعجوبة القرن ليونيل ميسي، ومعه المرشح الأبرز للفوز بـ «البالون دور» هذا العام رافينيا، ذاك الرافينيا الذي كان على بعد خطوة من الرحيل عن النادي، بعد فشله في التعبير عن نفسه منذ قدومه من ليدز يونايتد قبل عامين، ثم فجأة وبدون سابق إنذار، تحول إلى هذا الوحش الكاسر، الذي لا يكل ولا يمل أبدا من تقديم الإضافة ويد العون كلما احتاج الفريق، حتى لو كان حساب مصلحته الشخصية، بحكم رغبته المشروعة في تعزيز أرقامه وإحصائياته من أجل المنافسة بشكل أقوى على الجائزة الفردية الأكثر أهمية بالنسبة لنجوم اللعبة، والدليل على ذلك ما فعله في الهدية التي قدمها للهداف روبرت ليفاندوفسكي، مفضلا تمرير الكرة برأسه أمام زميله المتواجد أمام الشباك، لضمان تسجيل الهدف بنسبة 100 في المئة، بدلا من المخاطرة بالتسديد مباشرة في المرمى، وتبعها بالتمريرة الحريرية الخيالية التي سجل منها لامين يامال الضربة الرابعة، على طريقة أيقونة البرازيل روماريو، الذي كان مميزا في هز الشباك بهذه التقنية، بتسديد الكرة بسن الحذاء، حتى لا يعطي حارس المرمى أي فرصة للتفكير في التصدي، وبالتبعية يبدو وكأنه يشاهد الكرة وهي تحتضن الشباك مثل من يتابع المباراة، وبوجه عام، لو تعامل فليك ورجاله بمزيد من الحدة والشراسة بعد قتل المباراة إكلينيكا بالهدف الرابع، لربما انتهت بمهرجان أهداف أو نتيجة غير مسبوقة في هذه المرحلة من البطولة، لكن كان واضحا، أن الجميع اكتفى بهذه النتيجة، لتوفير طاقة الشباب إلى معارك تكسير العظام المتبقية على المستوى والقاري، وأيضا لتجنب المخاطرة بتعرض أحد اللاعبين للإصابة أو الإجهاد، بعد حسم التأهل إلى نصف النهائي قبل زيارة ملعب «سيغنال أيدونا بارك» مساء الثلاثاء المقبل.
بعد آرسنال وبرشلونة، يأتي باريس سان جيرمان، كثالث الفرق التي وضعت قدما في الدور نصف النهائي، بعد معاقبة الفيلانس على جرأته، بهز شباك الحارس جيجي دوناروما، بعد وابل من المحاولات والفرص المحققة على حامي عرين أبطال العالم إيميليانو مارتينيز، وحدث ذلك إثر هفوة دفاعية من الظهير الأيسر البرتغالي نونو مينديز، بالتفريط في الكرة في منتصف الملعب، مانحا الفريق الإنكليزي فرصة على طبق من فضة لشن غارة مرتدة، انتهت باللمسة التي هز بها مورغان روغيرس الشباك الباريسي، وبدأ العقاب بالهدف السينمائي الذي سجله وصيف دورة الألعاب الأولمبية ديسير دوي، بتصويبة من طراز «R2»، اكتفى الحارس الأرجنتيني بمشاهدتها وهي تسكن المكان المستحيل في أقصى الزاوية اليسرى لمرماه، قبل أن يأتي الدور على فتى جورجيا الأنيق كفاراتسخيليا، ليعبث بعقول المشاهدين وعشاق الطرب الكروي الأصيل، بفاصل من العزف المنفرد داخل منطقة الجزاء، وفي الأخير أطلق تصويبة كادت تمزق الشباك، وقبل أن يطلق الحكم صافرة النهاية، أبى البرتغالي مينديز، أن تنتهي المباراة من دون أن يصحح هفوته، بتوقيعه على هدف أقل ما يُقال عنه عالمي، بمراوغة الحارس وآخر مدافع في لعبة واحدة، وأكملها بتسديدة ولا أروع في الشباك، مؤكدا أحقية فريقه في الفوز والاقتراب خطوة جديدة نحو التأهل إلى نصف النهائي، استكمالا لصحوة العملاق الباريسي في هذه البطولة، والتي بدأت من لحظة الفوز على مانشستر سيتي في المباراة الفاصلة والفارقة في مشوار الفريق في مرحلة الدوري، ثم بعد ذلك بإقصاء مواطنه ستاد بريست بنتيجة 10-0 في نتيجة مباراتي الذهاب والإياب للملحق المؤهل لدور الـ16، وما تبعها بالإطاحة بمتصدر البريميرليغ ليفربول، والآن تقدم خطوة على أستون فيلا، فقط يحتاج المدرب لويس إنريكي وفريقه، المضي قدما بنفس الطريقة في زيارة «الفيلا بارك» المنتظرة، لانتزاع التأهل بشكل رسمي من الأراضي الإنكليزية، أما مفاجأة جولة الذهاب، فقولا واحدا، فكانت في الفوز المثير الذي حققه إنتر على حساب بايرن ميونخ على ملعبه «آليانز آرينا» وبين جماهيره، في مباراة أثبت من خلالها المدرب إنزاغي، أن نجاحه في قيادة هذا الفريق إلى نهائي الأبطال عام 2023، لم يكن ضربة حظ، بل مكافأة لمجهوده الكبير في البناء على ما تركه الميستر أنطونيو كونتي، لكن هذا لا يعني بالضرورة أنه قد ضمن التأهل، وذلك بطبيعة الحال لقدرة النادي البافاري على العودة في النتيجة، كفريق متمرس على التعامل مع هكذا ضغوط، حتى لو لم يكن في أفضل حالاته، فهل يا ترى ستسير الأمور في مصلحة الفرق التي حسمت مباراة الذهاب؟ أم سنكون على موعد مع مفاجأة من العيار الثقيل؟ هذا ما سنعرفه في نهاية الأسبوع.
عادل منصور
لندن ـ «القدس العربي»