الحوار الوطني في موريتانيا: أطراف معارضة تحدد شروطاً مسبقة قد تتحول إلى عقبات والمنسق الوطني عاكف على خريطة طريق

ثلاثاء, 04/22/2025 - 10:23

 بينما يسعى موسى فال، المنسق الوطني للحوار السياسي المرتقب في موريتانيا، بخطوات وصفت بأنها «بطيئة لكن مُتْقنة»، لإعداد خريطة طريق لحوار يُرادً له أن يكون غير مسبوق من حيث الشكل والمنهجية والشمولية، بدأت ملامح التحديات تتضح مع بروز شروط أولية مسبقة طرحتها بعض أطياف المعارضة، قد تعرقل انطلاقة سلسة للمسار المرتقب.

وفي الوقت الذي تشدد فيه السلطة على استقلالية الحوار وغياب التأطير الإداري، تصر المعارضة على إدراج ملفات خلافية بالغة الحساسية كشرط للمشاركة، من أبرزها الاعتراف الرسمي باللغات الوطنية، وسحب قانون التوجيه التربوي المثير للجدل، وهما شرطان يطرحهما سياسيون منتمون للأقليات الزنجية الموريتانية، إلى جانب إلغاء القانون الجديد المتعلق بالأحزاب السياسية، والذي تعتبره القوى السياسية المعارضة مسعى لتضييق الفضاء السياسي.
وأكد محمد ولد مولود، زعيم اتحاد قوى التقدم أحد أبرز وجوه المعارضة، «أن الحوار يجب أن يتميز هذه المرة باتفاق جميع الفاعلين السياسيين على ثلاث ضمانات، حتى لا يكون الحوار مجرد تمرين عبثي يمنح النظام مزيداً من الوقت، دون أن ينعكس على استقرار البلد وعلى وحدته».
وأجمل ولد مولود هذه الضمانات في ثلاث نقاط؛ أولها انخراط رئيس الجمهورية بشكل مباشر في هذا التشاور بوصفه الضامن لتنفيذ مخرجات الحوار، والنقطة الثانية تشكيل آلية توافقية للمتابعة مكلفة بالإشراف على تنفيذ كل التوصيات والقرارات المنبثقة عن جلسات الحوار، والنقطة الثالثة هي تعبئة القوى الديمقراطية والشعب الموريتاني من أجل ضمان تنفيذ المخرجات».
وأشار ولد مولود «إلى أن صعوبة تنفيذ مخرجات الحوار غالباً ما تكون أكبر وأهم من التوصل إلى القرارات خلال الجلسات التشاورية».
أما حزب التحالف من أجل العدالة والديمقراطية فيشترط «أن يعلن رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني صراحةً أنه هو صاحب المبادرة في هذا الحوار».
وأكد محمد تيام، مسؤول الإعلام في حزب التحالف، أن «مشاركة الحزب مرهونة بجملة من الشروط المسبقة، تشمل الاعتراف الرسمي باللغات الوطنية (لهجات إفريقية هي الولفية والبولارية والسوننكية)، وسحب قانون التوجيه التربوي، وإلغاء القانون الجديد المتعلق بالأحزاب السياسية». وفي مقابل هذه التخوفات والاشتراطات، يرى موسى فال، منسق الحوار الوطني، أن «مبادرة الرئيس بإطلاق الحوار خطوة سياسية استراتيجية خالية من الضغوط، وتأتي في سياق غير متأزم، كما تنطلق من التزامات محمد الشيخ الغزواني خلال حملته الانتخابية للرئاسة المقررة في 29 يونيو 2024، وتتماشى مع تطلعات الطبقة السياسية واحتياجات المجتمع، لبناء موريتانيا أكثر وحدة وازدهاراً وعدلاً».
وكان موسى فال قد تحدث مؤخراً، في نقطة صحافية، عن نقاط تتعلق بالحوار بينها أهمية الحوار، وسياقه السياسي، وصيغته، ومنهجيته، وآليات تنفيذ التوصيات التي سيتمخض عنها.
وقال: «سيشمل الحوار المعلن جميع الأحزاب السياسية المرخّصة، وخمسة مرشحين للانتخابات الرئاسية في 29 يونيو 2024، في المقام الأول، على أن يتم توسيع دائرة المشاركين لتشمل قوى سياسية أخرى».
وأوضح «أن الأمر يتعلق بحوار غير مؤطر من قبل الإدارة، وتقوده شخصية مستقلة، وقد تم إرسال استبيان إلى الأطراف السياسية والجمعوية لجمع الآراء والأهداف المتعلقة بهذا الاستحقاق». هذا، وتجد تخوفات المعارضة تفسيرها في أمور آخرها وهي عدم تنفيذ مخرجات حوار سياسي سابق جرى بين الأغلبية وجزء من المعارضة، وأسفر عن توقيع ميثاق جمهوري مؤلف من 18 نقطة، لم تجد أي منها طريقها إلى التنفيذ.
وشهدت موريتانيا على مدى العقدين الماضيين سلسلة من الحوارات السياسية التي استهدفت معالجة الأزمات الوطنية وتعزيز الاستقرار الديمقراطي؛ إلا أن هذه الحوارات غالباً ما اصطدمت بعقبات حالت دون تحقيق أهدافها المرجوة.​
ومن أبرز الحوارات حوار 2011، الذي نظمه الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، إلا أن المعارضة قاطعته، معتبرة أنه يفتقر إلى الجدية والشفافية، مما أدى إلى فشله في تحقيق توافق وطني؛ وتلا هذا الحوار حوار 2015 الذي شهد مشاركة بعض أطياف المعارضة، حيث ناقش قضايا مثل بناء الثقة بين السلطة والمعارضة، وتنظيم انتخابات توافقية، ومنع تدخل الجيش في السياسة؛ إلا أن المنتدى الوطني للوحدة والديمقراطية المضاد لانقلاب 2008، تحفظ على بعض النقاط، خاصة المتعلقة بتعديل السن القانونية للترشح، مما أدى إلى تعثر الحوار. وشهدت موريتانيا محاولات لإطلاق الحوار عام 2021، إلا أن الموقف الرسمي من ذلك الحوار لم يتضح، واستمرت المعارضة في الدعوة إلى حوار شامل يناقش القضايا الوطنية الكبرى.
ومن أبرز النقاط العالقة والتي ينتظر أن يتناولها الحوار المنتظر قضية الإشراف على الانتخابات؛ والوحدة الوطنية وقضية الإرث الإنساني، وإبعاد الجيش عن السياسة وعن التدخل في الشؤون السياسية، ضماناً لتحقيق ديمقراطية حقيقية.​
ومع انطلاق الحوار الوطني الجديد يبقى الأمل معقوداً على تجاوز العقبات السابقة وتحقيق توافق وطني يعزز الديمقراطية والاستقرار في موريتانيا.​

عبد الله مولود

نواكشوط –«القدس العربي»