
ترتيبنا العالمي في تقرير مراسلون بلا حدود لحرية الصحافة (خمسون عالميا، الخامسة إفريقيا، الأولى عربيا) يمثل تراجعا كبيرا في مؤشر الحريات الإعلامية، وهو دون الانتكاسة بقليل.. لم نصل إلى الأحمر، ولكننا عند حاشيته البرتقالية..
تراجعت دول عديدة، بل إن نصف دول العالم في المنطقة الحمراء لكن لتراجع موريتانيا مجموعة من الأسباب؛ أولها أننا لم نحتف بالمنظمة التي واجهت ضغوطا كبيرة بعد تقديمها بلدنا على بلدان أخرى عريقة في الديمقراطية وحرية الصحافة.
فقد كان من اللازم استدعاء المنظمة، وتنظيم حفل دولي كبير، يعرّف المعنيين على طبيعة الحريات الإعلامية في بلادنا، ويطلعهم على الفرق بين المستوى الذي وصلنا إليه في القانون، والمستوى الذي تعيش فيه صحافتنا؛ أي يطلعهم على أننا لدينا قوانين للصحافة، وعندنا ممارسون "بشمركة" في الغالب.
السبب الثاني البارز أن القفزة النوعية التي حققنا كانت ناتجة عن حسن ترتيبنا في الحريات، وهي على خمسين درجة من المائة، مع انعدام أي نقطة لنا فيما يتعلق ببقية المؤشرات: المؤسسات الصحفية الحقيقية،حقوق الصحفيين، الخ..
ثم إننا نحن البلد الوحيد في العالم الذي لا توجد فيه بطاقة صحفية مهنية تمنح على أساس معايير واضحة.
من الأسباب كذلك بعض الأحداث التي سجلت هذا العام، ومن ومن بينها بيان الاتحاد الدولي للصحفيين المتعلق بملف الزميل الصحفي موسى ولد بهلي، رئيس رابطة الصحافيين، الذي أعتبر إقالته من منصبه في التلفزيون الوطني فصلاً تعسفيا من الوظيفة، خلافاً للواقع.
البيان نفسه تحدث عن نقطة تتعلق بملف المتعاونين مع وسائل الإعلام العمومية، وهي القضية التي قرر الرئيس غزواني حلها أخيرا، ولكن التقرير لم يشملها.
هناك كثير من الضجيج يثار حول قانون الرموز، وبالتالي يجب أن يخضع لمراجعة، تضمن التفريق بين النقد والإساءة، وتفرق بين صيانة الأعراض وقمع الحريات.
سنشن نحن المصفقين هجوما لاذعا على المنظمة وسنعتبرها متآمرة، وفيها "فظمة" وغير مهمة.
أما الشامتون فسيقرعون طبولهم في الاتجاه المعاكس، ويعتبرون أننا فقدنا ديمقراطيتنا، وتحولنا إلى سجن كبير، ولهم الحق في هذا التشفي، ولكن ليتذكروا دائما أنهم كانوا يمارسون نفس العمل بنفس الطريقة التي كانوا يمارسونه بها، ونحن في الرتبة 33 وسيظلون يمارسونه حتى لو وصلنا إلى الرتبة 190.
الحقيقة أن المنظمة مهمة، وتقاريرها ليست بريئة كل البراءة من عمل مجموعات الضغط التي تخدم بلدانا صديقة منافسة، وبلدانا أخرى ليست صديقة، ولا ترى لنا الحق في التقدم، مثلها في ذلك مثل بعض مواطنينا، وبعض نشطاء فضائنا الافتراضي.
هشاشة الوعي بحرية التعبير عندنا والتباسها بالفوضى، وبتجاوز القانون، واختلاط الصحافة بالبشمرگه، وغيرها من العوامل تحتاج رؤية واضحة، وعملا دؤوبا غير موسمي.
وزارة الثقافة، والهابا، وكل الأجهزة المعنية بصورة البلد في الخارج تحتاج تنسيقا وانسجاما، وعملا واضحا، لأهداف واضحة، يؤدي إلى ترقية موقعنا، وترسيخ حرية الصحافة في بلادنا، وإنهاء الفوضى حتى ولو أدى ذلك لتراجع مؤقت في المؤشرات، ولكنه الضامن لعدم اضطراب الترتيب، والضامن، وهذا هو الأهم، لوجود صحافة تخدم وطنها..