
الموت يختصر الطرق الطوال كل يوم تقريبا في موريتانيا، وينهي التهور وصعوبة الإنقاذ حياة كانت مليئة بالبسمات مفعمة بالفرح، هذا بالفعل ما تعيده الحوادث المؤلمة و الشنيعة التي راح ضحيته الآلاف، لعل آخرهم فاجعة الأمس التي مزقت خمسة أرواح من أسرة واحدة كلمح بالبصر.
اشتعلت السيارة بفعل قوة الارتطام، مع سيارة أخرى، وانغلقت ابواب الرجاء على من كان فيها، قيل إن ركابها كانوا يتعاطون الشاي في سيارة صغيرة تسير بسرعة، قبل أن تلتطم بأخرى معاكسة، وسرعان ما اصطدم البنزين بالغاز والحديد بالحديد، فكانت القصة الحزينة التي تعتبر من أشد ما يكون الألم، وأصعب ما يكون الفقد، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
بات واضحا أن الحوادث في أغلبها نتيجة وعي مفقود، وتهور مستمر، وتهاون بالأرواح، وأن لهذه الحوادث وجهين: حين ينهي تهور سائق أو حفرة في طريق حياة بشر أبرياء، أما الوجه الثاني فتأخر الإنقاذ، بل وصعوبة وصوله، وانعدام وسائله و بدائية آلياته، ومحدودية أعداد المنقذين، وعجز المجاورين من القرى عن الإنقاذ، وبشاعته غالبا..
ومن الوجهين يتركب ذلك الوجه الذي يفزع كل الموريتانيين، والذي أفقدهم منذ عقود كثيرا من رموزهم العلمية والسياسية والمجتمعية والفكرية، وأفقدهم الآلاف من أبناء الشعب الذين تدفقت دماؤهم على قارعة ذلك الطريق الذي يحمل اسم الأمل.
مالذي تملكه السلطة لمواجهة هذه الكارثة؟
لا شك أن الحوادث حالة طبيعية في العالم كله، وفتاكة وقاتلة في العالم كله، ولا يمكن القضاء عليها، لكن وضعية الطرق، وخصوصا المقطع السيئ جدا بين نواكشوط، وبوتلميت، والذي أعد بطريقة أقرب إلى درجات السلم منها إلى الشارع المستقيم، كان لها دور نسبي في الحوادث.
فالطريق الضيق انغرس في بحر لجي من الكثبان المتحركة و أمواج الأتربة المتنقلة، فإذا تعطلت سيارة انسد الطريق أمام المارة وعابري الطريق.
في اليوم السابق على عيد الأضحى تعطلت شاحنة على الطريق بالقرب من قرية النعيم مما تسبب في تعطل الطريق بمسافة طولية تزيد على 10 كم، ورغم أن المساقرين كثر فقد لبثت الشاحنة قرابة 24 ساعة، تسد الطريق..
السيارات العابرة للصحراء فقد حاول أهلها العبور بشق الأنفس من وسط الكثبان والرمال، وأما السيارات الصغيرة والشاحنات فقد قضوا ليلة عيد الأضخى متوقفين.. دون ان يكون هناك اثر للدولة أو تدخل.
قبل سنوات رأيت أحد العمد يبشر عبر الإنترنت أن شركة الكهرباء بصدد مد أعمدة الإضاءة عبر شارع الأمل بتوجنين..
لالوم عليه فطرقنا من اتجاه واحد ولاإضاءة حواليها.. طرق ضيقة ومحاصرة بالرمال، والسفر عليها قطعة من العذاب أو أنه رحلة الذاهب فيها مفقود والعائد منها مولود.
هذه الحادثة ليست يتيمة ولاعابرة بل هي صفة مستدامة، فالشاحنات تتوقف أو تتعطل على الطريق وتتساقط عليها كحبات العقد في الليل البهيم، وكأن الأمر اعتيادي.
كان على الحكومة أن توفر آليات للإنقاذ بعدد الدوريات الكثيرة المنتشرة على قارعة الطريق.
وكان عليها توفير سيارات إسعاف ووسائل انقاد محترمة ففي كثير من الحالات تتعمق الجراح و تقتل بسبب انعدام الخبرة لدى الأهالي الطيبين وهو امر قابل للتغيير.
الأولى بالإنقاد الدولة وجهاتها المختصة لكن في ظل محدودية الوسائل فلماذا لايتدرب السائق على الإنقاد ويكون ذلك شرطا من شروط الحصول على رخصة السواقة.
ما المانع من تأهيل القرى المحيطة بالطريق وتدريبهم على الإنقاد الصحيح مادامت وسائل الدولة محدودة ونفقاتها قاصرة، خاصة ان الحكام والولاة في كثير من الأحيان يندبون السكان للتعليق على خطابات القيادة وعلى تمجيدها.
أليس الأجدر والأولى ان يتمرنوا على ما ينقذ الحياة ويزيد فيها.
ألبس الأولى بالولاة أن يتحركوا في المجتمع للتوعية بمخاطر الطرق و ضرورة محاربة التهور عليها وضرورة أن يسهم السكان في التوعية والسلامة الطرقية.
الجميع شركاء في المسؤولية وإن بنسب متفاوتة..
ما المانع من رعاية مبادرات مجتمعية لتوفير عدد معتبر من سيارات الإسعاف ورصها على الطرق مهمتها الأولى توفير الرعاية الأولية وتوصيل الحالات الحرجة إلى وجهتهم المناسبة.
تهور السائقين جزء أساسي من هذه الحوادث المميتة، وغياب الوعي الجماهيري بخطورة استخدام المواد القابلة للاشتعال في السفر، جزء آخر من صناعة الحوادث الكارثية.
وتأهيل الوحدات الأمنية لتقوم بواجبها اكثر من ضروري وأكثر من ملح..
لاتتساهلوا مع التجاوزات المميتة، فالنائب والجندي والكبراء لاينبغي التغاضي عن مخالفتهم لقواعد السلامة بل ينبغي تنبيههم عليها وعلى ضرورة الاستجابة الفعالة لها لأن في ذلك حمايتهم من الكوارث.
فما من حل سوى التطبيق الصارم لمعايير السلامة الطرقية، والاستفادة من التجارب المتعددة لدى دول العالم.
تطبيق المعايير الشرعية في الدية، بما يضمن استيفاءها كاملة، وهي في حدود تقارب الآن 5 ملايين أوقية جديدة، بدلا من الفتات الذي تدفعه شركات التأمين والذي لا يعفي مرتكب القتل غير العمد من المسؤولية الشرعية لا في الدنيا ولا الآخرة.
بات من الواجب بناء طرق سريعة ومدها في كل أنحاء موريتانيا سيما بمحاذات طريق الأمل.. كي يزول الألم، فالراعي مسؤول عن رعيته ورحم الله الفاروق " لو عثرت بغلة في طريق العراق لسألني الله عنها لم لم تصلح لها الطريق يا عمر"
موقع الفكر