شاعر وزعيم روحي واجتماعي، وأحد أبرز شعراء موريتانيا (بتلميت) في عصر نهضتها الشعرية بالقرن التاسع عشر، وأحد دعاة التجديد الشعري الأوائل فيها. خلف -رغم عمره القصير نسبيا- ما يزيد على ألفي بيت من الشعر، تشمل مختلف الأغراض التقليدية للشعر العربي.
المولد والنشأة
ولد سيد محمد ولد الشيخ سيديا عام 1832 في بوتلميت بالجنوب الغربي الموريتاني، في بيت علم وشرف، فقد كان والده الشيخ سيديا الكبير واحدا من أشهر العلماء وشيوخ التصوف في بلده في القرن التاسع عشر.
الدراسة والتكوين
ترعرع في جوّ علمي وروحي في حضرة والده التي كانت يومئذ مركز نفوذ سياسي وثراء اقتصادي، وكان وحيد أبيه، فعني بتأديبه وتعليمه مستعينا بطلبته ومريديه، وباشر الإشراف عليه مما جعله يتقن بسرعة العلوم المتداولة في عصره.
حظي تعليمه بعناية خاصة، فأخذ عن أبيه وكبار مريديه علوم الفقه الإسلامي واللغة العربية، وأخذ اللغة ودواوين الشعر العربي عن الشيخ محمد ولد حنبل الحسني، وانكب على مطالعة الكتب في مكتبة أبيه الغنية بالمراجع وأمهات الكتب.
وبفعل تلك العناية أصبح واحدا من ألمع وأبرز الشعراء في عصره، وكانت له مكانة علمية وأدبية متميزة شهد له معاصروه بها وكتبها مؤرخو الأدب الموريتاني، وقد وصفه صاحب "الوسيط في تراجم أدباء شنقيط" بالتمكن في العلم واللغة والأدب، وقال إنه كان حسنة من حسنات الدهر.
وقد خلف والده في مشيخته الصوفية، وورث مكانته الروحية والاجتماعية، وتولى مهام القيادة التقليدية في المجتمع، فسير علاقات عشيرته في ما بينها وعلاقاتها بمختلف القبائل والمجتمعات في المنطقة.
التوجه الفكري
أخذ التوجه الفكري له منحيين: سياسيا دينيا، وأدبيا فنيا، يحكم الأول منهما تمسك بالدين الإسلامي ورفض للاستعمار، فيما يحكم الثاني البحث عن التجديد النابع من رغبة في الإبداع وإحساس بضرورة تثوير النص الشعري.
عاش في فترة كان المستعمرون الأوروبيون يقتربون يوما بعد يوم من بسط نفوذهم على الأراضي الموريتانية التي لم تكن محكومة بسلطة مركزية حينئذ، فكان رفضه صريحا لأي نفوذ أوروبي، وكان اشمئزازه شديدا من عدم التوحد لمواجهة من يرى فيهم العدو الديني.
وقد عكس شعره ذلك، وخاصة رائيته المشهورة التي يستنهض فيها حماة الدين للدفاع عنه، والتي يقول فيها:
ولو في المسلمين اليوم حر .. يفك الأسر أو يحمي الذمارَ
لفكوا دينهم وحموه لما .. أراد الكافرون به الصغارَ
حماة الدين إن الدين صارَ .. أسيرا للصوص وللنصارى
فإن بادرتموهم تداركوه .. وإلا يسبق السيف البدارَ
وكانت دعوته للجهاد صريحة، وإيمانه بضرورته قويا حتى إنه استدعى بعض الحرفيين وجمعهم من أجل صناعة الأسلحة استعدادا للمواجهة التي كانت حتمية في نظره.
التجربة الأدبية
حكمت تجربته الأدبية سعة معارفه ومداركه، فجاء شعره متنوعا، يطرق كل أغراض الشعر، وينبض بشاعرية عالية وحسٍّ مرهف، وعكس -كما يقول دارسو الأدب الموريتاني- المستوى الذي وصل إليه الشعر العربي في موريتانيا في تلك الفترة.
وتميز بدعوته للتجديد والإبداع، وامتعاضه من التقليد، وإحساسه بضرورة البحث عن مضامين وقوالب شعرية جديدة، مؤكدا أن الشعراء طرقوا كل المواضيع، وأن ما يقال من شعر في عصره هو مجرد تكرار واجترار. يقول:
يا معشر البلغاء هل من لَوذعي .. يُهدي حِجاهُ لمقصدٍ لم يُبدعِ
إني هممتُ بأن أقولَ قصيدةً .. بِكرا فأعياني وجود المطلعِ
لكمُ اليدُ الطولى علي إن أنتم .. ألفيتموه ببقعةٍ أو موضعِ
ويستمر في الشكوى من التكرار إلى أن يقول:
واليومَ إمّا سارقٌ مستوجِبٌ .. قطع اليمينِ وحسمها، فليُقطعِ
أو غاصِبٌ متجاسِرٌ لم يثنه .. عن عزمه حدُّ العوالي الشرَّعِ
المؤلفات
ترك ديوان شعر ضخم فيه أكثر من ألفي بيت، يضم المديح النبوي، والنقائض والمطارحات الأدبية والإخوانيات، والغزل، وأغراض الشعر التقليدية الأخرى، وقد كان موضوع دراسات وبحوث جامعية عديدة.
الوفاة
توفي الشيخ سيد محمد ولد الشيخ سيديا عام 1869.
الجزيرة نت