
من حيث المبدأ، لا يتوقع مني إلا دعم أي انفتاح على الإعلام والإشادة بأي خطوة نحو مكاشفة المسؤول للرأي العام بما ينوي وما يرى أنه يستوجب التوضيح.
ومن هنا، أعتبر نشر التقارير وحديث رئيس محكمة الحسابات خطوة إيجابية، حتى إن كان غير مألوف، من المحاكم التقليدية على الأقل، الحديث المفتوح للإعلاميين تعليقا على ما تتخذه المحاكم من قرارات؛ وإن كانت هناك حاجة للتوضيح فالأفضل، من وجهة نظري، إصدار بيان مكتوب، فأقلام المحاكم أفصح بيانا وأبلغ حجة من ألسنة أعضائها.
من حيث المضمون.
لم أتبين على أي أساس قانوني استند رئيس المحكمة في قوله إن الاختلالات ذات الطبيعة الجنائية لا تنشر في التقرير. قد نتفهم التحفظ على نشر التفاصيل بناء على ما أشار إليه من احترام قرينة البراءة، لكن خلو تقارير المحكمة من الإشارة إلى الاختلالات المصنفة ذات طبيعة جنائية من شأنه أن يمنح حجة قوية لمحامي المتهمين، فضلا عن كونه يحتاج لأصل في القانون، فقانون المحكمة ينص على أنها تنشر تقريرا عن أنشطتها دون أي استثناء.
وعموما عمل المحكمة رصد ثلاثة أمور: ملاحظات أحالتها المحكمة للمسيرين وقال رئيس المحكمة إنها ليست اختلاسا، وملاحظات قال الرئيس إنها ذات طبيعة جنائية وأحيلت للنيابة العامة، وأخطاء تسييرية جهة الاختصاص في تحديدها وتحديد العقوبات المترتبة عليها هي محكمة الحسابات نفسها. وهذه الأخيرة اعترف رئيسها بعجزها عن اتخاذ إجراءات بشأنها.
هذا يعني باختصار أن المحكمة عجزت عن اتخاذ إجراءات فيما يدخل في اختصاصها وتطالب الجهات الأخرى بما عجزت هي عنه!!!
حديث الرئيس عن عدم ذكر الأسماء لم يأت إلا بنصف الحقيقة. صحيح أن المحكمة اعتادت أن تغفل في تقاريرها ذكر الأسماء، لكنها في السابق كانت تورد الصفات القانونية للموظفين المعنيين، بينما اكتفت في تقريرها هذه المرة بصفة جديدة أسمتها المسير، وهي صفة ليست محددة ولا منضبطة.
فما الذي جعل المحكمة تتراجع عن ذكر الصفات الوظيفية وإذا كان ذكرها في السابق خطأ فلماذا لا يعتذر السيد الرئيس لمن ذكرت صفاتهم في تقريره الماضي.
تقارير المحكمة متأخرة وإجراءات ما بعدها أكثر تأخرا، وهو أمر يجعل القضايا الملاحظة عرضة للتقادم، فمثلا كيف تمكن متابعة المسؤولين عن الإهمال والتقصير في تحصيل الاشتراكات التي لم يسدد أصحابها الكهرباء منذ 2004، كما ورد في تقرير المحكمة هذا العام؟
بقيت نقطة مهمة كشفها رئيس المحكمة أمس، وهي أنهم فعلا أحالوا للجهات المختصة القضايا ذات الطبيعة الجنائية وهو أمر تم العام الماضي والذي قبله حسب الدكتور إدريس حرمة.
وهنا الأهم وهو أن محكمة مختصة أحالت منذ أسبوع ما توصلت إلى أنه يستوجب متابعة جنائية للسلطة التنفيذية ولم تحرك هذه ساكنا لمتابعته حتى الآن، بل إنها فعلت ذلك قبل عام ولم يترتب عليه شيء.